أَمَّرَهُ عَلَى جَيْشٍ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى الشَّامِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ - فِي ذَلِكَ السَّفَرِ يَدْعُونَهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - يَدْعُوهُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ لَهُ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْتَ عَلَيَّ أَمِيرٌ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَمَّنْ هُوَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْكُنُ فِي بِلَادِ الْمُشْرِكِينَ الْحَرْبِيِّينَ وَإِذَا وَصَلَ إلَيْهِمْ مَنْ يَكُونُ لَهُ التَّكَلُّمُ فِي الْبَلَدِ خَرَجُوا إلَيْهِ وَلَاقَوْهُ وَكَثَّرُوا سَوَادَهُ وَرَكِبُوا مَعَهُ وَزَادُوا فِي صُفُوفِهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ ذَلِكَ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَا يَلْزَمُهُمْ بِهَذِهِ الْفِعْلَةِ وَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ إنْ خَشَوْا ضَرَرًا عَلَى نَحْوِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مَالِهِمْ إنْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ جَازَ لَهُمْ فِعْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَخْشَوْا شَيْئًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا فِيهِ تَعْظِيمُ الْكَافِرِ فَيُعَزَّرُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ التَّعْزِيرِ الْبَلِيغِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ هَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَ الْحَرْبِيِّ الْمُشْرِكِ وَأَنْ يَقُومَ إلَيْهِ وَأَنْ يُصَافِحَهُ وَأَنْ يَتَخَضَّعَ إلَيْهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لِيَنَالَهُ مِنْهُ مَالِيَّةٌ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُعَظِّمَ الْكَافِرَ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التَّعْظِيمِ سَوَاءٌ الْمَذْكُورَاتُ وَغَيْرُهَا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ طَمَعًا فِي مَالِ الْكَافِرِ فَهُوَ آثِمٌ جَاهِلٌ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ تَوَاضَعَ لِغَنِيٍّ لِأَجْلِ غِنَاهُ ذَهَبَ ثُلُثَا دِينِهِ» فَإِذَا كَانَ التَّوَاضُعُ لِلْمُسْلِمِ الْغَنِيِّ يُذْهِبُ ثُلُثَيْ الدَّيْنِ فَمَا بَالُك بِالتَّوَاضُعِ لِلْكَافِرِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْأَشْرِبَةِ وَالْمُخَدَّرَات]
(سُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْضَ الْمُفْتِينَ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا سَمَّاهُ تَحْذِيرُ الثِّقَاتِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْقَاتِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَذَلِكَ الْمُصَنِّفُ أَحْمَدُك اللَّهُمَّ أَنْ مَنَنْتَ عَلَى الْمُصْطَفِينَ مِنْ عِبَادِك بِمُجَانَبَةِ سُبُلِ الشُّبُهَاتِ وَحَبَوْتَهُمْ بِأَنْ يَذُودُوا النَّاسَ عَنْ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَ حِمَى الْمُسْكِرَاتِ وَالْمُخَدِّرَات وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَك لَا شَرِيكَ لَك شَهَادَةً أَنْجُو بِهَا مِنْ قَبِيحِ الْمُخَالَفَاتِ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُك الَّذِي أَرْسَلْتَهُ مُكَمِّلًا لِسَائِرِ الْحَضَرَاتِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ حُمَاةِ الدِّينِ الْأَوْفَى وَكُمَاةِ فَتْحِ الْأَرْجَاءِ الَّذِينَ نَصَرُوا الْحَقَّ وَأَشَادُوا فَخْرَهُ وَدَمَغُوا الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ وَأَمَاتُوا ذِكْرَهُ مَا عَبَثَتْ بِخَوَامِدِ الْقَرَائِحِ أَرْوَاحَ الْقَبُولِ فَحَرَّكَتْهَا إلَى أَنْ ظَفَرَتْ بِبُلُوغِ الْمَأْمُولِ.
(أَمَّا بَعْدُ) فَهَذَا تَأْلِيفٌ شَرِيفٌ وَأُنْمُوذَجٌ لَطِيفٌ سَمَّيْتُهُ: (تَحْذِيرُ الثِّقَاتِ مِنْ أَكْلِ الْكُفْتَةِ وَالْقَاتِ) وَسَبَبُهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَيَّ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِنْ مَحْرُوسَتِي صَنْعَاءَ وَزَبِيدٍ أَدَامَ اللَّهُ تَعَالَى لِعُلَمَائِهِمَا غَايَاتِ التَّوْفِيقِ وَالتَّسْدِيدِ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ وَآرَاءٌ مُخْتَلِفَةٌ وَطَلَبَ مِنِّي التَّعْرِيضَ عَلَيْهَا وَالتَّقْرِيرَ لِمَا فِيهَا مِنْ حُكْمِ الْقَاتِ تَحْلِيلًا وَتَحْرِيمًا وَتَخْصِيصًا وَتَعْمِيمًا فَتَصَفَّحْتُهَا فَإِذَا هِيَ مُتَّسِعَةُ الْفِجَاجِ قَوِيَّةُ الْحِجَاجِ مُحْكَمَةُ الْإِطْنَابِ سَائِحَةُ الْإِطْنَابِ شَامِخَةُ الذُّرَى رَافِضَةُ الْمِرَى رَافِلَةٌ فِي حُلَلِ الْإِتْقَانِ وَاضِحَةُ الْأَدِلَّةِ وَالْبُرْهَانِ غَيْرُ مُتَبَايِنَةٍ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لِاتِّفَاقِهَا عَلَى الْحُكْمِ وَإِنَّمَا اُخْتُلِفَ فِي الطَّرِيقِ كَمَا سَيَتَّضِحُ وَبِهِ الصَّدْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَنْشَرِحُ لَكِنَّهُ اخْتِلَافٌ اسْتَنَدَ كُلٌّ مِنْ طَرَفَيْهِ إلَى الْوَاقِعِ فِي التَّجْرِبَةِ وَالِاخْتِبَارِ وَالْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْإِخْبَارِ فَلِذَلِكَ أَظْلَمَتْ هَذِهِ الْحَادِثَةُ الْقُلُوبَ وَحُقَّ لَنَا أَنْ نُفَوِّضَ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِيهَا إلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ إذْ الْحُجَّةُ إمَّا عَقْلِيَّةٌ مَثَلًا أَوْ نَقْلِيَّةٌ مَثَلًا أَوْ مُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا وَالْعَقْلِيَّةُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا إنْ كَانَتْ مُقَدِّمَتُهَا يَقِينِيَّةٌ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ لَا تَنْتُجُ إلَّا قَطْعِيًّا حَقًّا وَلَازِمُ الْحَقِّ وَهِيَ مَا يَجْزِمُ بِهَا الْعَقْلُ بِمُجَرَّدِ تَصَوُّرِ طَرَفَيْهَا أَوْ بِوَاسِطَةٍ، أَوْ الْحِسِّ، أَوْ كِلَاهُمَا كَالْمُتَوَاتِرَاتِ وَالتَّجْرِيبِيَّاتِ وَالْحَدْسِيَّاتِ وَالنَّقْلِيَّةِ مَا صَحَّ نَقْلُهُ عَمَّنْ عُرِفَ صِدْقُهُ عَقْلًا وَهُمْ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَأَتَمُّ السَّلَامِ وَيُفِيدُ الْعِلْمَ وَكَذَا الظَّنَّ إنْ صَحِبَهَا تَوَاتُرٌ مَعَ انْتِفَاءِ الِاحْتِمَالَاتِ الْآتِيَةِ وَلَا يُفِيدُ غَيْرَ ذَلِكَ لَا غَيْرُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ.
وَالْحَقُّ أَنَّهُ قَدْ يُفِيدُ الْعِلْمَ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ