عَلَى مَا فَهِمَهُ مِنْ تَغَايُرِ الْفَرْضِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ فُلَانًا بَالِغٌ بِالسِّنِّ وَبَيِّنَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَوْ بِأَنْ عَمَّرَهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً فَهَلْ تَكُونُ مِنْ شَهَادَةِ النَّفْيِ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ قِيلَ هَذَا فَمَا صُورَةُ شَهَادَةِ النَّفْيِ الْمَقْبُولِ وَغَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الشَّهَادَةِ بِالْبُلُوغِ بِالسِّنِّ مِنْ كَوْنِ الشَّاهِدَيْنِ خَبِيرَيْنِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا لِعَدَدِ السِّنِينَ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي سِنِّ الْبُلُوغِ فَحِينَئِذٍ إذَا تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَانِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا خَبِيرَةً بِهِ دُونَ الْأُخْرَى قُدِّمَتْ الْخَبِيرَةُ عَلَى الْأُخْرَى وَكَذَا إذَا أَطْلَقَتْ إحْدَاهُمَا وَعُيِّنَتْ الْأُخْرَى فَتُقَدَّمُ الْمُعَيِّنَةُ عَلَى الْمُطْلَقَةُ وَإِنْ كَانَتَا خَبِيرَتَيْنِ وَعَيَّنَتَا كَأَنْ قَالَتْ وَاحِدَةٌ سَنَةَ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً وَقَالَتْ الْأُخْرَى سَنَةَ أَرْبَعَ عَشَرَةَ سَنَةً قُدِّمَتْ الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِكَوْنِهَا نَاقِلَةً عَنْ أَصْلِ بَقَاءِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَالْأُخْرَى مُسْتَصْحِبَةٌ لِبَقَائِهِ فِيهَا وَالنَّاقِلَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَصْحِبَةُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ نَعَمْ إنْ عَيَّنَتْ زَمَنًا لِلْوِلَادَةِ بِأَنْ قَالَتْ وُلِدَ وَقْتَ كَذَا وَقَالَتْ الْأُخْرَى شَاهَدْنَا أُمَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهِيَ غَيْرُ وَالِدَةٍ تَعَارَضَتَا وَتَسَاقَطَتَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ مِنْ شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّ فُلَانًا بَالِغٌ بِالسِّنِّ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَكَذَا شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ غَيْرُ بَالِغٍ بِالسِّنِّ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ عَدَدِ السِّنِينَ وَهَذَا مِنْ صُوَرِ شَهَادَةِ النَّفْيِ غَيْرِ الْمَقْبُولِ وَإِنْ بَيَّنَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ بِالسِّنِّ وَعُمْرُهُ ثَلَاثَ عَشَرَةَ سَنَةً فَرْقًا إذْ الْأُولَى غَيْرُ مُعَيِّنَةٍ لِلسِّنِينَ فَلَا تُقْبَلُ وَإِنْ لَمْ يُعَارِضْهَا بَيِّنَةٌ أُخْرَى وَالثَّانِيَةُ مُعَيِّنَةٌ لَهَا فَتُقْبَلُ مَا لَمْ تُعَارِضْهَا بَيِّنَةٌ أُخْرَى كَمَا قَدَّمْتُهُ وَصُورَةُ شَهَادَةِ النَّفْيِ الْمَقْبُولِ هُنَا مَا ذَكَرْته مِنْ أَنْ تُعَيِّنَ بَيِّنَةً وَقْتًا لِلْوِلَادَةِ وَتَقُولَ الْأُخْرَى شَاهَدْنَا أُمَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ غَيْرَ وَالِدَةٍ فَهَذَا نَفْيٌ مَحْصُورٌ مُتَقَبَّلٌ بِمَعْنَى أَنَّهُ تُلْغِي الْبَيِّنَةَ الْأُخْرَى لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَعَارُضِهِمَا.
[بَابُ الصُّلْحِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلَيْنِ تَصَالَحَا عَلَى إنْكَارٍ ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدَ الصُّلْحِ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَأَبْرَأهُ فَهَلْ يَنْفُذُ الْإِقْرَارُ وَالْإِبْرَاءُ مُطْلَقًا أَمْ فِيهِ تَفْصِيلٌ بَيِّنُوا ذَلِكَ مَعَ بَسْطِ الْجَوَابِ فِيهِ فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا؟
(فَأَجَابَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِبَارَةُ الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الصُّلْح عَلَى الْإِنْكَارِ وَإِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُنْكِرًا فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُمَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمَا وَيَرْجِعُ الْمُدَّعِي إلَى دَعْوَاهُ وَالْمُعْطَى بِمَا أُعْطِي وَسَوَاءٌ إذَا أَلْغَيْنَا الصُّلْحَ قَالَ الْمُدَّعِي قَدْ أَبْرَأْتُك مِمَّا ادَّعَيْت عَلَيْك أَوْ لَمْ يَقُلْهُ مِنْ قَبْلُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ عَلَى أَنَّهُ يُتِمُّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ وَلَيْسَ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَبِيعَهُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فَإِذَا لَمْ يُتِمَّ لَهُ لِلْفَسَادِ رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ أَصْلِ مِلْكِهِ كَمَا كَانَا قَبْلَ أَنْ يَتَبَايَعَا. اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِقَوْلِ الْمُدَّعِي بَعْدَ الصُّلْحِ الْفَاسِدِ قَدْ أَبْرَأْتُك لِمَا عُلِّلَ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ أَيْ وَلَمْ يُتِمَّ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمْلِكُ مَا أَخَذَهُ بِالصُّلْحِ الْفَاسِدِ بَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَهُوَ أَنَّمَا أَبْرَأَ عَلَى ظَنِّ سَلَامَةِ مَا أَقْبِضُهُ لَهُ وَلَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبْرِئْهُ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ بَانَ فَسَادُ إبْرَائِهِ فَيَبْقَى دَيْنُهُ بِحَالِهِ
وَجَرَى عَلَى هَذَا الَّذِي فُهِمَ مِنْ هَذَا النَّصِّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ إذَا صَالَحَ مَعَ الْإِنْكَارِ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي لَمْ يَبْرَأْ وَلَزِمَهُ فِي الْحُكْمِ رَدُّ مَا قَبَضَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ بِالْأَلْفِ بَيِّنَةً عَادِلَةً كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَانَ مَقْرُونًا بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ فَلَمَّا لَزِمَهُ رَدُّهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بَطَلَ إبْرَاؤُهُ لِعَدَمِ صِفَتِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَأَذِنَ لِمُشْتَرِيهِ فِي عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ كَانَ بِمِلْكِ الْعِوَضِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَمْ يُعْتِقْ عَلَيْهِ. اهـ.
وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا مَعَ زِيَادَةٍ فَقَالَ لَوْ قَالَ بَعْدَ الصُّلْحِ بَرِئْت مِنْ الْحَقِّ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا فَقَالَ قَدْ مَلَّكْتُكهَا فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى الدَّعْوَى؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ عَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ لِمَكَاتِبِهِ بَعْدَ قَبْضِ النُّجُومِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً يُرَدُّ إلَى الرِّقِّ عَلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّ اعْتِرَافَهُ عَلَى تَقْدِيرِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ لَهُ وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute