يَسْلَمْ فَإِنْ قَالَ بَعْدَ الصُّلْح أَبْرَأْتُك فَإِنْ كَانَ يَعْتَقِد صِحَّة الصُّلْحِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابَة وَإِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ الْفَسَادَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ الصُّلْحِ وَهَبْتهَا مِنْك وَكَانَ الْمُدَّعِي عَيْنًا وَقَالَ قَبِلْت فَإِنْ اعْتَقَدَ فَسَادَ الصُّلْحِ صَحَّتْ الْهِبَةُ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَا لِلْإِبْرَاءِ حُكْمٌ. اهـ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَارَةً يَأْتِي بَعْد الصُّلْحِ بِمَا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْشَاءَ كَقَوْلِهِ بَرِئَتْ مِنْ الْحَقِّ وَمَلَكْت الْعَيْنَ فَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ وَلَا الْمِلْك قِيَاسًا عَلَى مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ وَتَارَةً يَأْتِي بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْإِبْرَاءِ وَالْمِلْكِ كَأَبْرَأْتُكَ وَمَلَّكْتُك فَإِنْ عَلِمَ فَسَاد الصُّلْحِ صَحَّا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا عَلَى ظَنِّ شَيْءٍ وَإِنْ جَهِلَ فَسَادَهُ فَسَدَا؛ لِأَنَّهُ أُتِيَ بِهِمَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَسْلَمُ لَهُ مَا صَالَحَ بِهِ فَلَمَّا لَمْ يَسْلَمْ لَهُ بَانَ عَدَمُ صِحَّتِهِمَا ثُمَّ تَفْصِيلُهُ الْمَذْكُورُ فِي أَبْرَأْتُك وَمَلَّكْتُك إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْل شَيْخِهِ الْقَاضِي وَصَاحِبِهِ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي الرَّهْنِ.
وَنَظَائِرِهِ عَلَى ظَنِّ الْوُجُوبِ أَنَّهُ فَاسِدٌ وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّهْنِ تَبَعًا لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَوَلَدِهِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ الصِّحَّةِ قَالَ الْإِمَامُ وَقَوْلُ الْقَاضِي بِالْفَسَادِ غَلَطٌ فَالْقِيَاسُ صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ وَالتَّمْلِيكِ فِي أَبْرَأْتُك وَمَلَّكْتُك مُطْلَقًا وَهُوَ الْوَجْهُ.
وَأَمَّا مَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي فِي بَرِئْت فَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبْرَأْتُك أَنَّ بَرِئْت وَأَنْتَ حُرٌّ كُلٌّ مِنْهُمَا مُحْتَمِلٌ لِلْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ بَلْ بَرِئْت صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي الْإِقْرَارِ لَكِنَّ الْقَرِينَةَ الظَّاهِرَةَ صَرَفَتْ ذَيْنك عَنْ الْإِنْشَاءِ وَمَحَّضْتُهُمَا لِلْإِقْرَارِ عَلَى أَنَّ ظَنَّ أَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَإِذَا بَانَ بَقَاءُ حَقِّهِ بَانَ أَنَّ إقْرَارَهُ لَمْ يُصَادِفْ مَحَلًّا وَأَمَّا أَبْرَأْتُك وَمَلَّكْتُك فَهُمَا صَرِيحَانِ فِي الْإِنْشَاءِ وَالْقَرِينَةِ وَإِنْ قَوِيَتْ لَا قُوَّةَ لَهَا عَلَى صَرْفِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ فِي مَعْنَى إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَعَمِلَا بِمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ إفَادَةِ الْإِبْرَاءِ وَالْمِلْك سَوَاءٌ ظَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ أَمْ لَا وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ النَّصِّ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى كَلَامِ الْقَاضِي الضَّعِيفِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ أَيَّدَ كَلَامَ الْقَاضِي بِذَلِكَ النَّصِّ وَأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِقَوْلِهِ كَمَنْ بَاعَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ وَأَنَّ الْقِيَاسَ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ الْإِذْنِ وَمُصَادَفَةِ الْإِعْتَاقِ الْمِلْكَ بِاللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ السَّابِقَةِ أَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ الْإِبْرَاءُ صَرِيحًا بَلْ ضِمْنًا كَأَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ فِي الظَّاهِرِ وَكَذَا الْبَاطِنِ إنْ اشْتَرَطْنَا الْقَبُولَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَلْفِ إذَا بَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُبُوتُهَا بِإِقْرَارٍ وَبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ هُنَا إنَّمَا كَانَ فِي ضِمْنِ الصُّلْحِ فَإِذَا فَسَدَ فَسَدَ الْإِبْرَاءُ تَبَعًا لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَأَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى فَالْإِبْرَاءُ هُنَا وُجِدَ مُسْتَقِلًّا فَيَكُونُ صَحِيحًا وَلَا نَظَرَ لِتَبَعِيَّتِهِ لِلصُّلْحِ؛ لِأَنَّ شَأْنَ التَّابِعِ أَنْ لَا يُمْكِنَ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ مَعَ وَصْفِ التَّبَعِيَّةِ وَهَذَا مَعَ كَوْنِهِ تَابِعًا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُمْكِنُ اسْتِقْلَالُهُ بِنَفْسِهِ فَأَثَّرَ فِي مَدْلُولِهِ وَإِنْ فَسَدَ مَا سَبَقَهُ مِنْ الصُّلْحِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ فِيمَا قَرَّرْته تَبَعًا لِلسُّبْكِيِّ وَإِنْ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْكِتَابَةِ وَالصُّلْحِ وَغَيْرِهِمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَانِي الْأَمْرِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ مُخَالِفًا لِمَا فِي الْبَاطِنِ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ. اهـ.
وَوَجْهُ رَدِّهِ أَنَّ هَذَا الْبَانِيَ تَارَةً بِعُذْرٍ فِي بِنَائِهِ بِأَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةٍ لِلْقَرِينَةِ دَخْلٌ فِي تَخْصِيصِهَا فَلَا يُؤَاخَذُ وَتَارَةً لَا يُعْذَرُ بِأَنْ يَأْتِي بِمَا لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْقَرِينَةُ فَيُؤَاخَذُ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَقَدْ جَرَى فِي الْأَنْوَارِ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَرِئْت وَأَبْرَأْتُك فَقَالَ لَوْ صَالَحَ مِنْ الْإِنْكَارِ ثُمَّ قَالَ بَرِئْت مِنْ الْحَقِّ أَوْ أَبْرَأْتُك عَنْهُ أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَيْنًا فَقَالَ مَلَّكْتهَا فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى الدَّعْوَى وَلَا مُؤَاخَذَةَ بِالْإِقْرَارِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إلَى مَا جَرَى. اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ صَحِيحٌ إلَّا مَا ذَكَرَهُ فِي أَبْرَأْتُك لِمَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ وُجِدَتْ هَذِهِ الصِّيغَةُ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الْأَذْرَعِيِّ إذَا لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ فَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَرْجِعُ إلَى الْعِوَضِ الَّذِي دَفَعَهُ وَلَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ أَيْ بِإِبْرَاءِ الْمُدَّعَى لَهُ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِالْإِبْرَاءِ أَوْ لَمْ يُصَرِّحْ فَإِنَّهُ وَإِنْ صَرَّحَ فَإِنَّهُ إنَّمَا أَبْرَأَهُ لِيَسْلَمَ لَهُ الْعِوَضُ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ فَبَطَلَ الْإِبْرَاءُ هَكَذَا رَأَيْته مَجْزُومًا بِهِ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَأَوْرَدَهُ فِي الذَّخَائِرِ عَنْ الْمُذْهَبِ. اهـ.
وَوَجْهُ عَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute