للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[بَابُ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ]

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصَيْنِ تَخَاصَمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ يَا مَأْبُونُ يَا مُخَنَّثُ يَا فَرْخَ الزِّنَا يَا وَلَدَ الزِّنَا وَعَنْ شَخْصٍ قَالَ لِشَاهِدَيْنِ اشْهَدَا عَلَيَّ إذَا أَبْرَأَتْنِي زَوْجَتِي فُلَانَةُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا مُطْلَقًا فَهِيَ طَالِقٌ طَلْقَةً وَاحِدَةً فَذَكَرَا لَهَا ذَلِكَ فَقَالَتْ بِصَرِيحِ لَفْظِهَا هُوَ الْبَرِيءُ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ شَيْءٍ فَهَلْ يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ عَلَّقَ عَلَى مَجْهُولٍ وَأَبْرَأَتْ مِنْ مَجْهُولٍ وَإِذَا قُلْتُمْ يَقَعُ عَلَيْهِ طَلْقَةً وَلَا إبْرَاءَ فَهَلْ يَكُونُ رَجْعِيًّا أَمْ بَائِنًا.

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْأُبْنَةُ دَاءٌ يَحْدُثُ فِي أَسَافِلِ الْمَعِدَةِ يَتَوَلَّدُ عَنْهُ أَفْعَالٌ خَبِيثَةٌ غَالِبًا وَحِينَئِذٍ فَمَأْبُونٌ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ بَلْ كِنَايَة فِيهِ وَكَذَلِكَ مُخَنَّثٌ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ ذُو الْخُنُوثَةِ فُتِحَتْ نُونُهُ أَوْ كُسِرَتْ وَهِيَ التَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ الْمُحْتَمِلُ لَمَا هُوَ قَذْفٌ وَغَيْرُهُ فَيَكُونُ كِنَايَةً أَيْضًا وَأَمَّا فَرْخٌ فَهُوَ اصْطِلَاحٌ لِبَعْضِ النَّاسِ بِمَعْنَى وَلَدِ الزِّنَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مَفْهُومَهُ وَضْعًا وَلَا عُرْفًا عَامًّا بَلْ وَلَا هُوَ أَحَدُ مُحْتَمَلَاتِهِ الْوَضِيعَةِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّهَا عَلَيْهِ لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ التَّعْزِيرُ كَأَحَدِ الْأَوَّلَيْنِ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الْقَذْف وَأَمَّا وَلَدُ الزِّنَا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي قَذْفِ الْأُمِّ فَيُحَدُّ لَهَا حَدَّ الْقَذْفِ وَلَيْسَ فِيهِ قَذْفٌ وَلَا سَبٌّ لِلْأَبِ وَالْمُعَلِّقُ عَلَى الْبَرَاءَةِ إلَّا أَطْلَقَ أَوْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ الصَّحِيحَةَ لَمْ يَقَعْ عَلَيْهِ طَلَاقٌ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجْهُولِ وَإِنْ أَرَادَ تَلَفُّظَهَا بِالْبَرَاءَةِ طَلَقَتْ رَجْعِيًّا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِي رَجُلٍ قَالَ لِغَيْرِهِ يَا شَيْطَانُ هَلْ يُعَزَّرُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ أَرَادَ تَشْبِيهَهُ بِهِ فِي الْفَسَادِ عُزِّرَ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى الثَّانِي يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ نِسْبَةٌ إلَى الْحَذْقِ وَجَوْدَةِ الْفَهْمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَثَبَتَ افْتِرَاشُهُ لَهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ افْتِرَاشِهَا أَوْ لَا؟ فَهَلْ يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ بِذَلِكَ وَلَا يَنْتَفِي عَنْهُ إلَّا بِاللِّعَانِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِأَنَّهَا وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ بَيِّنَةٍ بِذَلِكَ فَمِنْ أَيْنَ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى؟ فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ مِنْ أَهْلِ جِهَتِنَا أَفْتَى بِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ الزَّوْجَ شَرْعًا إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرِ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَى أَرْبَعِ سِنِينَ مِنْ الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ.

فَقَالَ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي أَوَائِلَ كِتَابِ اللِّعَان مِنْ الرَّوْضَةِ فِي أَثْنَاءِ فَصْلٍ وَهَذَا نَصُّ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ الَّتِي فَهِمَ مِنْهَا الْمُفْتِي ذَلِكَ وَإِذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي لَمْ يَلْحَقْ بِهِ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ عَلَى فِرَاشِهِ وَالْإِمْكَانُ لَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً أَنَّهَا وَلَدَتْهُ فِي نِكَاحِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَانِ اهـ لَفْظُ الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمَمْلُوكِ وَجْهُ مَا أَفْتَى بِهِ هَذَا الْفَقِيهُ الْمَذْكُورُ وَلَا أَخَذَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ بَلْ يَظْهَرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِ الرَّوْضَةِ غَيْرُ الْمَسْأَلَةِ الْمَسْئُول عَنْهَا وَأَيْضًا فَإِنَّ بَعْضَ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ مِنْ أَهْلِ زُبَيْدٍ أَفْتَى بِخِلَافِ ذَلِكَ فِي جَوَابٍ لَهُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَحَاصِلُ جَوَابِهِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ عِنْدَ جَهْلِ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِ جَوَابِهِ وَإِذَا جَهِلَتْ الْمُدَّةَ فَلَمْ يَدْرِ هَلْ وَلَدَتْهُ لِمُدَّةِ الْإِمْكَانِ أَوْ لِدُونِهَا قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ.

فَهَذِهِ لَمْ أَرَهَا مَنْقُولَةً وَلِلنَّظَرِ فِيهَا مَجَالٌ وَلَعَلَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهُ يَلْحَقُ لِثُبُوتِ كَوْنِهَا فِرَاشًا ثُمَّ سَاقَ كَلَامًا آخَرَ لِلْبُلْقِينِيِّ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَمَا الرَّاجِحُ يَا سَيِّدِي فِي ذَلِكَ وَمَا الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَيُعْتَمَدُ فِيهَا مِنْ الْجَوَابَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ بَيَّنُوا لَنَا ذَلِكَ وَأَوْضِحُوهُ لَا زِلْتُمْ مَصَابِيحَ الظَّلَامِ وَهُدَاةَ الْأَنَامِ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ قَدْ تَعَقَّبْت وَتَصَفَّحْت عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيَّامًا حَتَّى رَأَيْت فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِي كَلَامِ الْأَصْحَاب أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْوَلَدُ إلَّا إنْ ثَبَتَتْ وِلَادَتُهُ عَلَى فِرَاشِهِ لِزَمَانِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ حِينِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاع بَعْدَ النِّكَاحِ وَعِبَارَة النَّصِّ وَلَوْ وَلَدَتْ امْرَأَتُهُ وَلَدًا فَقَالَ لَيْسَ هَذَا بِابْنِي فَلَا حَدَّ وَلَا لِعَانَ حَتَّى يُفَسِّر فَإِنْ قَالَ لَمْ أُرِدْ قَذْفَهَا وَلَمْ تَلِدُهُ مِنِّي أَوْ وَلَدَتْهُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ قَبْلِي وَعَرَفَ نِكَاحَهَا قَبْلَهُ فَلَا يَلْحَقُهُ إلَّا بِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>