للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْغَاصِبُ ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ الْمِثْلِ إذَا ضُمَّ أَرْشُهُ إلَى قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ صَارَ أَغْبَطَ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ هُنَا نَظَرًا لِمَا قَرَّرْته مِنْ وُجُوبِ تَبَعِيَّةِ الْأَرْشِ لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو كَلَامُ الْقَاضِي عَنْ نَظَرٍ وَنَقْدٍ وَإِنْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَرْعِ الْقَمُولِيِّ وَضَعَّفُوا كَلَامَهُ فِي فَرْعِ الرَّوْضَةِ إلَّا أَنَّ وَجْهَ تَقْرِيرِهِمْ يُقِرُّ بِهِ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا تَخَالُفَ فِيهَا فِي كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا أَوَّلَ الْبَاب أَنَّ يَدَ الزَّوْجِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ وَفِي آخِرِهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا تَفْصِيلٌ فَإِنْ فَوَّتَ الْمَنَافِعَ لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهَا وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْكِلُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ هَذَا الْإِيهَامِ حَذَفَهُ الرَّوْضُ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ طَرِيقٍ فَوَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا عَلَى مَا إذَا أَدَّاهَا لِلْمَالِكِ ظَنًّا أَنَّهَا تَلْزَمُهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْأَدَاءِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَارِيَّةِ]

(وَسُئِلَ) حَيْثُ اقْتَضَى الْحَالُ أَنَّ الْمُعِيرَ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا بُدَّ فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْقِيمَةِ حَالَ التَّمَلُّكِ أَمْ لَا وَهَلْ يَكْتَفِي بِاللَّفْظِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْقِيمَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهَا أَوْ رِضَا الْمُسْتَعِيرِ بِذِمَّتِهِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ نَقْلًا عَنْ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُعِيرِ قَهْرًا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ. اهـ.

وَعِبَارَةُ التَّهْذِيبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَلْعِ مَجَّانًا وَالْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ أَوْ الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ أَرَادَ الْقَلْعَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَإِنْ أَرَادَ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ أَوْ التَّقْرِيرَ بِالْأُجْرَةِ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ وَرُبَّمَا يُرِيدُ الْمُسْتَعِيرُ نَقْلَهُ انْتَهَتْ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّمَلُّكِ أَوْ بِالْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّ فِي التَّمَلُّكِ إخْرَاجَ مِلْكِهِ عَنْهُ وَفِي الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ إلْزَام ذِمَّتِهِ مَالًا وَهُوَ قَدْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ بَلْ يُرِيدَ الْقَلْعَ وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذُكِرَ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا اخْتَارَ الْمُعِيرُ التَّمَلُّكَ أَوْ الْإِبْقَاءَ بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ قُلْنَا لَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ عَقْدِ بَيْعٍ فِي الْأَوَّلِ أَوْ إجَارَةٍ فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَعِيرُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ، وَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ الْمُعِيرُ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ بَذْلِ الْأُجْرَةِ وَقَدْ طَلَبَهَا الْمُعِيرُ فَإِنَّهُمَا يُهْمَلَانِ إلَى أَنْ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ أَوْ يَبْذُلَ لَهُ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَيَرْضَى فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالتَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الشِّقْصِ وَعِلْمِ الثَّمَنِ.

أَمَّا بِنَحْوِ تَمَلَّكْت بِالشُّفْعَةِ مَعَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي عِوَضَ مَا سَلَّمَهُ لِلْبَائِعِ قَبْضًا كَقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي بِذِمَّتِهِ حَيْثُ لَا رِبَا وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْ الشِّقْصَ، وَإِمَّا بِأَنْ يَتَمَلَّكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا طَرِيقَ لَهُ سِوَى تَمَلُّك الشِّقْصِ الْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ كَانَ التَّمَلُّكُ فِيهَا قَهْرِيًّا بِخِلَافِ الضَّرَرِ فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالْقَلْعِ أَوْ بِالتَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ كَمَا يَنْدَفِعُ بِالتَّمَلُّكِ فَلَمْ يَكُنْ قَهْرِيًّا وَإِذَا بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ قَهْرِيٍّ بَانَ اتِّضَاحُ تَوَقُّفِهِ عَلَى رِضَا الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ دَفْعَ الضَّرَرِ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْقَلْعُ وَإِذَا تَوَقَّفَ رِضَاهُ وَرَضِيَ اُحْتِيجَ إلَى نَاقِلٍ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُعِيرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِعَقْدٍ فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ هُنَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِالْقِيمَةِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْل حَتَّى يَقَعَ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَأَنَّهُمَا حَيْثُ عَرَفَا الْقِيمَةَ أَوْ الْأُجْرَةَ وَعَقَدَا بِهَا فِي الذِّمَّةِ صَحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ بَلْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا، ثُمَّ يُطَالِبُ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ فِي الْأُولَى وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ يَأْتِي فِيهِمَا مَا فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْعَقْدِ بِالْقِيمَةِ فِي الذِّمَّةِ وَأَبِي إلَّا أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهَا فَإِنْ وَافَقَهُ الْمُعِيرُ فَذَاكَ وَإِلَّا أَعْرَضَ

<<  <  ج: ص:  >  >>