كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْفَرْقُ فِيهِ بِذَلِكَ أَيْضًا أَعْنِي عَدَمَ الضَّرُورَةِ وَبِأَنَّ الصَّلَاةَ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِغَيْرِهَا.
وَمِمَّا هُوَ صَرِيحٌ أَيْ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرَتْهُ مِنْ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَنَوَى رَفْعَهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ صَحَّ وُضُوءُهُ، وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا لِاسْتِنَادِهِ لِأَصْلِ بَقَاءِ الْحَدَثِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ وُضُوءَ احْتِيَاطٍ، وَإِنْ كَانَ مُتَرَدِّدًا عِنْدَهُ لِمَنْعِ الصَّلَاةِ بِدُونِهِ، وَقَوْله وَإِلَّا فَتَجْدِيدُ تَصْرِيحٌ بِالْوَاقِعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَا حَدَثَ وَبِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْن هَذَا وَمَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ الْمَجْمُوعِ الْمَنْقُولَةِ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَبِتَأَمُّلِ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الصَّوْمِ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ مِنْهَا؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَرُورَةً حَقِيقِيَّةً وَهُنَا لَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنهُ أَنْ يُحْدِثَ فَيَرْتَفِعَ التَّرَدُّدُ فَإِذَا جَازَتْ نِيَّتُهُ تِلْكَ مَعَ إمْكَانِ دَفْعِهِ التَّرَدُّدَ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ نَظِيرُهَا فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنهُ دَفْعُ التَّرَدُّدِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ يَعْلَم أَنَّ عَلَيْهِ أَحَدَ الصَّوْمَيْنِ وَلَا يُعْلَم عَيْنُهُ، وَإِذَا نَوَى ذَلِكَ تَأَدَّى بِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الْكَفَّارَةِ.
وَيُؤْخَذُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ هَذِهِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءً مَثَلًا فَنَوَاهُ إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَتَطَوُّعٌ صَحَّتْ نِيَّتُهُ أَيْضًا وَحَصَلَ لَهُ الْقَضَاءُ بِتَقْدِيرِ وُجُودِهِ بَلْ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا حَصَلَ لَهُ التَّطَوُّعُ كَمَا يَحْصُل لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْوُضُوءِ وُضُوءُ التَّجْدِيدِ بِفَرْضِ أَنْ لَا حَدَثَ عَلَيْهِ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْوُضُوءَ ثَمَّ وَاجِبٌ وَلَمْ يُؤَثِّر فِيهِ ذَلِكَ التَّرَدُّدُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَثِّر فِي مَسْأَلَةِ الصَّوْمِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَفْضَلَ لِمُرِيدِ التَّطَوُّعِ بِالصَّوْمِ أَنْ يَنْوِيَ الْوَاجِبَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالتَّطَوُّع، لِيَحْصُلَ لَهُ مَا عَلَيْهِ إنْ كَانَ فَاتَ قُلْت يُنَافِي ذَلِكَ كُلَّهُ قَوْلُ الْمَجْمُوعِ لَوْ قَالَ أَصُومُ عَنْ الْقَضَاءِ أَوْ تَطَوُّعًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ الْقَضَاءِ قَطْعًا وَيَصِحُّ نَفْلًا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ اهـ. قُلْت لَا يُنَافِي ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ مَفْرُوضٌ فِيمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ بِيَقِينِ فَلَا مُوجِبَ لِاغْتِفَارِ التَّرَدُّدِ فِيهِ بِخِلَافِ مَا قَدَّمْنَاهُ.
فَإِنْ قُلْت لَوْ قَالَ آخِر شَعْبَانَ وَقَدْ ظَنَّ دُخُولَ رَمَضَانَ بِخَبَرِ نَحْوِ فَاسِقٍ نَوَيْتُ صَوْمَ غَدٍ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْهُ وَإِلَّا فَتَطَوَّعَ فَبَانَ مِنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْهُ.
قُلْت عَدَمُ الْإِجْزَاءِ هُوَ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَمَدُ الشَّيْخَيْنِ فَقَدْ أَطَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي رَدِّهِ كَمَا بَيَّنْتُهُ لَكِنْ مَعَ جَوَابِهِ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَعَلَى كَلَامِهِمَا فَهُوَ لَا يُنَافِي مَا قَدَّمْتُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بِهِ إلَى هَذَا التَّرَدُّدِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ نَوَيْتُ صَوْمَ غَدٍ أَجْزَأَهُ كَمَا بَيَّنْتُهُ ثَمَّ أَيْضًا مَعَ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى التَّرَدُّد فَاغْتُفِرَ لَهُ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُعْتَمَد كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ أَنَّ مَنْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا فَإِنْ نَوَى سُنَّةَ صَوْمِ الِاثْنَيْنِ مَعَ ذَلِكَ حَصَلَا وَأُثِيبَ عَلَيْهِمَا وَإِلَّا لَمْ يُثَبْ عَلَى الثَّانِي لَكِنْ يَسْقُطُ طَلَبُهُ كَمَا لَوْ طَلَبه كَمَا لَوْ نَوَى فَرْضَ الظُّهْرِ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَامِعٍ أَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ شَغْلُ الْبُقْعَةِ بِصَلَاةٍ وَهُنَا شَغْلُ هَذَا الزَّمَنِ بِصَوْمٍ.
[كِتَابُ الِاعْتِكَافِ]
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ لَوْ تُصُوِّرَ أَنَّ شَخْصًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقِفَ عَلَى أُصْبُعِهِ فَاعْتَكَفَ وَاقِفًا عَلَى أُصْبُعِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِ فَقَطْ فَهَلْ يَصِحُّ اعْتِكَافُهُ أَوْ لَا إذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ جَسَدِهِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَكْفِي كَوْنُ بَعْضِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَعْضِهِ خَارِجَهُ، وَإِذَا قُلْتُمْ يَكْفِي كَوْنُ بَعْضِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُ الَّذِي فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضِهِ الَّذِي هُوَ خَارِجُهُ أَوْ يَكْفِي وَلَوْ كَانَ الْخَارِجُ أَكْثَرَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ تُصُوِّرَ اعْتِمَادُ الْبَدَنِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهُ، وَإِنْ صَغُرَ جِدًّا وَكَانَ ذَلِكَ الْجُزْءُ فِي الْمَسْجِدِ صَحَّ الِاعْتِكَافُ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَالْأَيْمَانِ وَمُحَرِّمَاتِ الْإِحْرَامِ وَذِكْرُهُمْ الرِّجْل وَالْيَدَ إنَّمَا هُوَ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَلَا فَرْقَ حَيْثُ اعْتَمَدَ عَلَى مَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ يَخْرُجَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ لَا.
(وَسُئِلَ) فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ اعْتِكَافُ نَحْوِ الْجُنُبِ لِحُرْمَةِ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَيْهِ وَأَوْرَدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْح الرَّوْضِ مَا لَوْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ وُقِفَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ لَبْثُهُ فِيهِ مَعَ صِحَّةِ اعْتِكَافه فِيهِ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute