دُون مَسَافَةِ الْقَصْرِ.
سَادِسُهَا يَلْزَمُ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ فَقَطْ.
وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ الْمَنْقُولِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْأَرْضَ مُسَطَّحَةٌ مَبْسُوطَةٌ فَعَدَمُ الرُّؤْيَةِ فِي الْبَعِيدِ لِعَارِضٍ لَا لِعَدَمِ الْهِلَالِ وَرُدَّ بِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْبِلَادَ مُخْتَلِفَةُ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَقَدْ يَحْصُلَانِ فِي مَحِلٍّ دُونَ آخَر فَنِيطَ كُلُّ مَحِلٍّ بِرُؤْيَةِ أَهِلَّةٍ كَمَا عُلِّقَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا بِالْمَطَالِعِ وَلَا يَضُرّ مَا يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الرُّجُوعِ لِقَوْلِ الْحَاسِبِ وَالْمُنَجِّمِ لِأَنَّهُ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ خَاصٍّ وَالتَّوَابِعُ وَالْأُمُورُ الْخَاصَّة يُغْتَفَرُ فِيهِمَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَالْمُرَادُ بِاخْتِلَافِهَا أَنْ يَتَبَاعَدَ الْبَلَدَانِ بِحَيْثُ لَوْ رُئِيَ فِي أَحَدِهِمَا لَمْ يُرَ فِي الْآخَر غَالِبًا اهـ.
وَفِيهِ شَيْءٌ بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ التَّاجُ التَّبْرِيزِيُّ وَرُؤْيَتُهُ فِي بَلَدٍ تُوجِبُ ثُبُوتَ حُكْمِهَا إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَرْسَخًا لِأَنَّهَا فِي أَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ لَا تَخْتَلِفُ قَالَ أَبُو شُكَيْل: وَعَدَنُ وَزَبِيدٌ وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ بِرّ عَجَم مُتَّحِدَةُ الْمَطَالِعِ وَعَدَنُ وَصَنْعَاءُ وَمَا وَالَاهُمَا مِنْ الْجِبَالِ وَتَعِزُّ مُخْتَلِفَةٌ اهـ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ بِهِ عَمَّنْ نَوَى احْتِيَاطًا فِي اللَّيْلِ الصَّوْمَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَان إنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَعَنْ الْفِدْيَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَهَلْ يَكُونُ عَنْ الْفِدْيَةِ أَوْ لَا، وَإِذَا كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَلْ يَحْصُلُ الْقَضَاءَ مَعَ هَذَا التَّرَدُّدِ وَعَدَم الْجَزْمِ أَوْ لَا وَهَلْ الْأَفْضَلُ لِلْمُتَطَوِّعِ بِالصِّيَامِ أَنْ يَنْوِيَ الْقَضَاءَ احْتِيَاطًا أَوْ التَّطَوُّعَ فَإِذَا نَوَى الْقَضَاءَ فَهَلْ يَحْصُلُ التَّطَوُّعُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَضَاءٌ أَمْ لَا، وَإِذَا نَوَى بِصَوْمِ الْقَضَاءِ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيس مَثَلًا فَهَلْ تَحْصُلُ لَهُ السُّنَّةُ أَيْضًا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَر النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَجْمُوعِهِ أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَجَهِلَ سَبَبَهُ مِنْ كَوْنِهِ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرًا أَوْ كَفَّارَةً كَفَاهُ أَنْ يَنْوِي الصَّوْمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي الْخَمْسَ وَتُجْزِئهُ عَمَّا عَلَيْهِ وَيُعْذَرُ فِي عَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَلْزَمهُ هُنَا صَوْم ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَنْوِي يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَيَوْمًا عَنْ النَّذْرِ وَيَوْمًا عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ هُنَا لَمْ تَشْتَغِل بِالثَّلَاثِ وَالْأَصْلُ بَعْد الْإِتْيَانِ بِصَوْمِ يَوْمٍ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ عَمَّا زَادَ بِخِلَافِهِ فِيمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ فَإِنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِجَمِيعِهِنَّ يَقِينًا، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلٍّ مِنْهَا أَشَارَ إلَيْهِ السُّبْكِيّ وَتَبِعَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ هُنَا أَنَّ ذِمَّتَهُ اُشْتُغِلَتْ بِصَوْمِ الثَّلَاثِ وَأَتَى بِاثْنَيْنِ مِنْهَا وَنَسِيَ الثَّالِثَ لَزِمَهُ الثَّلَاثَةَ وَهُوَ مُتَّجَهٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفُوا ثَمَّ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ كَمَا هُنَا؛ لِأَنَّ مَا هُنَا أَوْسَعُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ هُنَا نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ وَلَا مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لِلصَّوْمِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِنِيَّةِ تَرْكِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ نَعَمْ لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَلَاةً وَاجِبَةً وَلَمْ يَدْرِ هَلْ هِيَ مَكْتُوبَةٌ أَوْ مَنْذُورَةٌ كَفَاهُ نِيَّةَ صَلَاةٍ وَاجِبَةٍ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ قِيَاسًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الصَّوْمِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمًا وَاجِبًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ قَضَاءٌ أَوْ كَفَّارَةٌ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنهُ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا جَازَ لَهُ هَذَا الْإِبْهَامُ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْوِيَ الْقَضَاءَ إنْ كَانَ وَإِلَّا فَالْكَفَّارَةُ وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّرَدُّدُ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الضَّرُورَةِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الزَّكَاةِ لَوْ نَوَى زَكَاةَ مَالِهِ الْغَائِب إنْ كَانَ بَاقِيًا وَإِلَّا فَعَنْ الْحَاضِرِ صَحَّ وَوَقَعَتْ عَنْ الْحَاضِرِ إنْ بَانَ الْغَائِبُ تَالِفًا.
قَالُوا وَلَا نَظَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي عَيْنِ الْمَالِ بَعْد الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ زَكَاةَ مَالِهِ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يَأْتِي فِي مَسْأَلَتِنَا فَيُقَال أَوَّلًا لَا نَظَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي عَيْنِ الصَّوْمِ وَبَعْدَ الْجَزْمِ بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا وَاجِبًا عَلَيْهِ وَثَانِيًا لَوْ عَلِمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَإِنَّمَا الشَّكُّ فِي الْقَضَاءِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ السُّؤَالِ إنْ بَانَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ وَقَعَ عَنْهُ وَإِلَّا وَقَعَ عَنْ الْفِدْيَةِ فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْن هَذَا وَمَا لَوْ نَوَى الْوُضُوءَ لِلتِّلَاوَةِ إنْ صَحَّ الْوُضُوءُ لَهَا وَإِلَّا فَلِلصَّلَاةِ فَإِنَّ الْأَوْجَهَ عَدَمُ صِحَّةِ هَذِهِ النِّيَّةِ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ وَبَيْن هَذَا، وَقَوْلِهِمْ لَوْ نَوَى فَرْضَ الْوَقْتِ إنْ دَخَلَ وَإِلَّا فَالْفَائِتُ لَمْ يَصِحَّ قُلْتُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا نَحْنُ فِيهِ وَبَيْنَهُ أَنَّهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ تَرَدَّدَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ يَحْتَاجُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِنِيَّةٍ بِخِلَافِهِ فِي صُورَةِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ التِّلَاوَةَ لَا تَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ بَلْ لَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ لَهَا فَاشْتَمَلَ أَحَدُ جُزْأَيْ نِيَّتِهِ عَلَى نِيَّةٍ بَاطِلَةٍ فَلَغَتْ مِنْ أَصْلِهَا عَلَى أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ هُنَا لِلتَّرَدُّدِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute