للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَقَرَّتْ بِالنَّسَبِ فَإِنَّهَا تُقِرُّ بِحَقٍّ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا وَقَدْ بَطَلَ إقْرَارُهَا فِي حَقِّ الْغَيْرِ فَيَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ وَاعْتُرِضَ هَذَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِهِ فِي حَقِّ الْغَيْرِ بُطْلَانُهُ فِي الْجَمِيعِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تُؤَاخَذَ بِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهَا كَمَا فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ اهـ.

فَالْفَرْقُ مُصَرِّحٌ بِإِلْغَاءِ الْإِقْرَارِ مِنْ أَصْلِهِ فَيُؤَيَّدُ بِهِ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْحِلِّ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُ الْمَذْكُورُ فَيَرُدُّهُ مَا مَرَّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ عَلَى طَبَقِهِ حَرْفًا بِحَرْفٍ فَمَا كَانَ جَوَابًا عَنْ النَّصِّ فَهُوَ الْجَوَابُ عَنْهُ. تَنْبِيهٌ أَوَّلٌ) مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَعْرُوفَةِ النَّسَبِ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ أُخْتِي مِنْ النَّسَبِ لِمَنْ فِي نِكَاحِهِ وَغَيْرِهَا قَدْ يُنَافِيه صَنِيعُ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ وَعِبَارَتُهُ لَوْ قَالَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ فُلَانَةُ بِنْتُ أَبِينَا وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَفِي حِلِّهَا لِلْمُقِرِّ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ إنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ حُرِّمَتْ وَإِنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ فَوَجْهَانِ وَاَلَّذِي جَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي اللَّقِيطِ تَحْرِيمُهَا وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ فَقَدْ ثَبَتَ الْفَرْعُ دُونَ الْأَصْلِ وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أُخْتِي مِنْ النَّسَبِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ فَفِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ.

وَلَوْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَكَذَّبَتْهُ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا عَلَى الْأَصَحِّ فَرَجَّحَ فِي الْأُولَى التَّحْرِيمَ بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ وَسَكَتَ عَنْ التَّرْجِيحِ فِي الثَّانِيَةِ الْمَفْرُوضَةِ فِي الزَّوْجَةِ مَعَ ذِكْرِهِ لَهَا عَقِبَ الْأُولَى فَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مِنْ حَيْثُ التَّرْجِيحُ، وَأَمَّا حِكَايَةُ الْوَجْهَيْنِ فَهِيَ فِي الصُّورَتَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ كَمَا مَرَّ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَا مُخَالِفَ لَهُ؛ لِأَنَّ ذَاكَ فِي جَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا فِي تَرْجِيحِ أَحَدِهِمَا فِي غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّهُ قَبْلَ النِّكَاحِ لَا تُهْمَةَ فِي اسْتِلْحَاقِهِ مِنْ حَيْثُ الزَّوْجِيَّةُ فَأَثَّرَ عِنْدَ الزَّرْكَشِيّ كَالْإِمَامِ، وَأَمَّا مَعَ الزَّوْجِيَّةِ فَهُوَ مُتَّهَمٌ بِإِبْطَالِهِ بِاسْتِلْحَاقِهَا حَقَّهَا مِنْ النِّكَاحِ كَالْمُسَمَّى الزَّائِدِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ فَمِنْ ثَمَّ تَوَقَّفَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ التَّرْجِيحِ فِي هَذَا فَتَأَمَّلْهُ.

(تَنْبِيهٌ) ثَانٍ قَوْلُهُمْ وَكَذَّبَتْهُ فِي مَجْهُولَةِ النَّسَبِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا عَلَى الصَّحِيحِ لَيْسَ قَيْدًا فِي انْفِسَاخِ نِكَاحِهَا وَحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ لِجَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الِانْفِسَاخِ لِمَا قَرَّرْتُهُ آنِفًا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ إبْطَالَ حَقِّهَا أَمَّا إذَا صَدَّقَتْهُ فَوَاضِحٌ انْفِسَاخَ نِكَاحِهَا وَحُرْمَتَهَا عَلَيْهِ قَطْعًا وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي الْمَجْهُولَةِ فَهَلْ يَأْتِي نَظِيرُهُ فِي الْمَعْرُوفَةِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِيهِمَا أَوْ لَا إلَّا وَجْهَ الثَّانِي لِمَا مَرَّ أَنَّ كُلَّ إقْرَارٍ كَذَّبَهُ الشَّرْعُ لَا يُدَارُ عَلَيْهِ حُكْمٌ بِوَجْهٍ؛ وَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ بِيَدِ الزَّوْجِ فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ إقْرَارُهُ وَحْدَهُ لَا يُقْبَلُ تَصْدِيقُهَا لَهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ مَرَّ فِي الْمَجْهُولَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَصْدِيقِهَا وَتَكْذِيبِهَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ قَوْلِ الْمَرْأَةِ فِي الْحُرْمَةِ لَا النَّسَبِ فَرَقَّ الْبَغَوِيّ بَيْنَ قَوْلِهِمْ قَالَتْ أَمَةٌ لِشَخْصٍ بَيْنِي وَبَيْنَك رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ إنْ كَانَ قَبْلَ الْمِلْكِ حُرِّمَتْ أَوْ بَعْدَ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ فَلَا أَوْ قَبْلَ التَّمْكِينِ فَوَجْهَانِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَك أُخُوَّةُ نَسَبٍ لَمْ تُقْبَلْ فِي حُكْمٍ مَا بِأَنَّ النَّسَبَ أَصْلٌ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ كَثِيرَةٌ كُلُّهَا أَهَمُّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَمْرِ التَّحْرِيمِ فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِ الْمَمْلُوكِ اهـ.

(تَنْبِيهٌ) ثَالِثٌ قَدْ عَلِمْت مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا قَالَتْ أَنْتَ أَخِي مِنْ النَّسَبِ وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَنْتِ أُخْتِي فَقَطْ وَلَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِيهَا فِيمَا يَظْهَرُ أَوْ مَعْرُوفَتَهُ فَلَا كَمَا مَرَّ عَنْ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ وَسَيَأْتِي عَنْ الْخُوَارِزْمِيِّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ (تَنْبِيهٌ) رَابِعٌ جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ مَحَلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بَاطِنًا مَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَإِلَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بَاطِنًا بِلَا خِلَافٍ وَلُحُوقُهَا كَأَنْ عَلِمَ أَنَّهَا بِنْتُ أَبِيهِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةِ الْفِرَاشِ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَقَطْ كَمَا مَرَّ (تَنْبِيهٌ) خَامِسٌ مَحَلُّهُ أَيْضًا حَيْثُ أَمْكَنَ لُحُوقُهَا بِأَبِيهِ لَوْ اسْتَلْحَقَهَا بِفَرْضِ جَهْلِ نَسَبِهَا وَإِلَّا كَأَنْ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ أَبِيهِ أَوْ أَصْغَرَ مِنْهُ بِسِنٍّ لَا يَحْتَمِلُ كَوْنَهَا بِنْتَه أَوْ كَانَتْ أُمُّهَا مِنْهُ بِمَسَافَةٍ يَسْتَحِيلُ اجْتِمَاعُهُ بِهَا عَادَةً فَلَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِ اتِّفَاقًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي اسْتِلْحَاقٍ يُكَذِّبُهُ الْحِسُّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِإِقْرَارِهِ فِي تَحْرِيمٍ وَلَا غَيْرِهِ اتِّفَاقًا.

[الْبَابُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ]

<<  <  ج: ص:  >  >>