الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ عَدَمِ الْإِرْثِ وَأَنَّ نَصَّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرَ يَرُدُّ ذَلِكَ التَّخْرِيجَ فَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ فَإِنَّهُ مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَأَمَّلَ وَيُسْتَفَادَ لِتَعَيُّنِ الِانْتِصَارِ لِلْمَذْهَبِ وَأَهْلِهِ عَلَى مَنْ وَجَدَ لِذَلِكَ سَبِيلًا فَإِنَّهُمْ أَطْبَقُوا عَلَى ضَعْفِ التَّخْرِيجِ مَعَ تَقْرِيرِهِمْ فِي تِلْكَ النَّظَائِرِ مَا يُؤَيِّدُهُ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ مَا قَالَ لَوْلَا مَا ظَهَرَ بِحَمْدِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ مِنْ الْجَوَابِ الْوَاضِحِ عَنْهَا لِمَنْ تَدَبَّرَهُ وَتَأَمَّلَهُ فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ عَدَمِ الْإِرْثِ وَثُبُوتِ الْحُرْمَةِ فِي الْمَجْهُولَةِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ النَّسَبِ الْإِرْثُ إذْ قَدْ يَمْنَعُ مِنْهُ نَحْوُ الرِّقِّ أَوْ الْقَتْلِ بِخِلَافِ النَّسَبِ وَحُرْمَةِ نَحْوَ الْأُخْتِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِهِ ثُبُوتُهَا قُلْت يُمْكِنُ ذَلِكَ لَوْلَا تَصْرِيحُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْعَبَّادِيِّ وَحَكَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَتَبِعَهُمْ الْمُتَأَخِّرُونَ بِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ فَاسْتَلْحَقَهَا أَبُوهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِهَا وَكَوْنِهَا أُخْتَهُ فَلَا تَلَازُمَ أَيْضًا وَمِنْهَا قَوْلُ الْجَلَالِ الْبُلْقِينِيُّ عَقِبَ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ زَيْدٌ أَخِي مَثَلًا ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الرَّضَاعِ حَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ الْأَشْبَهَ بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلِهَذَا لَوْ فَسَّرَهُ بِأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُقْبَلْ اهـ.
مَحَلُّ هَذَا مَا إذَا كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَكَانَ الْمُقِرُّ حَائِزًا لِإِرْثِ الْوَالِدِ الَّذِي أَلْحَقَ هَذَا بِهِ أَمَّا مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ أُخُوَّةَ الرَّضَاعِ فَسَوَاءٌ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا لَا يُحْمَل إلَّا عَلَى أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ هَلْ يُقْبَلُ فِيهِ نَظَرٌ اهـ.
وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِ فَلَا يَحْتَمِلُ إلَّا أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُصَرِّحٌ بِإِلْغَاءِ الْإِقْرَارِ فِي الْمَعْرُوفِ النَّسَبِ مِنْ أَصْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ أَصْلًا فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُصَرِّحًا بِتَرْجِيحِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحِلِّ، ثُمَّ تَنْظِيرُهُ فِي الْمَرْأَةِ إنَّمَا هُوَ مَعَ جَهْلِ نَسَبِ الْمُقَرِّ بِهِ وَوَجْهُ النَّظَرِ حِينَئِذٍ وَاضِحٌ وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ مَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَمِنْهَا مَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ أُخْتِي كَانَ كِنَايَةَ طَلَاقٍ وَيَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ كِنَايَةَ طَلَاقٍ أَنَّهُ غَيْرُ صَرِيحٍ فِي حُرْمَتِهَا الْمُؤَبَّدَةِ وَإِلَّا كَانَ تَنَافِيًا إذْ مِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ طَلَاقًا بَقَاءُ الْعِصْمَةِ حَيْثُ لَا نِيَّةَ وَرُجُوعُهَا بِالْمُرَاجَعَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَمِنْ لَازِمِ كَوْنِهِ اعْتِرَافًا بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ وَمُؤَاخَذَاتِهِ بِذَلِكَ بَيْنُونَتُهَا مِنْهُ بِبَيْنُونَةِ فَسْخٍ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَهَا ذَلِكَ النِّيَّةِ فَتَنَافَى الْمَوْضِعَانِ وَإِذَا تَنَافَيَا لَزِمَ مِنْ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ تَرْجِيحُهُمْ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي مَعْرُوفَةِ النَّسَبِ الْقَائِلِ بِعَدَمِ حُرْمَتِهَا بِاسْتِلْحَاقِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ صَاحِبَ الْأَنْوَارِ وَمَنْ تَبِعَهُ مُرَجِّحُونَ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ وَكَفَى بِصَاحِبِ الْأَنْوَارِ سَلَفًا وَسَنَدًا فِي التَّرْجِيحِ فَإِنْ قُلْت كَلَامُ كَافِي الْخُوَارِزْمِيِّ الْآتِي فِي الْبَابِ الثَّالِثِ يَرُدُّ مَا ذُكِرَ وَكَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ الْآتِي، ثُمَّ أَيْضًا قُلْتُ مَمْنُوعٌ كَمَا سَأُقَرِّرُهُ بَعْدُ فَتَأَمَّلْهُ وَمِنْهَا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَوْ قَالَ امْرَأَتِي هَذِهِ بَائِنٌ مِنِّي بَيْنُونَةً لَا تَحِلُّ لِي أَبَدًا أَوْ امْرَأَتِي هَذِهِ لَا تَحِلُّ لِي أَبَدًا لَمْ تُحَرَّمْ لِاحْتِمَالِهِ وَقِيلَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْبَيْنُونَةِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِمُقْتَضَى إقْرَارِهِ وَلَا نَظَرَ إلَى أَنَّهُ قَدْ يَعْتَقِد التَّحْرِيمَ مُؤَبَّدًا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مُؤَاخَذٌ بِمُوجِبِ إقْرَارِهِ وَإِنْ احْتَمَلَ مَا ذُكِرَ. اهـ. فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ تَجِدْهُ صَرِيحًا ظَاهِرًا فِي تَرْجِيحِهِمْ لِلْوَجْهِ السَّابِقِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ وَوَجْهُ ظُهُورِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الضَّعِيفِ هُوَ تَعْلِيلُ الْوَجْهِ الْمُقَابِلِ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ الْقَائِلُ بِحُرْمَتِهَا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَهَا أَنْتِ أُخْتِي وَإِذَا أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ التَّعْلِيلِ وَالْمُعَلِّلِ وَهُوَ الْحُرْمَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَانُوا مُعْرِضِينَ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَصْرَحُ مِنْ مُجَرَّدِ قَوْلِهِ هَذِهِ أُخْتِي بِدَلِيلِ مَا يَأْتِي عَنْ الْخُوَارِزْمِيِّ أَنَّهَا تَحْتَمِلُ أُخُوَّةَ الدِّينِ وَأَنَّهُ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهَا وَمِنْهَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ تَرْجِيحِهِ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ وَعِبَارَتُهُ لَوْ قَالَتْ لِرَجُلٍ أَنْتَ أَخِي مِنْ النَّسَبِ وَهُوَ مَعْرُوفُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهَا فَفِي تَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ لِزَوْجَتِهِ فَكَذَّبَتْهُ وَهِيَ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا عَلَى الصَّحِيحِ فَأَفْهَمْ أَنَّ مَعْرُوفَةَ النَّسَبِ لَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا بِذَلِكَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ فِيهَا كِنَايَةٌ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا عَنْ قَوَاعِدِ الزَّرْكَشِيّ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا وَمِنْهَا فَرْقُهُمْ بَيْن قَبُولِهِ إقْرَارَ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ بِفَرْقَيْنِ ثَانِيهِمَا أَنَّهَا إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute