للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَدُلُّ لِتَرْجِيحِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحِلِّ أُمُورٌ مِنْهَا أَنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ ظَاهِرٌ فِيهِ حَتَّى فِي الْمَجْهُولَةِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ فِيهَا لِمَا يَأْتِي مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخٍ وَشَهِدَ عَلَى أَبِيهِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ ابْنُهُ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَمَعَ أَمْرَيْنِ أَحَدَهُمَا لَهُ وَالْآخَرَ عَلَيْهِ فَلَمَّا بَطَلَ الَّذِي لَهُ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ لِي عَلَيْك مِائَةُ دِينَارٍ فَقَالَ بِعْتنِي بِهَا دَارَك هَذِهِ فَهِيَ لَك فَأَنْكَرَ الرَّجُلُ الْبَيْعَ أَوْ قَالَ بَاعَنِيهَا أَبُوك وَأَنْتَ وَارِثُهُ فَهِيَ لَك عَلَيَّ وَلِي الدَّارُ كَانَ إقْرَارًا بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَثْبَتَ عَلَى نَفْسِهِ مِائَةً يَأْخُذُ لَهَا عِوَضًا فَلَمَّا بَطَلَ عَنْهُ الْعِوَضُ بَطَلَ عَنْهُ الْإِقْرَارُ اهـ.

فَقَوْلُهُ فَلَمَّا بَطَلَ الَّذِي لَهُ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ مَسْأَلَتَنَا إذَا بَطَلَ الَّذِي لَهُ وَهُوَ الْأُخُوَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْإِرْثِ وَنَحْوِهِ بَطَلَ الَّذِي عَلَيْهِ وَهُوَ الْأُخُوَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّحْرِيمِ وَانْفِسَاخ النِّكَاحِ لَوْ كَانَ؛ فَإِنْ قُلْت أَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ الْمَجْهُولَةِ وَالْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مِمَّنْ رَجَّحَ فِي الْمَجْهُولَةِ التَّحْرِيمَ وَوَقَفَ فِي التَّرْجِيحِ عَنْ الْمَعْرُوفَةِ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَهُوَ أَنَّ الْمَجْهُولَةَ حُرْمَتُهَا عَلَيْهِ شَرْعًا مُمْكِنَةٌ بَعْدَ تَصْدِيقِ أَخِيهِ أَوْ مَوْتِهِ وَالِانْحِصَارِ فِيهِ فَإِنَّ نَسَبَهَا حِينَئِذٍ يَثْبُتُ وَتَصِيرُ أُخْتَهُ شَرْعًا فَتَعَيَّنَ تَرْجِيحُ حُرْمَتِهَا احْتِيَاطًا، وَأَمَّا الْمَعْرُوفَةُ فَلَا يُمْكِنُ شَرْعًا أَنْ تَصِيرَ أُخْتَ الْمُقِرِّ ظَاهِرًا أَصْلًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُلِّ مَعْرُوفِ نَسَبٍ اُسْتُلْحِقَ وَمَا لَا يُمْكِنُ شَرْعًا لَا يُتَصَوَّرُ الِاحْتِيَاطُ فِيهِ وَلَا الْمُؤَاخَذَةُ بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَقَدْ شَرَطَ الْأَئِمَّةُ لِصِحَّةِ كُلِّ إقْرَارٍ بِنَسَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلِلْمُؤَاخَذَةِ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا شَرْعًا وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْته يُجَابُ عَنْ قَوْلِ الْإِمَامِ وَذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهَا عَظِيمٌ إلَخْ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ بَانَ وَاتَّضَحَ أَنَّ لِلِاحْتِيَاطِ بِالتَّحْرِيمِ فِي الْمَجْهُولَةِ وَجْهًا وَاضِحًا وَلَا كَذَلِكَ الْمَعْرُوفَةُ فَإِنْ قُلْت هَلْ يُمْكِنُ فَرْقٌ بَيْنَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْإِرْثِ فِي الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُهُ وَهُوَ النَّسَبُ وَبَيْنَ ثُبُوتِ الْفَرْعِ دُونَ الْأَصْلِ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اسْتَشْهَدَ بِهَا كَثِيرُونَ لِتَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَسْأَلَةِ ثُبُوتِ الشَّفْعَةِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَثُبُوتِ الضَّمَانِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمَالِ الْمَضْمُونِ وَثُبُوتِ الْبَيْنُونَةِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْمَالِ الْمُخَالَعِ عَلَيْهِ وَحُرْمَةُ تَزَوُّجِ امْرَأَةٍ ادَّعَتْ نِكَاحَ مَنْ كَذَّبَهَا وَحَلَفَ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ النِّكَاحِ قُلْت نَعَمْ يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ وَاضِحٌ فَإِنَّ إقْرَارَهُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كُلِّهَا لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ بَلْ هُوَ مُحْتَمِلٌ الصِّدْقَ ظَاهِرًا شَرْعًا فَلَيْسَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ بِهِ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ إذْ مَنْ اعْتَرَفَ لِغَيْرِهِ بِمُقْتَضَى شُفْعَةٍ أَوْ ضَمَانٍ أَوْ بَيْنُونَةٍ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَقَعْ فِي إقْرَارِهِ شَيْءٌ يُكَذِّبُهُ الشَّرْعُ فِيهِ لِإِمْكَانِ ثُبُوتِهِ شَرْعًا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرْثِ فَإِنَّ إقْرَارَهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لِبُطْلَانِ اسْتِلْحَاقِهِ شَرْعًا فَلَمْ يُمْكِنْ ثُبُوتُ فَرْعِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ فَهُوَ نَظِيرُ عَدَمِ حُرْمَةِ الْمَعْرُوفَةِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ كَذَّبَهُ فِي اسْتِلْحَاقِهَا فَلَمْ يُمْكِنْ الْقَوْلُ بِالْفَرْعِ مَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ الْأَصْلِ، وَأَمَّا مَا مَرَّ فِي الْمَجْهُولَةِ فَهُوَ نَظِيرُ تِلْكَ النَّظَائِرِ وَأَمْكَنَ الْقَوْلُ فِيهَا بِثُبُوتِ الْفَرْعِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَصْلُ بِجَامِعِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَذِّبْهُ فِي الْفَرْعِ وَإِنَّمَا انْتَفَى الْأَصْلُ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ مَعَ أَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُوجَدُ بِتَصْدِيقِ الْأَخِ الْآخَرِ، وَأَمَّا الْمَعْرُوفَةُ فَالشَّرْعُ مُكَذِّبٌ لَهُ فِيمَا ذَكَرَهُ فِيهَا وَشَتَّانَ بَيْنَ مَنْ كَذَّبَهُ الشَّرْعُ حَالًا وَمَآلًا وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الشَّرْعُ الْآنَ وَيُصَدِّقُهُ بَعْدُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا أَجَبْتُ بِهِ مِنْ هَذِهِ النَّظَائِرِ عَلِمْتَ أَنَّهُ أَحْسَنُ وَأَوْضَحُ مِنْ جَوَابَيْ الْإِمَامِ عَنْهَا وَأَنَّهُ لَا يَأْتِي مَا تَعَقَّبَهَا بِهِ وَقَدْ بَسَطَهُمَا الْأَذْرَعِيُّ فِي الْمُتَوَسِّطِ مَعَ تَسْلِيمِهِ لَهُ قَوْلُهُ عَقِبَهُمَا وَعَقِبَ اسْتِبْعَادِهِمَا وَكُلُّ هَذَا تَكَلُّفٌ وَمَنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِأَشْكَالِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَيْسَ مِنْ التَّحْقِيقِ عَلَى نَصِيبٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَمْرُ عَلَى مَا قَالَ الْإِمَامُ. اهـ.

وَهَذَا جَرَى مِنْهُمَا عَلَى انْتِصَارِهِمَا لِلْوَجْهِ الضَّعِيفِ الَّذِي خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا انْتَصَرَ لَهُ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَنَّ الْإِمَامَ اخْتَارَهُ وَقَوَّاهُ بِمُقْتَضَى أَنَّهُ قِيَاسُ تِلْكَ النَّظَائِرِ اهـ.

لَكِنْ قَدْ ظَهَرَ وَاتَّضَحَ

<<  <  ج: ص:  >  >>