اقْتِرَافِ الْكَبَائِر لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «مَلْعُونٌ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ» وَأَمَّا الْخَاصَّةُ كَأَنْ اسْتَأْجَرَ جَمْعٌ مَحْصُورُونَ الْمُرُور فِي أَرْضٍ فَلَهُمْ بِتَوَافُقِ الْمُؤَجِّرِ نَقْلُهُ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ.
[بَابُ الْحَوَالَةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِغَائِبِ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ أَبْرَأَهُ وَأَنِّي قَضَيْت الدُّيُونَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ مَا الْمُفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْل الْقَفَّالِ وَابْنِ الصَّلَاحِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الْقَفَّالُ فَلَمْ أَرَ لَهُ حِيلَةً فِي هَذِهِ الصُّورَة وَإِنَّمَا الَّذِي رَأَيْته حِيلَةً لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ فِي نَظِير ذَلِكَ لَكِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ غَرِيمٌ وَأَحْسَنُ مَا فِي ذَلِكَ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ أَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ. اهـ.
وَأَقَرَّهُ الْقَمُولِيُّ وَغَيْرُهُ كَشَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي دَفْعِ الْمُحْتَالِ وَأَمَّا إثْبَاتُ الْبَرَاءَةِ مِنْ دَيْنِ الْمُحِيلِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا تَكْفِي إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ فِي وَجْهِ الْمُحْتَالِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إعَادَتِهَا فِي وَجْهِ الْمُحِيلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ نَذَرَ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لِفُلَانٍ بِمَا لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فَهَلْ تَصِحُّ حَوَالَتُهُ بِهِ أَوْ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَيَبْطُلُ بِالْحَوَالَةِ النَّذْرُ وَلِلْمُحْتَالِ الْمُطَالَبَةُ بِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحُوا بِهِ اللُّزُومُ لَكِنْ هَلْ يَصِيرُ الدَّيْنُ بِالنَّذْرِ الْمَذْكُورِ مُؤَجَّلًا أَوْ حَالًّا امْتَنَعَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِمَانِعِ الْأَوْجَهِ كَمَا رَجَّحَهُ جَمْعُ مُتَأَخِّرُونَ الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ بِهِ وَعَلَيْهِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ الْآخَرُ مُؤَجَّلًا لَا حَالًّا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي انْعَكَسَ الْحُكْمُ وَإِذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الْحَوَالَةِ عَلَى الثَّانِي فَهَلْ يَمْتَنِعُ عَلَى الْمُحْتَالِ الْمُطَالَبَةُ حَالًّا كَالْمُحِيلِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ قُرْبَة لَا يَلْزَم سَرَيَانُهَا فِي حَقِّ غَيْره وَالْمُحِيلُ هُوَ الْمُلْتَزِمُ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّذْرِ فَاخْتَصَّ بِهِ كُلُّ مُحْتَمَلٍ.
لَكِنَّ مَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ لَوْ مَاتَ كَانَ لِوَارِثِهِ الْمُطَالَبَةُ حَالًا؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ وَهُمْ لَمْ يَنْذِرُوا يَقْتَضِي أَنَّ الْأَوْجَهَ هُنَا الثَّانِي وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُهُمْ وَعَلَى مُقَابِلِهِ فَلِلْمُحْتَالِ الْخِيَارُ إنْ جَهِلَ الْحَالَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمُطَالَبَةِ بِمَنْزِلَةِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ فَإِنْ قُلْت يَلْزَمُ مِنْ هَذَا عَدَمُ صِحَّةِ الْحَوَالَة حَيْثُ قُلْنَا بِهَذَا الْمُقَابِل؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَسَاوِي الدَّيْنَيْنِ وَأَحَدُهُمَا مَعِيبٌ قُلْت هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ الدَّيْنُ فِي نَفْسِهِ لَا عَيْبَ فِيهِ فَالتَّسَاوِي حَاصِل فِي ذَاتِ الدَّيْنَيْنِ وَتَوَابِعهمَا اللَّازِمَة وَامْتِنَاع الْمُطَالَبَةِ لِلْأَمْرِ الْعَارِضِ وَإِنْ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْعَيْب لَا يَقْتَضِي إلْحَاقَهُ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِنْ قُلْت الْحَوَالَةُ بَاطِلَةٌ حَتَّى عَلَى الثَّانِي مِنْ وَجْهٍ آخَر وَهُوَ عَجْزُ الْمُحِيلِ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي الدَّيْنِ الْمُحَالِ بِهِ بِسَبَبِ نَذْرِهِ وَالشَّرْطُ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ قُلْنَا الشَّرْطُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ قُدْرَةُ الْآخِذِ لَا الْمُعْطِي أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ فِي الْبَيْعِ قُدْرَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى التَّسَلُّمِ وَإِنْ عَجَزَ الْبَائِعُ عَنْ التَّسْلِيمِ خِلَافًا لِمَا تُوهِمُهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ فَيَصِحُّ بَيْعُ الْمَغْصُوبِ الْقَادِرِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ الْبَائِعُ وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ عِوَضٍ كَالْأُجْرَةِ وَعِوَضِ الْبُضْعِ صَدَاقًا وَبَدَلِ خَلْعٍ وَعِتْقٍ عَلَى عِوَضٍ فَتَلَخَّصَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ إلَّا قُدْرَةُ الْمُحْتَالِ عَلَى تَسَلُّمِهِ لَا قُدْرَةُ الْمُحِيلِ عَلَى تَسْلِيمِهِ
(وَسُئِلَ) هَلْ تَجْرِي الْإِقَالَةُ فِي الْحَوَالَة؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَزَمَ الرَّافِعِيُّ أَوَائِلَ التَّفْلِيسِ بِعَدَمِ جَوَازِهَا وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ عَجِيبٌ فَقَالَ إنَّهُ كَشَفَ كُتُبًا كَثِيرَةً فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ الْجَوَازُ؛ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا بَيْعٌ وَأَنَّ الْخُوَارِزْمِيَّ صَرَّحَ بِالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَبِتَصْحِيحِ الْجَوَازِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِدُونِ إذْنِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِدُونِ إذْنِهِ صَحَّ وَجْهًا وَاحِدًا. اهـ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَيَرُدُّ تَعْلِيلَ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهَا بَيْعٌ لَكِنَّ التَّحْقِيقَ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ فِيهَا بِأَنَّهَا بَيْعٌ وَلَا بِأَنَّهَا اسْتِيفَاءٌ؛ لِأَنَّ بَعْضَ فُرُوعِهَا يَقْتَضِي الْأَوَّلَ وَبَعْضَهَا يَقْتَضِي الثَّانِيَ لَكِنَّ فُرُوعَ الْأَوَّلِ أَكْثَرُ فَمِنْ ثَمَّ اُشْتُهِرَ أَنَّهَا بَيْعٌ