للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَوْ رَدَّ وَكِيلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ شَيْءٌ؛ وَلِأَنَّ يَدَ الْوَكِيلِ غَيْرُ يَدِهِ انْتَهَتْ. وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي: إذَا رَدَّهُ وَكِيلُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا قُلْتُ: غَايَةُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ أَطْلَقَا مَنْعَ التَّوْكِيلِ. وَالشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا اعْتَمَدُوا التَّفْصِيلَ السَّابِقَ فِيهِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ إطْلَاقِ هَذَيْنِ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْ تَفْصِيلِ أُولَئِكَ وَبِمَا فَرَّقْت بِهِ بَيْنَ التَّوْكِيلِ وَالْإِعَانَةِ صَرَّحَ الْأَذْرَعِيُّ فَقَالَ: وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْمُعَاوَنَةِ وَالتَّوْكِيلِ بِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ كُلِّيٌّ أَيْ: وَلَا كَذَلِكَ الِاسْتِعَانَةُ، وَهَذَا هُوَ عَيْنُ مَا قَدَّمْته مِنْ الْفَرْقِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ إطْلَاقَ كُلٍّ مِنْ أَبِي قِضَامٍ وَأَبِي فَضْلٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ، أَمَّا أَبُو قِضَامٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ كَلَامَ الْإِمَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعَانَةِ لَا فِي التَّوْكِيلِ، وَاَلَّذِي فِي السُّؤَالِ إنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْكِيلِ فِي مُعَيَّنٍ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْجَاعِلَ قَالَ لِآخَرَ: جَاعَلْتُكَ عَلَى الزِّيَارَةِ وَالدُّعَاءِ فَجَاعَلَ غَيْرَهُ لِيَزُورَ وَيَدْعُوَ، وَتَخَلَّفَ هُوَ فَهَذَا تَوْكِيلٌ لِانْفِرَادِ الْوَكِيلِ لَا إعَانَةٌ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ فِي الْإِعَانَةِ لَا التَّوْكِيلِ فَاتَّضَحَ أَنَّ إطْلَاقَ أَبِي قِضَامٍ الْجَوَازَ هُنَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَإِنْ اسْتَدَلَّا لَهُ بِكَلَامِ الْإِمَامِ غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا، وَأَمَّا أَبُو فَضْلٍ فَإِنَّهُ اعْتَمَدَ إطْلَاقَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي امْتِنَاعَ التَّوْكِيلِ فِي الْمُعَيَّنِ، وَأَخَذَ بِمَفْهُومِ ذَلِكَ مِنْ جَوَازِهِ حَيْثُ لَا يَتَعَيَّنُ، وَهُوَ إطْلَاقًا وَأَخْذًا غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا لِمَا عَلِمْت أَنَّ الْمُعْتَمَد حَمْلُ كَلَامِ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ فَيَمْتَنِعُ التَّوْكِيلُ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ الْمَعْذُورُونَ.

الْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي عَدَمِ التَّعْيِين جَوَازُ التَّوْكِيلِ مُطْلَقًا وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ، كَيْفَ غَفَلَا عَنْ كَوْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَمُخْتَصِرِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَاعْتَمَدَ الْأَوَّلُ كَلَامَ الْإِمَامِ وَهُوَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَالثَّانِي كَلَامَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ لَيْسَ مُوفِيًا لِتَفْصِيلِهِ الَّذِي فَصَّلَهُ مِنْ الِامْتِنَاعِ عِنْدَ التَّعْيِينِ مُطْلَقًا وَالْجَوَازِ عِنْدَ الْإِبْهَامِ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا تَقَرَّرَ وَاتَّضَحَ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْجَاعِلَ مَتَى قَالَ: جَاعَلْتُكَ لِتَدْعُوَ مَثَلًا، فَإِنْ عُذِرَ جَازَ لَهُ التَّوْكِيلُ بِأُجْرَةٍ وَغَيْرِهَا وَإِلَّا فَلَا، وَتَجُوزُ لَهُ الْإِعَانَةُ بِمَنْ يُشَارِكُهُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْعَمَلِ الْمُلْتَزَمِ مُطْلَقًا، هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَقُلْ بِنَفْسِك، وَإِلَّا امْتَنَعَتْ الِاسْتِعَانَةُ وَالتَّوْكِيلُ مُطْلَقًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ نَقْلًا عَنْ غَيْرِهِ، وَمَتَى قَالَ مَنْ دَعَا لِمَيِّتِي بِمَحَلِّ كَذَا، فَلَهُ كَذَا جَازَ التَّوْكِيلُ مُطْلَقًا فَضْلًا عَنْ الِاسْتِعَانَةِ، وَيَسْتَحِقُّ الْمُوَكِّلُ وَالْمُسْتَعِينُ الْمُسَمَّى فَاحْفَظْ ذَلِكَ وَافْهَمْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ لِكُلٍّ مِنْ ذَيْنَك الْإِمَامَيْنِ لِمَا عَلِمْته، ثُمَّ رَأَيْت الْقَمُولِيَّ أَوَّلَ كَلَامَ الْمُتَوَلِّي فَقَالَ عَقِبَهُ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا لَمْ يَسْتَعِنْ بِهِ الْمُوَكِّلُ فِي رَدِّهِ أَيْ: بِأَنْ فَوَّضَ إلَيْهِ الرَّدَّ مِنْ أَصْلِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَعَانَ بِهِ بِأَنْ شَارَكَهُ فِيهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مُطْلَقًا.

وَهَذَا صَرِيحٌ مِنْ الْقَمُولِيِّ أَيْضًا فِيمَا قَدَّمْته مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِعَانَةِ وَالتَّوْكِيلِ فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَا هَاهُنَا مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ لِآخَرَ إلَّا فَعَلْتَ كَذَا فَلَكَ كَذَا لَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ، بِخِلَافِ اسْتَأْجَرْتُك لِتَحُجَّ أَوْ لِتَدْعُوَ أَوْ تَزُورَ وَقُلْنَا: بِصِحَّتِهِ، فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمُبَاشَرَةُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا قُلْتُ: الْإِجَارَةُ لَيْسَ فِيهَا شَائِبَةُ تَوْكِيلٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ لِمُعَيَّنٍ: لِتَفْعَلْ كَذَا مِنْ قَصْرِهِ عَلَى فِعْلِهِ، وَالْجِعَالَةُ فِيهَا شَائِبَةُ تَوْكِيلٍ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَصَرَّحُوا بِهِ فَنَظَرُوا إلَى أَنَّ الْغَرَضَ تَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ لَا عَيْنُ مُحَصِّلِهِ عَلَى مَا مَرَّ فِيهِ مِنْ التَّفْصِيلِ فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ جُوعِلَ عَلَى تَحْصِيلِ حَجَّةٍ وَزِيَارَةٍ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ بِأَرْبَعِينَ أَشْرَفِيًّا مَثَلًا فَلَمَّا حَجَّ ذَلِكَ الْمُجَاعَلُ عَمَّنْ جُوعِلَ لَهُ شَرَعَ فِي السَّيْرِ إلَى الْمَدِينَةِ لِيَزُورَ عَنْهُ فَلَمَّا بَلَغَ إلَى مقرح تُوُفِّيَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الزِّيَارَةِ بِكَمَالِهَا أَوْ يَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ مِنْهَا أَوْ لَا يَسْتَحِقّ شَيْئًا أَصْلًا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ يَسْتَحِقُّ أَوْ لَا يَسْتَحِقُّ مَثَلًا فَهَلْ بَيْنَ الْجِعَالَةِ وَالْإِجَارَةِ فَرْقٌ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَعِيلُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا كَالْأَجِيرِ الَّذِي مَاتَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِمَّا أُمِرَ بِهِ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِي هَذَا وَإِنَّمَا يَتَخَالَفَانِ فِي أَنَّ الْجَاعِلَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَإِنْ أَتَى بِبَعْضِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْأَجِيرُ يَسْتَحِقُّ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ تَجِبُ الْأُجْرَةُ فِيهَا بِالْعَقْدِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَالْجِعَالَةُ جَائِزَةٌ لَا يَثْبُتُ فِيهَا شَيْءٌ إلَّا بِفِعْلِ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.

[كِتَابُ الْفَرَائِضِ]

<<  <  ج: ص:  >  >>