قَطْعًا كَمَا تَقَرَّرَ وَمِنْهَا فَرْقُهُمْ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ بَيْنَ قَبُولِ الْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ لَا بِالْأُخُوَّةِ بِفُرُوقٍ مُتَّعَدِّدَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْبُنُوَّةِ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فَاحْتِيطَ لِذَلِكَ مَا لَا يُحْتَاطُ لِهَذَا وَيُفَرَّقُ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْلَمُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ مَا لَا يَعْلَمُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ فَجَازَ أَنْ يُؤَثِّرَ إقْرَارُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِهِ كَالْبُنُوَّةِ مَا لَا يُؤَثِّرُ إقْرَارُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ كَالْأُخُوَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ اشْتَرَطُوا فِي الْإِلْحَاقِ بِالْغَيْرِ شُرُوطًا زَائِدَةً فَدَلَّ عَلَى تَرَاخِي رُتْبَةِ الْأُخُوَّةِ عَنْهَا بِالْبُنُوَّةِ وَحَاصِلُ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ
وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ فِي الْبُنُوَّةِ لَا يُرَدُّ نَقْضًا لِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْأُخُوَّةِ لِمَا تَقَرَّرَ مُوَضَّحًا فَإِنْ قُلْتَ فِي تَقْرِيرِ الشَّيْخَيْنِ لَلْإِمَامِ عَلَى ذَلِكَ أَوْضَحُ حُجَّةً عَلَى ضَعْفِ الْوَجْهِ الْقَائِلِ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهَا فُرْقَةَ فَسْخٍ فَوَاضِحٌ أَوْ فُرْقَةَ طَلَاقٍ فَأَيْنَ الْحِلُّ وَفِيهِ أَيْضًا رَدُّ مَا مَرَّ مِنْ دَعْوَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الَّذِي كَذَّبَهُ الشَّرْعُ لَا يُعْمَلُ بِهِ أَصْلًا قُلْت قَدْ مَرَّ لَك أَنَّ أُخْتِي يَحْتَمِلُ أُخُوَّةَ الدِّينِ وَأُخُوَّةَ النَّسَبِ وَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ الْمُنْضَمِّ إلَيْهِ تَكْذِيبُ الشَّرْعِ لَهُ فِي إقْرَارِهِ بِنَحْوِ الْأُخُوَّةِ يَنْدَفِعُ قِيَاسُ الْإِقْرَارِ بِالْبُنُوَّةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا احْتِمَالَ ظَاهِرٌ فِيهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ فِي فَرْقِهِمْ بَيْنَ يَا بِنْتِي وَأَنْتِ بِنْتِي فَإِنَّ الْأَوَّلَ ظَاهِرٌ فِي الْكَرَامَةِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَاتَّضَحَ أَنَّ مَا هُنَا لَا يَدْفَعُ شَيْئًا مِمَّا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ (تَنْبِيهٌ أَوَّلٌ) فِي ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِدُونِ ثُبُوتِ النَّسَبِ هُنَا تَأْيِيدًا لِمَا مَرَّ مِنْ تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَكِنْ قَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ (تَنْبِيهٌ ثَانٍ) قَدْ عَلِمْت مِنْ فَرْضِهِمْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ عَنْ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي صُورَةِ الِاسْتِلْحَاقِ أَنَّهُ حَيْثُ لَا اسْتِلْحَاقَ فَلَا حُرْمَةَ حَتَّى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (تَنْبِيهٌ ثَالِثٌ) مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلظَّاهِرِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْبَاطِنِ فَلَا يَتَّجِهُ فِيهِ خِلَافٌ بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ إنْ صَدَقَ فِيمَا ذَكَرَهُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَإِنْ كَذَبَ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بَاطِنًا وَهَذَا مِمَّا لَا شُبْهَةَ فِيهِ
وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ مَا يَأْتِي عَنْ الْأَذْرَعِيِّ مِنْ الْحُرْمَةِ ظَاهِرًا هُوَ هَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي وَمِنْ الْحِلِّ بَاطِنًا إنْ كَذَبَ أَيْ: وَالْحُرْمَةُ إنْ صَدَقَ هُوَ مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَكَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ ذَيْنَك الْوَجْهَيْنِ خِلَافًا لِمَنْ فَهِمَ أَنَّهُ احْتِمَالٌ ثَالِثٌ وَجَرَيْتُ عَلَيْهِ إرْخَاءً لِلْعَنَانِ مَعَ ذَلِكَ الْوَهْمِ، ثُمَّ بَيَّنْتُ حَقِيقَةَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ وَشُدَّ بِهِ يَدَيْك لِتُحْفَظَ مِنْ الْوَهْمِ الَّذِي رُبَّمَا رَاجَ عَلَيْك.
[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا ظَاهِرًا وَحِلِّهَا لَهُ بَاطِنًا إنْ كَذَبَ]
(الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْكَلَامِ عَلَى حُرْمَتِهَا ظَاهِرًا وَحِلِّهَا لَهُ بَاطِنًا إنْ كَذَبَ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ أَبْدَى هَذَا بَحْثًا لَكِنْ قَيَّدَهُ بِقَيْدٍ رُبَّمَا يُغْفَلُ عَنْهُ وَقَدْ مَرَّ آنِفًا أَنَّهُ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْخُوَارِزْمِيِّ مَا قَدْ يَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ وَمَا قَدْ يَرُدُّهُ كَمَا سَتَعْرِفُهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَيْنِ نَقَلَا عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي هِيَ ثَابِتَةُ النَّسَبِ يَا بِنْتِي وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ احْتِمَالِ السِّنِّ كَمَا لَوْ قَالَهُ لِعَبْدِهِ أَوْ أَمَتِهِ زَادَ النَّوَوِيُّ قُلْت الْمُخْتَارُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَةِ لِلْمُلَاطَفَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ. اهـ.
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَقِبَ ذَلِكَ: قُلْت لَفْظُ الْعَبَّادِيِّ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الَّتِي هِيَ ثَابِتَةُ النَّسَبِ يَا بِنْتِي فَإِنَّهُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا إذَا اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهَا ابْنَتَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ يَا أُخْتِي أَوْ قَالَ يَا أُمِّي أَوْ قَالَ أَنْتِ أُمِّي أَنْتِ أُخْتِي أَمَّا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ يَا ابْنِي وَإِنْ كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يُعْتَقُ إذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ابْنًا لَهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ يَا بِنْتِي فَإِنَّهَا تُعْتَقُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ ثَابِتَةَ النَّسَبِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُولَدَ لَهُ مِثْلُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ قُلْتُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهِ فُرْقَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يُوهِمُ الْمُوَافَقَةَ عَلَى صُورَةِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اسْتِعْمَالُ الْمُلَاطَفَةِ لِلْعَبْدِ وَالْأَمَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ غَالِبٌ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ فِيهَا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ إنْ أَرَادَ بِهِ نِيَّةَ إيقَاعِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا إشْعَارَ لَهُ بِذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ قَصْدَ الِاسْتِلْحَاقِ حَيْثُ يُمْكِنُ كَوْنُهَا مِنْهُ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُقِرًّا بِعَدَمِ الزَّوْجِيَّةِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَلَا فُرْقَةَ بَاطِنًا وَيُحْكَمُ بِهَا ظَاهِرًا، ثُمَّ رَأَيْت الْخُوَارِزْمِيَّ قَالَ فِي كَافِيهِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا بِنْتِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute