أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ مَا جَرَى عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي اجْتِمَاعِ نِيَّةِ الطُّهْرِ وَنَحْوِ التَّبَرُّدِ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَمِلَ طَاعَةً وَشَرَّكَ مَعَهَا مُبَاحًا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ التَّشْرِيكُ مُحْبِطًا لِثَوَابِهَا مِنْ أَصْلِهِ بَلْ لَهُ ثَوَابٌ بِقَدْرِ قَصْدِهِ الطَّاعَةَ لَكِنَّهُ دُونَ ثَوَابِ مَنْ لَمْ يُشَرِّكْ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ اللَّهِ تَعَالَى «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ» هُوَ لِلَّذِي أَشْرَكَ يُحْمَلُ لِيُوَافِقَ الْآيَةَ عَلَى مَنْ رَاءَى بِعَمَلِهِ وَالرِّيَاءُ مُحْبِطٌ لِلْعَمَلِ إجْمَاعًا لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُفَسِّقٌ لِصَاحِبِهِ يُخْرِجُ الْعَمَلَ عَنْ كَوْنِهِ طَاعَةً وَقُرْبَةً مِنْ أَصْلِهِ لِمُنَافَاتِهِ لَهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَمْ يُمْكِنْ مُجَامَعَةُ الثَّوَابِ لَهُ.
وَأَمَّا ضَمُّ قَصْدٍ مُبَاحٍ إلَى الْعَمَلِ فَهُوَ لَا يُنَافِيهِ فَأُثِيبَ عَلَى قَصْدِهِ الطَّاعَةَ بِقَدْرِ قَصْدِهِ، وَإِنْ ضَعُفَ لِأَنَّ قَصْدَهُ إيَّاهَا قُرْبَةٌ وَلَمْ يَنْضَمَّ إلَيْهَا مَا يَقْتَضِي إسْقَاطَهَا فَلَمْ يُحْرَمْ ثَوَابَهَا إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَتَى قَصَدَ الْمُتَصَدِّقُ بِإِعْطَائِهِ الْفَقِيرَ وَجْهَ اللَّهِ وَمَنَعَهُ مِنْ الْإِلْحَاحِ الْمُضِرِّ لِلنَّاسِ فَهَذَا لَا شَكَّ فِي ثَوَابِهِ أَتَمُّ الثَّوَابِ وَأَكْمَلُهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ طَاعَتَيْنِ وُصُولَ بِرٍّ إلَيْهِ وَمَنْعَهُ مِنْ مَعْصِيَةِ الْإِيذَاءِ أَوْ الْإِضْرَارِ، وَإِنْ قَصَدَ مَعَ الْأَوَّلِ مَنْعَهُ مِنْ الْإِلْحَاحِ الْمُضِرِّ لَهُ بِخُصُوصِهِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُنَافِي الْقُرْبَةَ وَالصَّدَقَةَ لَكِنَّ ثَوَابَهُ دُونَ ثَوَابِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ فِي الْأَوَّلِ تَعُودُ مَنْفَعَتُهُ عَلَى الْغَيْرِ وَفِي الثَّانِي عَلَى النَّفْسِ فَرُبَّمَا يَقْصِدُ حَظَّهَا وَالظَّاهِرُ إثَابَتُهُ أَيْضًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَدَمُ الصَّارِفِ لَا نِيَّةُ الْقُرْبَةِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَغَيْرِهِ فِي حَدِّ الْأَصْحَابِ الصَّدَقَةَ بِأَنَّهَا تَمْلِيكُ مُحْتَاجٍ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ لَا نَعْتَبِرُ الْحَاجَةَ قَيْدًا بَلْ كَوْنُهَا لِمُحْتَاجٍ هُوَ أَظْهَرُ أَنْوَاعِهَا الْغَالِبِ مِنْهُ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ.
قَالُوا وَتَمْلِيكُ الْمُحْتَاجِ لَا مَعَ اسْتِحْضَارِ الثَّوَابِ صَدَقَةٌ أَيْضًا فَالشَّرْطُ إمَّا الْحَاجَةُ أَوْ قَصْدُ الثَّوَابِ وَتَمْلِيكُ الْغَنِيِّ لَا بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ وَالثَّوَابِ إمَّا هِبَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ
[كِتَابُ الصَّوْمِ]
ِ (وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ فِي طَهَارَةِ الْقُلُوبِ لِعَلَّامِ الْغُيُوبِ: شَهْرُ رَجَبٍ شَهْرُ الْحَرْثِ فَاتَّجِرُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ فِي رَجَب فَإِنَّهُ مَوْسِمُ التِّجَارَةِ وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ فِيهِ فَهُوَ أَوَانُ الْعِمَارَةِ. رُوِيَ أَنَّهُ مَنْ صَامَ مِنْ رَجَب سَبْعَةَ أَيَّامٍ أُغْلِقَتْ عَنْهُ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ، وَمَنْ صَامَ مِنْهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَسْأَلْ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ، وَإِنَّ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا الدُّنْيَا فِيهِ كَمَفْحَصِ الْقَطَاةِ لَا يَدْخُلُهُ إلَّا صَوَّامُ رَجَب وَقَالَ وَهَبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: جَمِيعُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ تَزُورُ زَمْزَمَ فِي رَجَب تَعْظِيمًا لِهَذَا الشَّهْرِ قَالَ وَقَرَأْت فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي رَجَبٍ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَتُبْ عَلَيَّ سَبْعِينَ مَرَّةٍ لَمْ تَمَسَّ النَّارُ جِلْدَهُ أَبَدًا ثُمَّ قَالَ بَعْد ذَلِكَ بِأَوْرَاقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي الْحَدِيثِ: «مَنْ فَاتَهُ وِرْدُهُ فَصَلَّاهُ قَبْلَ الظُّهْرِ فَكَأَنَّمَا صَلَّاهُ فِي وَقْتِهِ» اهـ وَقَدْ وَرَدَ عَلَيْنَا جَوَابُكُمْ الشَّرِيفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ جَوَابٌ شَافٍ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ النَّفْعُ لِي وَلِمَنْ سَمِعَهُ لَكِنَّ الْفَقِيهَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكُمْ فِي السُّؤَالِ يَنْهَى النَّاسَ عَنْ صَوْمِهِ وَيَقُولُ: أَحَادِيثُ صَوْمِ رَجَب مَوْضُوعَةٌ وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ الْمَوْضُوعُ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ. اهـ فَالْمَسْئُولُ مِنْكُمْ زَجْرُ هَذَا النَّاهِي حَتَّى يَتْرُكَ النَّهْيَ وَيُفْتِيَ بِالْحَقِّ، وَاذْكُرُوا لَنَا مَا يَحْضُركُمْ مِنْ كَلَام الْأَئِمَّةِ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنِّي قَدَّمْت لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ كِفَايَة، وَأَمَّا اسْتِمْرَارُ هَذَا الْفَقِيهِ عَلَى نَهْيِ النَّاسِ عَنْ صَوْمِ رَجَب فَهُوَ جَهْلٌ مِنْهُ وَجُزَافٌ عَلَى هَذِهِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ فَإِنْ لَمْ يَرْجِع عَنْ ذَلِكَ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى حُكَّامِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ زَجْرُهُ وَتَعْزِيرُهُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الْمَانِعَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُجَازَفَةِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ يَغْتَرُّ بِمَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ جَهَنَّمَ تُسَعَّرُ مِنْ الْحَوْلِ إلَى الْحَوْلِ لِصَوَّامِ رَجَب وَمَا دَرَى هَذَا الْجَاهِلُ الْمَغْرُورُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ كَذِبٌ لَا تَحِلُّ رِوَايَتُهُ كَمَا ذَكَرُهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ وَنَاهِيكَ بِهِ حِفْظًا لِلسُّنَّةِ وَجَلَالَةً فِي الْعُلُومِ وَيُوَافِقهُ إفْتَاءُ الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ مَنْعِ صَوْمِ رَجَب وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَهَلْ يَصِحُّ نَذْرُ صَوْمِ جَمِيعِهِ فَقَالَ فِي جَوَابِهِ نَذْرُ صَوْمِهِ صَحِيحٌ لَازِمٌ يَتَقَرَّبُ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute