لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْحَقَ بِالْأَبِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَبِهَذَا يَتَّضِحُ ضَعْف بَحْثِ بَعْضِهِمْ إلْحَاقَهَا بِهِ وَالدَّعْوَى عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ الْأَبِ وَالْمُشْتَرَى مِنْهُ وَهَكَذَا كَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَلَهُ الدَّعْوَى عَلَى كُلِّ مَنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْمَبِيعِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا حُكْمُ مُعَامَلَةِ مَنْ بَلَغَ وَهُوَ مُصْلِحٌ لِدُنْيَاهُ فَقَطْ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حُكْمُهُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ الْعُقُودُ الْمَالِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالشَّهَادَةِ وَالْوِلَايَةِ عَلَى الْغَيْرِ كَبِنْتِهِ فِي نِكَاحِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْفُرُوعِ الَّتِي ذَكَرُوهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ مَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَإِنْ تَبَرَّمَ اسْتَأْجَرَ أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْوَلِيُّ مِنْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَفْرِضُ لَهُ أُجْرَةً لَمْ يُجِبْهُ هَلْ الْمَانِعُ مِنْ الْإِجَابَةِ صُورَةُ الْفَرْضِ دُونَ صُورَةِ الِاسْتِئْجَارِ أَمْ الْمَانِعُ دَوَامُ وِلَايَتِهِ حَتَّى يَكُونَ عَزْلُهُ وَالْفَرْضُ لَهُ بَعْدَهُ سَائِغٌ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى صُورَةِ الِاسْتِئْجَارِ أَمْ مُجَرَّدُ الْفَرْضِ كَافٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ فِيهِ غُمُوضٌ وَيَتَّضِحُ جَوَابُهُ بِنَقْلِ كَلَامِهِمْ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَبَرَّمَ الْوَلِيُّ بِحِفْظِ مَالِ مُوَلِّيهِ وَالتَّصَرُّف فِيهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَتَوَلَّاهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَأَقَلّ مِنْ مَالِ مُوَلِّيهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَرِّرَ مِنْهُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَّهَمًا تُهْمَةً قَوِيَّةً فِي فَرْضِهِ لِنَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا بِخِلَافِهِ فِي تَوَلِّيه لِطَرَفَيْ الْبَيْعِ مَثَلًا مِنْ نَفْسِهِ لَهُ وَعَكْسُهُ وَجَازَ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيُنَصِّبَ قَيِّمًا لِذَلِكَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ إذْ لَا تُهْمَةَ حِينَئِذٍ بِوَجْهٍ.
فَإِنَّ رَفَعَ إلَيْهِ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةً فَأَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يُقَرِّرُهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي الرَّفْع هُنَا أَيْضًا فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لَكِنْ حَمَلَهُ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ كَالْغَزَالِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ وَسَبَقَهُمَا إلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْبَارِزِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عَلَى مَا إذَا وَجَدَ مُتَبَرِّعًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا أَجَابَهُ وَقَرَّرَ لَهُ أُجْرَةً وَقَدَّرَهَا الْقَاضِي بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَعَمَلِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ الِاسْتِئْجَارَ فَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ الْأُجْرَةَ لِنَفْسِهِ حَيْثُ انْحَصَرَ الْأَمْرُ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ حَيْثُ لَمْ يَعْزِلْ نَفْسَهُ.
أَمَّا إذَا عَزَلَ نَفْسَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَتَسَلَّمَ الْمَالَ مِنْهُ ثُمَّ يَنْصِبَ لَهُ مَنْ يَرَاهُ بِأُجْرَةِ أَوْ بِدُونِهَا بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إذَا تَبَرَّمَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِحِفْظِ مَالِ الْوَلِيِّ أَوْ بِتَنْمِيَتِهِ أَوْ بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ عَنْ كَسْبِهِ الَّذِي يَكْفِيهِ أَمَّا إذَا اشْتَغَلَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ فَلَهُ إذَا كَانَ غَيْرَ قَاضٍ وَكَانَ فَقِيرًا أَوْ مِسْكِينًا أَخَذَ الْأَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوِّنِهِ أَيْ أَقَلّ أَنْوَاعِ كِفَايَةِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ وَمِنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِ وَلَا يَضْمَنُ بَدَلَ مَا أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ عَمَلِهِ كَالْإِمَامِ إذَا أَخَذَ الرِّزْقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَعَمْ إنْ نَقَصَ أَجْرُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْأُمِّ إذَا كَانَتْ وَصِيَّةً عَنْ نَفَقَتِهِمْ وَكَانُوا فُقَرَاءَ تَمَّمُوهَا مِنْ مَالِ مَحْجُورِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا وَجَبَتْ بِلَا عَمَلٍ فَمَعَ الْعَمَلِ أَوْلَى فَانْدَفَعَ مَا لِلْإِسْنَوِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا مِنْ الِاعْتِرَاضِ فَإِنْ قُلْت لِمَ جَوَّزُوا لَهُ هُنَا الِاسْتِقْلَالَ بِالْأَخْذِ مِنْ غَيْرِ إذْنٍ الْقَاضِي بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فِي صُورَةِ التَّبَرُّمِ قُلْت يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ حَالَةُ ضَرُورَةٍ فَالتُّهْمَةُ فِيهَا ضَعِيفَةٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ شُغْلَهُ بِمَالِ مُوَلِّيهِ عَنْ كَسْبِهِ الَّذِي يَكْفِيهِ شَاهِدٌ لَهُ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ.
وَمَنْ اشْتَرَطْنَا كَوْنَهُ فَقِيرًا بِخِلَافِ الْمُتَبَرِّمِ فَإِنَّهُ لَمْ يُضْطَرَّ لِلْأَخْذِ فَلَمْ نُمَكِّنْهُ مِنْ الْأَخْذِ بِنَفْسِهِ بَلْ أَمَرْنَاهُ بِالرَّفْعِ لِلْقَاضِي فَإِنْ رَأَى مُتَبَرِّعًا غَيْرَهُ اسْتَعْمَلَهُ وَإِلَّا فَرَضَ لَهُ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مَعَ تَوْضِيحِهِ وَتَقْرِيرِهِ فَعَلَى السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَهُ حَتَّى تَزُولَ عَنْهُ تِلْكَ التَّرْدِيدَاتُ الْمُنْبِئَةُ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَهُ مِنْ كَلَامِهِمْ شَيْءٌ يَرْجِعُ إلَيْهِ أَوْ عَنْ أَنَّهُ لَمْ يَتَأَمَّلْهُ إذْ كَيْفَ يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالِاسْتِئْجَارِ مَعَ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الِاسْتِئْجَارُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلِهِمْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً فَفَرْضُ الْأُجْرَةِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمْ الْمَانِعُ دَوَامُ وِلَايَتِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ مَا قَرَّرْنَاهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ إجَابَتِهِ لَيْسَ هُوَ دَوَام وِلَايَتِهِ بَلْ اتِّهَامه فِي طَلَبِهِ الْفَرْضَ لِنَفْسِهِ مَعَ وُجُودِ مُتَبَرِّعٍ غَيْره وَمِنْ ثَمَّ لَوْ لَمْ يُوجَدْ مُتَبَرِّعٌ غَيْرُهُ فَرَضَ لَهُ الْأُجْرَةَ كَمَا تَقَرَّرَ فَعَلِمْنَا أَنَّ دَوَامَ وِلَايَتِهِ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْمَنْعِ بِمُجَرَّدِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مُتَبَرِّعًا غَيْرَهُ يَفْرِضُ لَهُ الْأُجْرَةَ مَعَ دَوَامِ وِلَايَتِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَزْلِهِ ثُمَّ تَوْلِيَتِهِ بِأُجْرَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا بِالْعَبَثِ أَشْبَهُ وَقَوْلُهُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى صُورَةٍ الِاسْتِئْجَارِ إلَخْ مَبْنِيٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute