للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ الْعَبْ وَأَمَّا شُرْبُ اللَّبَنِ فَالْأَوْلَى فِيهِ الْعَبُّ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ وَيُسَمِّي فِي أَوَّلِهِ وَيَحْمَدُ فِي آخِرِهِ كَالطَّعَامِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَشْرِبَةِ فَفِي الْمَدْخَلِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ بَيْن الْعَبِّ وَالْمَصِّ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي فِي الْمَاءِ تَأْتِي فِيهِ بِالْأَوْلَى فَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَق بِهِ فِي الْمَصِّ خَشْيَةَ الْمَحْذُورِ السَّابِقِ فِي الْمَاءِ وَإِنَّمَا خَرَجَ اللَّبَنُ عَنْ ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جَعَلَهُ خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ فَيُؤْمَنُ فِيهِ الشَّرْقُ وَتَقْبَلُهُ الْمَعِدَةُ وَإِنْ كَثُرَ مِنْ غَيْرِ إيذَاءٍ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهُ عِنْد تَرَادُفِهِ وَتَزَاحُمِهِ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا قِيلَ يُسَنُّ لِلْآكِلِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ وَيُسِرَّ بِالتَّحْمِيدِ مَا وَجْهُهُ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا سُنَّ لَهُ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُنَبِّهَ الْآكِلِينَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْأَخْذِ فِي الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْحَمْدِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكْتَفِ بَعْدُ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ عَلِمَ فَرَاغَهُمْ وَكِفَايَتَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُسَنَّ لَهُ الْجَهْرُ لِيُنَبِّهَهُمْ عَلَيْهِ وَلَمَّا لَمْ يُوجَدُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي الشُّرْبِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْن الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا يُقْتَدَى بِهِ فَيُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ لِيَعْلَمَ مَنْ عِنْدَهُ السُّنَّةَ.

(وَسُئِلَ) عَنْ حِكْمَةِ كَرَاهَةِ الشُّرْبِ مِنْ ثُلْمَةِ الْكُوزِ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيلَ حِكْمَتُهَا أَنَّهُ مَحِلُّ اجْتِمَاعِ الْوَسَخِ قِيلَ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ نَاحِيَةِ أُذُنِ الْكُوزِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا.

(وَسُئِلَ) عَمَّا اُعْتِيدَ مِنْ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِمَنْ يَفْرُغُ مِنْ شُرْبِهِ: صِحَّةً أَوْ نَحْو ذَلِكَ هَلْ لَهُ أَصْلٌ أَوْ هُوَ بِدْعَةٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأُمِّ أَيْمَنَ لَمَّا أَنْ شَرِبَتْ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «صِحَّةً يَا أُمّ أَيْمَنَ لَنْ تَلِجَ النَّارُ بَطْنَك» وَوَجْهُ الْقِيَاس أَنَّ الْمُخْتَارَ عِنْد كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا طَهَارَةُ فَضَلَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ بَوْلَهُ شِفَاءٌ أَيُّ شِفَاءٍ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ لِشَارِبَتِهِ فَلَا بِدْعَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ قَوْلٌ مِثْلُهُ لِشَارِبِ الْمَاءِ لَا يُقَالُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَفْعَلُهُ عَلَى جِهَةِ التَّشْرِيعِ تَكَرُّرُ ذَلِكَ الْفِعْلِ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَكْفِي صُدُورُ ذَلِكَ مِنْهُ كَذَلِكَ وَلَوْ مَرَّةً كَمَا هُوَ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ عَدَمَ النَّقْلِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُودِ وَلَيْسَ هَذَا مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَبِقَوْلِنَا أَنَّ بَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شِفَاءٌ أَيُّ شِفَاءٍ انْدَفَعَ مَا قِيلَ هَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَا يُشْرَبُ وَإِنَّمَا هُوَ الْبَوْلُ وَهُوَ إذَا شَرِبَ عَادَ بِالضَّرَرِ فَقَالَ صِحَّة لِيَنْفِيَ عَنْهَا مَا تَتَوَقَّعُهُ مِمَّا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ بَوْلِ غَيْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَضَمَّنَ ذَلِكَ دُعَاءً وَإِخْبَارًا بِخِلَافِ شُرْبِ الْمَاءِ اهـ.

فَقَوْلُهُ لِيَنْفِيَ عَنْهَا مَا تَتَوَقَّعُهُ إلَخْ يُرَدُّ بِأَنَّهُ تَقَرَّرَ عِنْد أُمّ أَيْمَنَ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ شِفَاءٌ وَلَمْ تَقْصِدْ بِشُرْبِهِ إلَّا ذَلِكَ فَانْدَفَعَ جَمِيعُ مَا ذَكَرَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا حُجَّةَ فِيهِ لَا لِمَا ذَكَرَهُ هَذَا الْقَائِلُ بَلْ لِكَوْنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ إلَّا تَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَتْهُ مِنْ شُرْبِهَا لِلْبَوْلِ فَإِنَّهَا إنَّمَا شَرِبَتْهُ لِلتَّدَاوِي وَطَلَبِ الشِّفَاءِ فَقَالَ لَهَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِحَّة تَحْقِيقًا لِقَصْدِهَا وَإِجَابَةً لِمَا مَرَّ لَهَا وَإِخْبَارًا بِأَنَّ مَا قَصَدَتْهُ مِنْ الصِّحَّةِ قَدْ حَصَلَ وَتَحَقَّقَ وَهَذَا مَعْنَى ظَاهِر إرَادَته مِنْ اللَّفْظِ وَعِنْد ذَلِكَ لَا يَبْقَى فِي الْخَبَرِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ فِيهِ دَلِيلًا لِنَدْبِ ذَلِكَ عِنْد شُرْبِ الْمَاءِ نَعَمْ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِنَدْبِهِ عِنْد شُرْبِ الدَّوَاءِ لِأَنَّهُ عَلَى طِبْقِ النَّصِّ فَلَا فَارِقَ بَيْنهمَا.

(وَسُئِلَ) عَمَّا يَفْعَلُهُ الْأَعَاجِمُ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِمْ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ الِانْحِنَاءِ أَوْ الْمُطَأْطَأَةِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ عِنْد شُرْبِ بَعْضِهِمْ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟

(فَأَجَابَ) نَعَمْ هُوَ بِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ لِأَنَّا نُهِينَا عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْأَعَاجِمِ.

(وَسُئِلَ) عَنْ اتِّخَاذِ إنَاء لِأَكْلِهِ أَوْ شُرْبِهِ يَخْتَصُّ بِهِ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ هُوَ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ يُنْبِي عَنْ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَخِلَافُ مَا عُرِفَ مِنْ طَرِيقَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - «كُنْت أَشْرَبُ مِنْ الْإِنَاء فَيَأْخُذُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَشْرَبُ مِنْهُ فَيَضَعُ فَاهُ مَوْضِعَ فِي» وَرُوِيَ «سُؤْرُ الْمُؤْمِنِ شِفَاءٌ» وَوَرَدَ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ بِشَهْوَةِ عِيَالِهِ قِيلَ وَهَذِهِ دَسِيسَةٌ دَسَّهَا الشَّيْطَانُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِيَتَوَفَّرَ لِلنِّسَاءِ مَا يَقْصِدْنَهُ كَثِيرًا مِنْ سِحْرِ الرِّجَالِ وَإِسْقَائِهِمْ مَا يُخْبِلُهُم أَوْ يُجَنِّنُهُمْ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ مِنْ مَكَايِدِهِنَّ وَلَوْ كَانَ إنَاءُ شُرْبِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنه وَبَيْن عِيَاله لَمْ يَتَأَتَّ لَهُنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>