الْعَيْنِ وَمَفْقُوءَهَا قَالَ وَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لَا أُدَاوِيهِ حَتَّى يَمُوتَ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ أَيْ عَلَى مُدَاوَاتِهِ وَلَوْ قَالَ الْجَانِي مَكِّنِي مِنْ مُدَاوَاتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّمْكِينُ مِنْهُ.
وَأَمَّا الرَّقِيقُ فَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يُقَدَّرُ فِي الْحُرِّ كَالْيَدِ لَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ فِي هَذَا الْمِثَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ أَمْ نَقَصَتْ بِقَدْرِ نِصْفِ الْقِيمَةِ أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ وَإِنْ جُرِحَ جُرْحًا لَا مُقَدَّرَ لَهُ فِيهِ مِنْ الْحُرِّ فَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ كَأَنْ قَطَعَ مِنْهُ أُصْبُعًا زَائِدَةً فَبَرِئَ وَلَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ فَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَلْزَمُهُ مَا نَقَصَ وَيُقَوَّمُ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالدَّمُ سَائِلٌ لِلضَّرُورَةِ.
وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي تَرْجِيحُهُ لِقَوْلِهِمْ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْحُرِّ أَنَّ أَثَرَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مِنْ ضَعْفٍ، أَوْ شَيْنٍ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الْبُرْءِ وَجَبَتْ الْحُكُومَةُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ جُرْحًا، أَوْ كَسْرًا وَلَمْ يَنْقُصْ بَعْدَ الِانْدِمَالِ شَيْءٌ مِنْ مَنْفَعَةٍ أَوْ جَمَالٍ كَقَلْعِ سِنٍّ، أَوْ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ اعْتَبَرَ أَقْرَبَ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ ثُمَّ مَا قَبْلَهُ وَهَكَذَا إلَى حَالِ سَيَلَانِ الدَّمِ حَتَّى تَنْقُصَ الْقِيمَةُ لِتَأَثُّرِهَا بِالْخَوْفِ وَالْخَطَرِ فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ بِهِ شَيْءٌ وَلَا حَالَ سَيَلَانِ الدَّمِ فَهَلْ يُعَزَّرُ فَقَطْ، أَوْ يُعَزَّرُ وَيَفْرِضُ الْقَاضِي عَلَيْهِ شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ الثَّانِيَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ غَيْرَ جُرْحٍ وَلَا كَسْرٍ كَإِزَالَةِ الشُّعُورِ وَاللَّطْمَةِ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ سِوَى التَّعْزِيرِ فَتَأَمَّلْ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْجِنَايَاتِ فَإِنَّهُ قَاضٍ بِتَرْجِيحِ كَلَامِ أَبِي إِسْحَاقَ فَعُلِمَ أَنَّ إطْلَاقَ بَعْضِ الْمُفْتِينَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي الْعَبْدِ إطْلَاقٌ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِمَا لَفْظُهُ إذَا قُلْتُمْ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأَبَ وَإِنْ عَلَا وَالِابْنَ وَإِنْ سَفَلَ وَالْقَاتِلَ لَيْسُوا هُمْ مِنْ الْعَاقِلَةِ وَلَا يَحْمِلُونَ مِنْ الدِّيَةِ شَيْئًا وَإِذَا قُلْتُمْ أَيْضًا أَنَّ الدِّيَةَ مُؤَجَّلَةٌ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينِ الْقَتْلِ وَأَنَّ أَكْثَرَ مَا يُجْعَلُ عَلَى الْمُوسِرِ نِصْفُ دِينَارٍ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ وَأَنَّهَا عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ وَأَنَّهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ الَّتِي فِي بَلَدِ الْجَانِي وَمَنْ كَانَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ فِي إقْلِيمٍ آخَرَ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِذَا كَانَ الْقَاتِلُ غَنِيًّا وَالْعَاقِلَةُ فُقَرَاءَ أَوْ كَانُوا كُلُّهُمْ فُقَرَاءَ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَمْ تَسْقُطُ أَمْ إلَى الْيَسَارِ أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِذَا كَانَ الْقَرِيبُ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْجَانِي وَالْأَبْعَدُ فِي بَلَدِهِ هَلْ تَسْقُطُ عَنْهُمَا، أَوْ تَلْزَمُهُمَا، أَوْ أَحَدَهُمَا وَإِذَا كَانَ الْقَرِيبُ فِي حَالِ الْجِنَايَةِ فِي إقْلِيمٍ آخَرَ ثُمَّ حَضَرَ بَعْدَهَا إلَى بَلَدِ الْجَانِي هَلْ تَلْزَمُهُ أَمْ لَا تَلْزَمُهُ.
وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا مِنْ حِينِ الْقَتْلِ وَإِذَا كَانَ الْقَرِيبُ وَاحِدًا أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مَثَلًا مُوسِرِينَ أَوْ مُتَوَسِّطِينَ كَيْفَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ؟ وَالْحَالُ أَنَّ الْمُوسِرَ أَلْزَمَتْهُمُوهُ بِنِصْفِ دِينَارٍ وَالْمُتَوَسِّطَ رُبُعِ دِينَارٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّقْسِيطَ لَا يَفِي فِي مُدَّةِ ثَلَاثِ سِنِينَ بِالدِّيَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالدِّيَةُ بَاقِيَةٌ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ الدَّنَانِيرُ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ الْإِبِلُ الْمَعْلُومَاتُ فِي الْخَطَإِ وَهِيَ مِائَةٌ مُخَمَّسَةٌ وَلَيْسَ الْعُدُولُ عَنْهَا إلَّا بِالصُّلْحِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ أَصْحَابُ الدَّمِ مِنْ الصُّلْحِ فَكَيْفَ تُوَزَّعُ الْإِبِلُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً أَوْ أَقَلَّ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ وُضُوحًا شَافِيًا؟
(فَأَجَابَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ مِنْ اخْتِصَاصِ الضَّرْبِ بِعَاقِلَةِ بَلَدِ الْجَانِي عَلَى الْإِطْلَاقِ لَمْ أَرَ مَنْ قَالَ بِهِ هَكَذَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مُقَيَّدٌ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ تَفَاصِيلُ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ أَنَّ الْعَاقِلَةَ إنْ كَانُوا حَاضِرِينَ بِبَلَدِ الْجِنَايَةِ ضُرِبَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ غَابُوا وَلَهُمْ ثَمَّ مَالٌ أُخِذَ مِنْهُ وَإِلَّا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِمْ لِيَأْخُذَهَا مِنْهُمْ وَلَهُ أَنْ يَكْتُبَ بِالْقَتْلِ إلَيْهِ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِهَا وَيَأْخُذَهَا مِنْهُمْ وَإِنْ حَضَرَ بَعْضُهُمْ بِهَا وَغَابَ بَعْضُهُمْ فَإِنْ اسْتَوَى الْجَمِيعُ دَرَجَةً فَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ حَضَرَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَعَمْ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِقُرْبِ الْمَكَانِ فَهُمْ كَالْمُخْتَصِّينَ بِقُرْبِ الْقَرَابَةِ وَلِأَنَّ النُّصْرَةَ الَّتِي هِيَ مَلْحَظُ التَّحَمُّلِ إنَّمَا هِيَ بِهِمْ وَلِأَنَّ فِي الضَّرْبِ عَلَى الْغَائِبِينَ مَشَقَّةً وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - تُضْرَبُ عَلَى الْكُلِّ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي الْعُصُوبَةِ وَالْمِيرَاثِ وَعَلَى هَذَا فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ حَضَرُوا جَمِيعًا أَوْ غَابُوا جَمِيعًا فِيمَا مَرَّ وَعَلَى الضَّعِيفِ إذَا لَمْ يَفِ الْحَاضِرُونَ ضُرِبَ عَلَى الْغَائِبِينَ وَيَكْتُبُ الْقَاضِي كَمَا مَرَّ وَعَلَيْهِ أَيْضًا إذَا اخْتَلَفَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute