لَهَا مَعْنًى مُسْتَقِرٌّ حَتَّى يَكُونَ ذِكْرُ الثَّمَنِ صَارِفًا لَهُ لِأَنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي الِانْتِفَاعِ لَا فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ كَمَا حَقَّقْته فِي بَعْض الْفَتَاوَى أَخْذًا مِنْ كَلَامهمْ ثُمَّ أَنْ تَأْتِيَ الِانْتِفَاعَ بِغَيْرِ اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ كَانَتْ كَالْإِعَارَةِ وَإِلَّا كَانَتْ كَالضِّيَافَةِ فَيَمْلِكُ قُبَيْلَ الِازْدِرَاءِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلْكِنَايَةِ هُنَا لِأَنَّهَا لَا تَحْتَمِلُ تَمْلِيكَ الْعَيْنِ ابْتِدَاءً بِوَجْهٍ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كِنَايَاتِ الْبَيْعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ بِعْتُك الْأَرْضَ وَأَبَحْتُكَ شِرْبَهَا بِكَذَا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَرْضُ وَمَا لَا يَصِحُّ بَيْعه وَهُوَ الشِّرْبُ مِنْ حَيْثُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْإِبَاحَةِ فِيهِ فَتَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ وَيَبْطُلُ فِي الشِّرْب وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَ مَا ذُكِرَ فِي الْإِبَاحَةِ فَإِنْ أَجَازَ الْبَيْعَ أَوْ عَلِمَ حُكْمَ الْإِبَاحَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِسْطُ الْأَرْضِ مِنْ الثَّمَنِ بِاعْتِبَارِ تَوْزِيعِهِ عَلَى قِيمَتِهَا وَقِيمَةِ الشِّرْبِ فَإِذَا قِيلَ قِيمَتُهَا مِائَةٌ وَقِيمَةُ الشِّرْبِ عِشْرُونَ خَصَّهَا مِنْ الثَّمَنِ خَمْسَة أَسْدَاسِهِ وَبَطَلَ الْبَيْعُ فِي سُدُسِهِ الْمُقَابِلِ لِلشُّرْبِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الثَّمَنِ فَقَطْ وَقَوْلُ الْبَائِعِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَعْنِي قَوْله بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبهَا بِكَذَا إنَّمَا أَرَدْت الْبَيْعَ فِي الْأَرْضِ فَقَطْ أَيْ حَتَّى يَجِبَ كُلّ الثَّمَنِ وَيَأْخُذَ الشِّرْبَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يُنَاقِضُ مَنْوِيَّهُ فَيَلْغُو وَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ بِقِسْطِهَا مِنْ الثَّمَنِ فِي الشِّرْبِ وَمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَوْلُ السَّائِلِ وَإِذَا قَالَ بِعْتُكَهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا إلَخْ يُحْتَاجُ لِمُقَدَّمَةٍ أَيْضًا هِيَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا خِلَافًا فِي عَكْسِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَهُوَ مَا لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلْفٍ فَقَالَ قَبِلْت نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ.
وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ فِي هَذِهِ فَقَالَ قَبِلْت نِصْفه بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ أَيْ فَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا أَشْعُرُ بِهِ كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمَال إلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ لَكِنْ أَقَرَّ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ مَعَ تَسْلِيمِهِ اسْتِشْكَالَ الرَّافِعِيِّ لَهَا بِأَنَّهُ أَوْجَبَ لَهُ عَقْدًا فَقَبِلَ عَقْدَيْنِ لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ وَلَوْ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ وَلَا تَنَافِي خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ لِأَنَّهُ سَلَّمَ الصِّحَّةَ مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ وَالِاسْتِشْكَالَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنْ نَوَى تَفْصِيلَ مَا أَجْمَله الْبَائِعُ دُونَ تَعَدُّدِ الْعَقْدِ صَحَّ وَإِنْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى تَعَدُّدَ الْعَقْدِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْكَلَامَانِ ثُمَّ رَأَيْت فِي كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ مَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُمْ الصَّفْقَةُ تَتَعَدَّدُ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا وَقَعَ التَّفْصِيلُ مِنْ جِهَةِ مَنْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ كَ (بِعْتُكَ) بِهَذَا نِصْفَهُ بِخَمْسِمِائَةٍ وَنِصْفه بِخَمْسِمِائَةٍ فَيَقُولُ قَبِلْت أَوْ قَبِلْته بِأَلْفٍ لِأَنَّ الْقَبُولَ حِينَئِذٍ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيجَابِ الْمُفَصَّلِ فَوَقَعَ مُفَصَّلًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَجْمَلَ الْبَائِعُ أَوَّلًا وَفَصَّلَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ أَوْجَدَ مَا يُنَافِي الْإِجْمَالَ فَلَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقَالَ إنَّ قَبُولَهُ وَقَعَ مُجْمَلًا فَفَصَّلْنَا فِيهِ بَيْن أَنْ يَقْصِد تَفْصِيل ذَلِكَ فَيَصِحّ أَوَّلًا فَيَبْطُل.
أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ التَّفْصِيل مِنْ حَيْثُ هُوَ يُنَافِي الْإِجْمَال وَقَضِيَّة كَلَامه خِلَافًا لِلشَّارِحِ أَيْ الْجَوْجَرِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ وَهَذَا بِدِينَارٍ فَقَالَ قَبِلْت أَحَدَهُمَا صَحَّ أَوْ بِعْتُك هَذَيْنِ بِأَلْفٍ كُلّ وَاحِدٍ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَبِلَ أَحَدَهُمَا صَحَّ لِلتَّوَافُقِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حُكْمِ صَفْقَتَيْنِ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِي بِعْتُك سَالِمًا وَغَانِمًا هَذَيْنِ بِأَلْفٍ يَصِحُّ قَبُولُهُمَا بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ سَالِمًا مِنْ غَانِمٍ بِخِلَافِ سَالِمٍ بِأَلْفٍ وَغَانِمٍ بِخَمْسِمِائَةٍ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِمَا وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى قَبُولِ أَحَدِهِمَا هُنَا جَائِزٌ فَاشْتَرَطَ أَنْ يَعْرِفَهُمَا حَتَّى يَقْبَلهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا وَثَمَّ يَتَعَيَّنُ قَبُولُهُمَا مَعًا أَوْ تَرْكُهُمَا مَعًا فَلَا فَائِدَةَ لِمَعْرِفَتِهِمَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَمِنْهَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَشِرْبهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَالَ قَبِلْت بِمِائَةٍ صَحَّ فِيهِمَا وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْتُكهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَأَبَحْت لَك شِرْبهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا فَقَالَ قَبِلْت بِمِائَةٍ صَحَّ فِي الْأَرْضِ بِخَمْسِينَ وَلَا يَصِحُّ فِي الشِّرْب وَالْحُكْمِ فِي هَذِهِ وَاضِحٌ مِمَّا قَدَّمْته فِي بِعْتُكهَا وَأَبَحْت لَك شِرْبَهَا بِكَذَا.
وَأَمَّا الْأُولَى فَوَجْهُ الصِّحَّةِ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَرْته فِي بِعْتُك هَذَا بِدِرْهَمٍ وَهَذِهِ بِدِينَارٍ أَنَّهُ فِي صُورَتِنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ قَبُولِ الْأَرْضِ وَالشِّرْب مَعًا وَقَبُول أَحَدِهِمَا وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ قَبُولَهُمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute