للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَرَتِّب عَلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَحِينَئِذٍ فَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ هُوَ إظْهَارُ الْمُتَوَلِّي قَضَاؤُهُ بِأَمْرٍ ثَبَتَ عِنْدَهُ أَوْ بِالْإِلْزَامِ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ شَرْعًا ثُمَّ الْمُوجَبُ مِنْهُ ظَاهِرٌ وَخَفِيٌّ فَإِنْ اسْتَحْضَرَ الْآثَارَ كُلَّهَا وَعَيَّنَهَا فِي حُكْمِهِ فَظَاهِرٌ وَإِلَّا فَكَذَلِكَ عَلَى الْأَرْجَحِ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ مُقَلِّدَ الْمَذْهَبِ يَرْتَبِطُ بِهِ فَمَهْمَا كَانَ مُوجِبُهُ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ تَنَاوَلَهُ الْحُكْمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُوجَبَ وَالْمُقْتَضَى مُخْتَلِفَانِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ اتِّحَادَهُمَا إذْ الْمُقْتَضَى لَا يَنْفَكُّ وَالْمُوجَبُ قَدْ يَنْفَكُّ فَالْأَوَّلُ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي بَعْد لُزُومِ الْبَيْعِ وَالثَّانِي كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فَالْمُوجَبُ أَعَمُّ وَأَفْهَمُ التَّعْبِيرِ فِي الْحَدِّ بِالْإِظْهَارِ أَنَّ الْحُكْمَ لَيْسَ إنْشَاءً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الرِّسَالَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْحُجَّةِ فِي تَثَبُّتِ خَبَرِ الْوَاحِدِ أَلَا تَرَى قَضَاءَ الْقَاضِي عَلَى الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ إنَّمَا هُوَ خَبَرٌ يُخْبِرُ بِهِ عَنْ بَيِّنَةٍ ثَبَتَتْ عِنْدَهُ أَوْ إقْرَارًا مِنْ خَصْمٍ أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ فِيهِ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحُكْمَ إخْبَارٌ أَيْ فِيهِ شَائِبَةٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِنْفَاذَ الَّذِي هُوَ الْإِنْشَاءُ تَضَمَّنَ إخْبَارًا عَنْ مُسْتَنَدِ الْحُكْمِ السَّابِقِ فَمِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ يَكُونُ خَبَرًا لِاحْتِمَالِهِ الصِّدْقَ إنْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمُسْتَنَدُ الشَّرْعِيُّ وَالْكَذِبَ إنْ لَمْ يُوجَدْ وَمِنْ حَيْثُ الْإِنْفَاذُ يَكُونُ إنْشَاءً إذْ لَا يَحْتَمِلُ صِدْقًا وَكَذِبًا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ فَإِنَّهَا مَحْضُ إنْشَاءٍ إذْ لَا تَتَضَمَّنُ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ سَبَقَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ حُكْمًا لِأَنَّهُ الْإِلْزَامُ بِشَيْءٍ وَقَعَ وَالْعَقْدُ إلَى الْآنَ لَمْ يَقَعْ بِخِلَافِ تَصَرُّفِهِ فِي قَضِيَّةٍ رُفِعَتْ إلَيْهِ وَطَلَبَ مِنْهَا فَصْلَهَا فَإِنَّهُ حُكْمٌ بِصِحَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ لِتَضَمُّنِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ شَيْءٍ سَبَقَ وَهُوَ اسْتِيفَاءُ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ لِشُرُوطِهَا.

وَإِنَّمَا لَمْ يَنْظُرُوا إلَى ذَلِكَ فِي مُجَرَّدٍ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ وَهُنَا عَلَيْهِ قَرِينَةٌ وَهِيَ رَفْعُ الْقَضِيَّةِ إلَيْهِ وَطَلَبُ فَصْلِهَا مِنْهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ فِي مَوَاضِعَ إنَّ تَصَرُّفَهُ حُكْمٌ وَقَوْلُهُمْ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى إنَّهُ لَيْسَ بِحُكْمٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَقَدْ مَرَّتْ مِنِّي إشَارَةٌ إلَيْهِ فِي الْجَوَابِ الْمُخْتَصَرِ السَّابِقِ فِي الْمُقَدِّمَةِ ثُمَّ رَأَيْتُ السُّبْكِيّ قَالَ تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ حُكْمٌ قَطْعًا كَالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجَبِ أَوْ غَيْرُ حُكْمٍ قَطْعًا كَسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ أَوْ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ غَيْرُ حُكْمٍ كَمَا إذَا بَاعَ أَوْ زَوَّجَ وَالْأَرْجَحُ أَنَّهُ حُكْمٌ كَفَسْخِهِ لِنَحْوِ بَيْعٍ بِنَفْسِهِ وَخَرَجَ بِالْقَضَاءِ فِي التَّعْرِيفِ الثُّبُوتُ فَلَيْسَ بِحُكْمٍ بِالثَّابِتِ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ خِلَافًا لِمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ حُكْمٌ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَقَبُولِهَا وَجَرَيَانِ ذَلِكَ الْمَشْهُودِ بِهِ حُكْمٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْإِلْزَامِ فَلَا لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْإِلْزَامُ وَفَائِدَةُ الثُّبُوتِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَدَمُ احْتِيَاجِ حَاكِمٍ آخَرَ إلَى النَّظَرِ فِي الْبَيِّنَةِ وَحُكْمُهُ جَوَازُ نَقْلِهِ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَأَمَّا صِحَّةُ ذَلِكَ الْأَمْرِ فَلَا دَلَالَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ يُثْبِتُ الشَّيْءَ ثُمَّ يَنْظُرُ كَوْنَهُ صَحِيحًا أَوْ بَاطِلًا.

وَلِهَذَا اخْتَارَ السُّبْكِيّ التَّفْصِيلَ بَيْنَ أَنْ يُثْبِتَ الْحَقَّ أَوْ السَّبَبَ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ بِسَبَبِهِ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ زَيْدًا وَقَفَ هَذَا فَلَيْسَ بِحُكْمٍ لِأَنَّهُ يُتَوَقَّفُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى نَظَرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْوَقْفَ صَحِيحٌ أَوْ لَا وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ كَقَوْلِهِ ثَبَتَ عِنْدِي أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى زَيْدٍ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحُكْمِ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَظَرٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ صُورَةُ الْحُكْمِ فِيهِ وَبِذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ طَلَبَ فِي الْقِسْمِ الْأَوْلِ مِنْ الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِلُزُومِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَتَّى يُتِمَّ نَظَرَهُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ قَدْ يَكُونُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّانِي يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ يَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِهِ قَطْعًا قَالَ وَرُجُوعُ الشُّهُودِ بَعْد الثُّبُوتِ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ أَنَّهُ فِي الْقَسْمِ الثَّانِي كَالرُّجُوعِ بَعْد الْحُكْمِ فَلَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ وَفِي الْأَوَّلِ يَمْنَعهُ وَنَقْلُ الثُّبُوتِ فِي الْبَلَدِ فِيهِ خِلَافٌ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي فِي الْقِسْمِ الثَّانِي الْقَطْعُ بِجَوَازِ النَّقْلِ وَتَخْصِيصُ مَحَلِّ الْخِلَافِ بِالْأَوَّلِ وَالْأَوْلَى فِيهِ الْجَوَازُ أَيْضًا وِفَاقًا لِلْإِمَامِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ.

قَالَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَالثُّبُوتُ الْمُجَرَّدُ جَائِزٌ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ فَإِذَا أَرَادَ الْحَاكِمُ إبْطَالَ عَقْدٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ وَمَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>