للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثُّبُوتِ الْمُجَرَّدِ فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ ظَهَرَ لِلْحَاكِمِ صِدْقُ الْمُدَّعِي وَيُسْتَثْنَى مِنْ جَوَازِ الثُّبُوتِ قَوْلُ الْجُرْجَانِيِّ لَا يَجُوزُ التَّسْجِيلُ بِالْفِسْقِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِهِ بِالتَّوْبَةِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَلَعَلَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ فَأَمَّا عِنْدهَا كَإِبْطَالِ نَظَرِهِ فَيَتَّجِهُ الْجَوَازُ وَالتَّوْبَةُ إنَّمَا تَمْنَعُ فِي الْمُسْتَقْبِل لَا الْمَاضِي وَيَجُوزُ التَّنْفِيذُ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى وَحَلِفٍ فِي نَحْوِ مَيْتٍ وَغَائِبٍ وَأَفْهَمَ التَّعْرِيفُ أَنَّ الْقَضَاءَ مُرَادِفٌ لِلْحُكْمِ وَقَدْ يُغَايِرُهُ فَيُطْلَقُ الْقَضَاءُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِخْبَارِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِلْزَامِ وَعَكْسِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ فِي الْوَاقِعَةِ قَضَاءٌ وَإِلْزَامٌ بِهِ وَعُلِمَ مِنْ الْمُمْكِنِ ثُبُوتُهَا السَّابِقُ فِي التَّعْرِيفِ أَنَّ جَمِيعَ الشُّرُوطِ لَا يُعْتَبَرُ ثُبُوتُهَا فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَوْ الْمُوجَبِ فَإِنَّ جُمْلَتَهَا فِي الْبَيْعِ مَثَلًا الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوْ التَّسَلُّمِ فَلَا يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ الْخَصْمَيْنِ إثْبَاتَ انْتِفَاءِ نَحْوِ الْغَصْبِ وَالرَّهْنِ مِمَّا يُنَافِي تِلْكَ الْقُدْرَةَ لِتَعَذُّرِهِ أَوْ تَعَسُّرِهِ.

وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَاشْتِرَاطِ انْحِصَارِ الْإِرْثِ بِأَنَّ هُنَا قَرِينَةً ظَاهِرَةً عَلَى انْتِفَاءِ ذَلِكَ وَهِيَ وُقُوعُ الْبَيْعِ الْمُقْتَضَى عَادَةً وُرُودُهُ عَلَى مَا وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ بِخِلَافِ انْحِصَارِ الْإِرْثِ فَإِنَّهُ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ ظَاهِرَةٌ وَلَا خَفِيَّةٌ فَاحْتِيجَ لِثُبُوتِهِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كِتَابَةَ الْمُوَثِّقِينَ طَائِعًا مُخْتَارًا فِي صِحَّتِهِ وَسَلَامَتِهِ لِأَنَّ هَذَا زِيَادَةٌ فِي التَّأْكِيدِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْحُكْمِ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ إقْرَارٍ بَلْ يَقْضِي عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى إكْرَاهًا لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِقَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْإِكْرَاهِ وَالْمُعْتَبَرُ غَالِبًا فِي التَّسْجِيلَاتِ بِالْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ فِي الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ إثْبَاتُ الْيَدِ وَالْحِيَازَةُ اكْتِفَاءً بِشُهْرَةِ الصَّادِرِ مِنْهُ ذَلِكَ وَرُشْدِهِ وَطَلَبُ الْحُكَّامِ الشُّهُودَ فِي النِّكَاحِ وَخُلُوَّ الزَّوْجَةِ مِنْ الْمَوَانِعِ زِيَادَةُ احْتِيَاطٍ لِلْأَبْضَاعِ قَالَ السُّبْكِيّ وَقَوْلُنَا أَيْ فِي التَّعْرِيفِ السَّابِقِ لِلْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ أَنَّ ذَلِكَ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ هُوَ مَحَطُّ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَمِنْ هُنَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ بِالْمُوجَبِ بِأَنَّهُ مَرَّ فِي تَعْرِيفِهِ أَنَّ الْقَضَاءَ بِالْإِلْزَامِ بِالْمُتَرَتِّبِ الْعَامِّ أَوْ الْخَاصِّ.

فَالْإِلْزَامُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْخُصُوصِ يَتَضَمَّنُ صِحَّتَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ الْخَاصِّ لَا مُطْلَقًا وَمِنْ ذَلِكَ يَظْهَرُ بَيْنَ الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَالْمُوجَبِ فُرُوقٌ أَحَدُهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ مُنْصَبٌّ إلَى نَفَاذِ ذَلِكَ الصَّادِرِ الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَالْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ يَخْتَصُّ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ بِهِ الثَّالِثُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ الشُّرُوطِ وَالْحُكْمَ بِالْمُوجَبِ إنَّمَا مُقْتَضَاهُ ثُبُوتُ صُدُورِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَالْحُكْمِ عَلَى الْمَصْدَرِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ وَلَا يَسْتَدْعِي ذَلِكَ ثُبُوتُ أَنَّهُ مَالِكٌ مَثَلًا وَلَا بَقِيَّةَ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْحُكْمِ بِالصِّحَّةِ وَبِهَذَا صَارَ خَالِصًا لِأَنَّ الْقَصْدَ حِينَئِذٍ الْحُكْمُ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ مَثَلًا بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ لَا إثْبَاتُ أَنَّهُ مَلَكَهُ إلَى حِينِ الْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ مَثَلًا وَهَذَا إذَا حَكَمَ الْقَاضِي عَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ بِمُوجَبِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَأَمَّا إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا وَقْفٌ أَوْ هَذَا مَبِيعٌ أَوْ هَذِهِ مَنْكُوحَةُ فُلَانٍ فَإِنَّ الْحَاكِمَ يَحْكُمُ بِمُوجَبِ شَهَادَتِهِمْ وَيَكُونُ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ فَلْيَعْرِفْ الْفَقِيهُ الْفَرْقَ بَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالصُّدُورِ أَوْ الْمَصْدَرِ أَوْ اسْمِ الْمَفْعُولِ وَلْيَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ بِالْمُوجَبِ مُسْتَوْفِيًا لِمَا يُعْتَبَرُ فِي الصِّحَّةِ كَانَ أَقْوَى لِوُجُودِ الْإِلْزَامِ فِيهِ وَتَضَمُّنِهِ الْحُكْمَ بِالصِّحَّةِ وَالْحُكْمَانِ كَمَا افْتَرَقَا فِي أُمُورٍ يَجْتَمِعَانِ فِي أُمُورٍ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ.

فَإِنْ صَحَّ الصَّادِرُ اتِّفَاقًا فِي مُوجَبِهِ لَمْ يَمْنَعْ الْحُكْمُ بِالصِّحَّةِ فِيهِ الْعَمَلَ بِمُوجَبِهِ عِنْد غَيْرِ الْحَاكِمِ بِهَا مِثَالُهُ التَّدْبِيرُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا وَمُوجَبُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ مَنْعُ الْبَيْعِ فَلَوْ حُكِمَ بِصِحَّتِهِ جَازَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمُوجَبِهِ عِنْدَهُ وَمِنْهُ جَوَازُ الْبَيْعِ أَيْ لِأَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حُكِمَ بِمُوجَبِهِ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْبَيْعِ يَمْتَنِعُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِلتَّعَارُضِ حِينَئِذٍ وَمِمَّا يَفْتَرِقَانِ فِيهِ أَنَّ كُلَّ دَعْوَى كَانَ الْمَطْلُوبُ فِيهَا إلْزَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَالْحُكْمُ فِيهَا حِينَئِذٍ بِالْإِلْزَامِ وَهُوَ الْمُوجَبُ لَا بِالصِّحَّةِ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ بِهِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ وَنَحْوِهِ وَمِنْ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى زَانٍ بِمُوجَبِ زِنَاهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ وَهَذَا ضَابِطٌ حَسَنٌ وَالْحُكْمُ بِالْحَبْسِ حُكْمٌ بِالْمُوجَبِ لَا بِالصِّحَّةِ إلَّا إنْ اُخْتُلِفَ فِيهِ وَطُلِبَ الْحُكْمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>