للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعَادَةُ نَزَلَ اللَّفْظُ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهَا وَإِنْ اضْطَرَبَتْ لَمْ تُعْتَبَرْ وَوَجَبَ الْبَيَانُ وَإِنْ تَعَارَضَتْ الظُّنُونُ فِي اعْتِبَارِهَا فَخِلَافٌ وَهَذَا الْأَصْلُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَقَالَ كُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اطِّرَادُ الْعَادَةِ فَهُوَ الْمُحَكِّمُ وَيَصِيرُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا.

وَكُلُّ مَا تَعَارَضَتْ الظُّنُونُ بَعْضَ التَّعَارُضِ فِي حُكْمِ الْعَادَةِ فِيهِ فَهُوَ مَثَارُ الْخِلَافِ اهـ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ يَنْزِلُ اللَّفْظُ فِي الْعُقُودِ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الْإِمَامِ كُلُّ مَا يَتَّضِحُ فِيهِ اعْتِبَارُهَا فَهُوَ الْحُكْمُ وَيَصِيرُ كَالْمَذْكُورِ صَرِيحًا تَجِدُ ذَلِكَ نَصًّا فِي مَسْأَلَتِنَا بِتَنْزِيلِ لَفْظِ السَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَلَى الْجُزْءِ مِنْهُ إذَا اُعْتِيدَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ الْخَامِسُ قَوْلُ الْقَفَّالِ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي نَاحِيَةٍ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ كَاعْتِيَادِ مَنَافِعِ الرَّهْنِ لِلْمُرْتَهِنِ فَهِيَ بِمَثَابَةِ شَرْطِ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ حَتَّى يَفْسُدَ الرَّهْنُ وَجَعَلَ الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ بِمَنْزِلَةِ الْعَادَةِ الْعَامَّةِ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يُسَاعِدُوهُ فِي هَذَيْنِ قُلْت الْجُمْهُورُ لَا يُخَالِفُونَهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ حَتَّى يَفْسُدَ الْعَقْدُ وَأَمَّا فِي أَصْلِ اعْتِبَارِ الْعَادَةِ الْخَاصَّةِ فَلَا يُخَالِفُونَهُ فِيهِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِاعْتِبَارِهَا فِي مَسَائِلَ مِنْهَا مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمُعَامَلَةَ لَوْ غَلَبَتْ فِي بَلَدٍ بِجِنْسٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ النُّقُودِ أَوْ الْعُرُوضِ انْصَرَفَ الثَّمَنُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فِي الْأَصَحِّ.

وَمِنْهَا أَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَة فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَبَلَدِهِ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ وَمِنْهَا فِي بَيْعِ الثَّمَرَةِ الَّتِي بَدَا صَلَاحُهَا يَجِبُ إبْقَاؤُهَا إلَى أَوَانِ الْقِطَافِ وَالتَّمَكُّنِ مِنْ السَّقْيِ بِمَائِهَا عَمَلًا بِالْعُرْفِ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ بِاللَّفْظِ وَقَوْلهمْ فِي أَلْفَاظِ الْأَيْمَانِ أَنَّهَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ فِي الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الرُّءُوسِ وَنَحْوهَا وَمِنْهَا اعْتِبَارُهُمْ غَالِبَ شِيَاهِ الْبَلَدِ فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَغَالِبِ قُوتِهَا فِي نَحْو زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَالِب إبِلِهَا فِي الدِّيَاتِ وَبَقِيَ مَسَائِلُ أُخْرَى كَثِيرَةٌ اعْتَبَرُوا فِيهَا الْعُرْفَ الْخَاصَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْفَقِيهِ اسْتِخْرَاجُهَا فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ نَزَّلُوهَا مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَةِ الثِّمَارِ السَّابِقَةِ وَفِيمَا لَوْ بَارَزَ كَافِرٌ مُسْلِمًا وَاعْتِيدَ أَمَانُ كُلٍّ مِنْ عَدُوِّهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِمَا ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ لَنَا إعَانَةُ الْمُسْلِمِ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا تَبَعًا لِلنَّصِّ وَلَمْ يُنْزِلُوهَا مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ السَّابِقَةِ أَيْضًا خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَلَا فِيمَا لَوْ جَرَتْ عَادَةُ قَوْمٍ بِقَطْعِ الْحِصْرِمِ قَبْلَ النُّضْجِ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ أَيْضًا فِي تَنْزِيلِهَا مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ حَتَّى يَصِحَّ بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَا فِي بَيْعِ الْعَيِّنَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مُؤَجَّلًا بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ نَقْدًا إذَا صَارَ ذَلِكَ عَادَةً خِلَافًا لِلْأُسْتَاذِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُمَا نَزَّلَاهَا مَنْزِلَتَهَا حَتَّى يَبْطُلَ الْعَقْدَانِ.

قُلْتُ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْأُمُورِ التَّوَابِعِ غَيْرُ الْمَقْصُودَةِ لِذَاتِهَا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّ وُجُوبَ الْإِبْقَاءِ إلَى الْجُذَاذِ أَمْرٌ تَابِعٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَمُتَرَتِّبٌ عَلَيْهَا فَأَثَّرَ فِيهِ الْعُرْفُ لِضَعْفِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْإِعَانَةَ وَعَدَمهَا مِنْ الْأُمُورِ التَّابِعَةِ لِلْمُبَارَزَةِ فَأَثَّرَ فِيهَا الْعُرْفُ لِضَعْفِهَا أَيْضًا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ وَبَيْعُ الْحِصْرِمِ وَالْعِينَة فَهِيَ مَقْصُودَةٌ لِذَاتِهَا فَلَمْ يَقْوَ الْعُرْفُ فِيهَا عَلَى أَنْ يُؤَثِّرَ بُطْلَانُ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ وَلِأَنَّ الصِّيغَةَ فِيهِمَا وَقَعَتْ صَحِيحَةً مُسْتَوْفِيَةً لِشُرُوطِهَا الظَّاهِرَةِ وَغَايَةُ الْعُرْفِ أَنْ يَجْعَلَ الشَّرْطَ مُضْمَرًا وَإِضْمَارُ الْمُفْسِدِ لَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَلَا صِحَّةَ الثَّانِيَة لِأَنَّ الْحِصْرِمَ غَيْرُ قَابِلٍ لِإِيرَادِ الْبَيْعِ عَلَيْهِ إلَّا مَعَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَهَذَا الشَّرْطُ مُعْتَدٌّ بِلَفْظِهِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ أَثَرُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِهِ وَمَا بِلَفْظِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ عُرْفُ وَلَا غَيْرُهُ فَتَفَطَّنْ لِهَذَا الْفَرْقِ.

فَإِنَّهُ يُزِيلُ عَنْك فِي هَذِهِ الْقَاعِدَة مِنْ الْعَمَايَاتِ مَا لَا يَهْتَدِي لِشَيْءٍ مِنْهُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ السَّادِسُ قَوْلُ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا ثُمَّ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ إنَّمَا تُؤَثِّرُ فِي الْمُعَامَلَاتِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَرَغْبَةِ النَّاسِ فِيمَا يُرَوَّجُ فِيهَا غَالِبًا وَلَا تُؤَثِّرُ فِي التَّعْلِيقِ وَالْإِقْرَارِ بَلْ يَبْقَى اللَّفْظُ عَلَى عُمُومِهِ أَمَّا فِي التَّعْلِيقِ فَلِقِلَّةِ وُقُوعه وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَلِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ وُجُوبِ حَقٍّ سَابِقٍ وَرُبَّمَا يُقَدَّمُ الْوُجُوب عَلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ اهـ وَكَالْإِقْرَارِ فِي ذَلِكَ الدَّعْوَى فَلَا تَنْزِلُ الدَّعْوَى بِالدَّرَاهِمِ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِمَا مَرَّ فَقَالُوا إنَّهَا إخْبَارٌ عَمَّا تَقَدَّمَ فَلَا يُقَيَّدُ بِهَا الْعُرْفُ الْمُتَأَخِّرُ بِخِلَافِ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ بَاشَرَهُ فِي الْحَالِ فَقَيَّدَهُ الْعُرْفُ.

وَهَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>