للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دُخُولِ الْوَقْتِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَتْ الْحُرْمَةُ وَلَا الْكَرَاهَةُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَكَانَتَا مُنَافِيَتَيْنِ لِصِحَّةِ النَّذْرِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْهِبَةِ بِأَنَّ الْهِبَةَ تَصِحُّ بِمَا لَا قُرْبَةَ فِيهِ بِخِلَافِ النَّذْرِ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَخْصٍ قَالَ نَذَرْت هَذِهِ الْعَيْنَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِلشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ مَثَلًا نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ فَهَلْ تُصْرَفُ قِيمَتُهَا فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَوْ لِأَوْلَادِ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا إذَا قُلْتُمْ إنَّ أَوْلَادَ ابْنَتِهِ أَوْلَادُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَيَسْتَوْعِبُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ.

وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَمَلِكُمْ الْكَرِيمِ أَوْ يَسْتَوْعِبُ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ بِبَلَدِ النَّاذِرِ إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا يَدْفَعُ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةً وَإِذَا كَانَ النَّذْرُ لِلشَّيْخِ الْمَذْكُورِ فَيُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ تُرْبَتِهِ أَوْ لِأَوْلَادِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرَ يُسْتَوْعَبُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ نَذْرُ شَيْءٍ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ لِغَيْرِهِ كَالشَّيْخِ الْمَذْكُورِ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ يُحْمَلُ حَيْثُ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُ النَّاذِرِ عَلَى مَا اطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ النَّذْرِ فَإِنْ اطَّرَدَ بِصَرْفِهِ لِمَصَالِحِ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ أَوْ لِمَصَالِحِ مَسْجِدِهِ أَوْ لِأَهْلِ بَلَدِهِ عَمِلَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ فِي هَذَا النَّذْرِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي النَّذْرِ لِلْقَبْرِ أَوْ لِلْفَقِيرِ الْمَشْهُورِ بِجُرْجَانَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُرْفٌ أَوْ كَانَ وَجَهِلَهُ النَّاذِرُ فَلِلزَّرْكَشِيِّ فِيهِ تَرَدُّدٌ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ الْبُطْلَانُ فَإِنْ عُرِفَ قَصْدُهُ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّهُ يَأْتِي فِيهِ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ فِي النَّذْرِ لِلْمَشَاهِدِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى قَبْرِ وَلِيٍّ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أَنَّ النَّاذِرَ إنْ قَصَدَ تَعْظِيمَ الْبُقْعَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ التَّقَرُّبَ إلَى مَنْ دُفِنَ فِيهَا أَوْ مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَهُوَ الْغَالِبُ مِنْ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِهَذِهِ الْأَمَاكِنِ خُصُوصِيَّاتٍ لِأَنْفُسِهِمْ وَيَرَوْنَ أَنَّ النَّذْرَ لَهَا مِمَّا يَنْدَفِعُ بِهِ الْبَلَاءُ فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ فِي صُورَةٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِخِلَافِ مَا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّصَدُّقَ عَلَى مَنْ يَسْكُنُ تِلْكَ الْبُقْعَةَ أَوْ مَنْ يَرِدُ إلَيْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا نَوْعُ قُرْبَةٍ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ أَوْلَادَ الْمَنْذُورِ لَهُ وَأَوْلَادَهُمْ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي النَّذْرِ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ وَرَثَةً لَهُ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ الْعُرْفِ بِأَنَّ الْمَنْذُورَ لِأَبِيهِمْ يُصْرَفُ لَهُمْ عَمَلٌ بِهِ فِيهِمْ وَصُرِفَ لَهُمْ لَا مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُمْ ذُرِّيَّتَهُ بَلْ لِلْعُرْفِ إذْ لَوْ اطَّرَدَ بِالصَّرْفِ لِأَجَانِبَ مَخْصُوصِينَ صُرِفَ إلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا نَذَرَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي بِمِثْلِ ثَمَرَةِ الشَّجَرَةِ الْمَبِيعَةِ أَوْ بِمِثْلِ أُجْرَةِ الْأَرْضِ الْمَبِيعَةِ إلَّا خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَهَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ لِأَنَّ نَذْرَ اللَّجَاجِ هُوَ الْمُعَلَّقُ بِأَمْرٍ مَرْغُوبٍ عَنْهُ لَا فِيهِ أَوْ هُوَ نَذْرٌ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا فِيهِ تَعْلِيقٌ وَهَلْ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ النَّاذِرِ قَصْدِي كَذَا مُطْلَقًا أَوْ مَا لَمْ يَقْضِ الشَّرْعُ بِكِفَايَتِهِ وَعَمَّا لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ دَيْنٌ مَعْلُومٌ عَلَى آخَرَ فَطَالَبَ رَبُّ الدَّيْنِ الْمَدِينَ بِدَيْنِهِ فَقَالَ الْمَدِينُ مَا عِنْدِي فِي هَذَا الْوَقْتِ شَيْءٌ فَقَالَ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْذِرْ لِي بِثَلَاثَةِ آصُعٍ طَعَامٍ فِي ذِمَّتِك إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ وَلَمْ تُوَفِّنِي دَيْنِي فَنَذَرَ لَهُ بِذَلِكَ كَذَلِكَ هَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ أَوْ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ.

فَإِنْ قُلْتُمْ لَجَاجٌ فَلَوْ قَالَ لَهُ قُلْ إذَا خَرَجَ الشَّهْرُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ أُوَفِّك دَيْنَك وَدَعَوْت لِي بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِمَا تَيَسَّرَ فَلَكَ كَذَا فَقَالَ ذَلِكَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ وَيَخْرُجُ بِهَذَا عَنْ نَذْرِ اللَّجَاجِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ الْمُسْلِمِينَ بِقَوْلِهِ الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ أَنَّ النَّذْرَ فِي الصُّورَةِ الْأَوْلَى لَغْوٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ هَذَا مُبَاحٌ وَهُوَ لَا يَلْزَمُ بِالنَّذْرِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ مُتَضَمِّنًا لِنَحْوِ الصَّدَقَةِ وَذَلِكَ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْخَاصِّ أَعْنِي تَعْلِيقَهُ.

وَجَعْلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ قُرْبَةً وَلَا مُحَرَّمًا فَكَانَ مُبَاحًا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ نَذْرُ لَجَاجٍ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ إلَّا تَرْوِيجَ سِلْعَتِهِ فَمَنْ جَعَلُوهُ لَغْوًا نَظَرُوا لِمَعَانِي الْعُقُودِ دُونَ صِيغَتِهَا وَهِيَ قَاعِدَةٌ شَهِيرَةٌ تَارَةً يُغَلِّبُونَ فِيهَا النَّظَرَ إلَى الصِّيَغِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً يُغَلِّبُونَ فِيهَا النَّظَرَ إلَى الْمَعْنَى إذَا قَوِيَ بِعَاضِدٍ كَمُوَافَقَةِ الْغَالِبِ هُنَا فَإِفْتَاءُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ ذَلِكَ نَذْرُ لَجَاجٍ لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ الِاعْتِرَاضِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ بَانَ الْجَوَابُ

<<  <  ج: ص:  >  >>