للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْهُ وَأَمَّا النَّذْرُ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَغْوٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى حَرَامٍ أَوْ مُبَاحٍ وَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ خَرَجَ الشَّهْرُ وَلَمْ أُوَفِّك دَيْنَك فَعَلَيَّ كَذَا كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى خُرُوجِ الشَّهْرِ وَعَدَمِ وَفَاءِ الدَّيْنِ وَعَدَمِ وَفَائِهِ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ يُوَفِّي مِنْهُ حَرَامٌ لِأَنَّ أَدَاءَ الدَّيْنِ وَاجِبٌ عَلَى الْمُوسِرِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَمَعَ عَدَمِ ذَلِكَ مُبَاحٌ وَضَمُّهُ إلَى ذَلِكَ الدُّعَاءِ لَا يَقْلِبُهُ صَحِيحًا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى شَيْئَيْنِ أَحَدِهِمَا بَاطِلٌ فَبَطَلَ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ فِيمَا يَصِحُّ وَيَبْطُلُ فِيمَا يَبْطُلُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ الْوَاحِدَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا صُورَتُهُ وَصَلَ مَا تَفَضَّلَ بِهِ سَيِّدِي فَجَزَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا وَعَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَالْقَائِلُ بِأَنَّ ذَلِكَ نَذْرُ لَجَاجٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى هُوَ الْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَاجِّ فَضْلٍ صَاحِبُ الْمُخْتَصَرِ الَّذِي شَرَحْتُمُوهُ وَوَجْهُ مَا ذَكَرْتُمُوهُ ظَاهِرٌ وَمَا وَجْهُ الْقَائِلِ بِأَنَّ ذَلِكَ تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَكَابِرِ فُقَهَاءِ الْجِهَةِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَعْلِيقٌ بِصِفَةٍ وَمَا ذَكَرَهُ سَيِّدِي فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَاضِحٌ فَجَزَاكُمْ اللَّهُ تَعَالَى خَيْرًا لَكِنْ هَلْ لِلدَّائِنِ سَبِيلٌ عَلَى حَثِّ الْمَدِينِ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ بِصُورَةِ نَذْرٍ يَلْتَزِمُهَا الْمَدِينُ بِغَيْرِ صُورَةِ لَجَاجٍ وَيَلْزَمُهُ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى زَمَنٍ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ يَقُولَ الْمَدِينُ لِلدَّائِنِ إذَا جَاءَ الزَّمَنُ الْفُلَانِيُّ فَلِلَّهِ عَلَيَّ لَك كَذَا فَتَعَلَّقَ بِمُضِيِّ الزَّمَنِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) فِي عَادَةٍ اطَّرَدَتْ عِنْدَ قُضَاةِ الْحِجَازِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ الْمُشْتَرِيَ إذَا خَافَ مِنْ إظْهَارِ فِتْنَةٍ أَوْ مُنَازِعٍ آخَرَ يَقُولُونَ لِلْبَائِعِ قُلْ نَذَرْت إلَّا قَامَ قَائِمٌ شَرْعِيٌّ عَلَى الْمُشْتَرِي بِنَذْرٍ لَهُ بِنَظِيرِ مَا يُقَامُ بِهِ عَلَيْهِ وَمَقْصُودُهُمْ إذَا أَخَذْت مِنْهُ الْأَرْضَ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا أُخِذَ مِنْهُ مِنْ الْأَرْضِ وَيَحْكُمُ بِذَلِكَ النَّذْرِ حَاكِمُ الْبَيْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْحُكْمِ هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ النَّذْرُ أَمْ لَا؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ الْمَذْكُورُ بَاطِلٌ فَلَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي رَجُلٍ نَذَرَ سُكْنَى الْمَدِينَةِ فَهَلْ يَكُونُ نَذْرُهُ قُرْبَةً فَتَلْزَمُهُ وَإِذَا قُلْتُمْ بِاللُّزُومِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ سُكْنَى مَكَّةَ قِيَاسًا عَلَى الِاعْتِكَافِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْقِيَاسِ فَمَا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِهِ فَمَا الْفَرْقُ أَوْ يَكُونُ قِيَاسُ نَذْرِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ كَقِيَاسِ نَذْرِ الْمَشْيِ إلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ يَلْزَمُ مَعَ كَوْنِ الرُّكُوبِ أَفْضَلَ وَمَا الْقِيَاسُ فِيهِ

وَالْفَرْقُ وَهَلْ الْأَفْضَلُ فِي سُكْنَى الْمَدِينَةِ، أَوْ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِهَا إتْمَامُ مَا الْتَزَمَهُ أَوْ تَكُونُ مَكَّةُ مُجْزِئَةٌ مَعَ الْأَفْضَلِيَّةِ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ سُكْنَى الْمَدِينَةِ سُنَّةٌ إنْ أَمِنَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْذُورٍ وَحِينَئِذٍ فَيَصِحُّ نَذْرُهَا كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ وَأَفْهَمَ كَلَامُهُمْ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا سُكْنَى مَكَّةَ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْمَشْيَ لَا يَجُوزُ الرُّكُوبُ وَكَمَا لَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِالدَّرَاهِمِ لَا يَجُوزُ بِالذَّهَبِ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِيهِ مَشَقَّةٌ مَقْصُودَةٌ لِلشَّارِعِ لَا تُوجَدُ فِي الرُّكُوبِ.

وَكَذَا الدِّرْهَمُ فِيهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي الذَّهَبِ مَعَ مُخَالَفَةِ الْجِنْسِ وَكَذَلِكَ سُكْنَى الْمَدِينَةِ فِيهَا مِنْ الْمَشَقَّةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُوجَدُ فِي مَكَّةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ نَذَرَ جِهَادًا وَعَيَّنَ لَهُ جِهَةً فِي نَذْرِهِ أَجُزْأَهُ غَيْرُهَا إنْ سَاوَتْهَا مَسَافَةً وَمُؤْنَةً وَإِلَّا فَلَا فَأَفْهَمَ ذَلِكَ أَنَّ سُكْنَى مَكَّةَ لَا يُجْزِئُ عَنْ سُكْنَى الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ مُسْتَوِيَيْنِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ السُّكْنَى وَالِاعْتِكَافِ بِأَنَّهُ مَنُوطٌ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ ذَاتُهُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْغَرَضُ بِاخْتِلَافِ ذَوَاتِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا هِيَ فَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمَا إنَّمَا جَاءَ فِي أَمْرٍ تَابِعٍ هُوَ مُجَرَّدُ الْفَضِيلَةِ فَأَجْزَأَ الْفَاضِلُ عَنْ الْمَفْضُولِ وَلَا عَكْسَ وَأَمَّا الْمَشَقَّةُ وَنَحْوُهَا فَالثَّلَاثَةُ مُسْتَوِيَةٌ فِيهَا بِخِلَافِ السُّكْنَى كَمَا مَرَّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ نَفْسَ الِاعْتِكَافِ لَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ إلَّا فِي الْأَفْضَلِيَّةِ فَحَسْبُ وَالسُّكْنَى مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ الْمَحَالِّ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَمَتَى وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي غَيْرِ الْأَفْضَلِيَّةِ لَمْ يُجْزِ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ وَحَيْثُ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ شَيْئًا فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ غَيْرَهُ الْأَفْضَلُ يُجْزِئُ عَنْهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي حَقِيقَةِ نَذْرِ التَّبَرُّرِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>