للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نَذْرِ اللَّجَاجِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْوَارِ مَا مَعْنَاهُ أَنَّ نَذْرَ التَّبَرُّرِ تَعْلِيقُ قُرْبَةٍ عَلَى حُصُولِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ فَهَلْ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ الْحَثُّ وَالْمَنْعُ لَجَاجٌ وَالْبَاقِي تَبَرُّرٌ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ إنْ سَقَطَ هَذَا الْجِدَارُ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا وَكَذَا أَوْ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْك يَا فُلَانُ هَذَا الْمَالَ بِدَعْوَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ مِنْ أَحَدٍ فَنَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَيْك بِكَذَا فَهَلْ هَذَا نَذْرُ لَجَاجٍ أَوْ تَبَرُّرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَظَاهِرُ أَنَّهُ لَجَاجٌ فَبَيِّنُوا لَنَا حَقِيقَةَ ذَلِكَ جَزَاكُمْ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَيْرًا.

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ النَّذْرُ إمَّا تَبَرُّرٌ أَوْ لَجَاجٌ وَالتَّبَرُّرُ إمَّا مُجَازَاةٌ أَوْ مُلْتَزَمٌ ابْتِدَاءً فَالْمُجَازَاةُ هُوَ تَعْلِيقُ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ فِي مُقَابَلَةِ حُدُوثِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ كَمَا لَوْ قَالُوهُ أَوْ كُلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهِ وَأَنْ يَسْأَلَهُ إيَّاهُ كَمَا قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَطَرَدَهُ الْقَاضِي فِي كُلِّ مُبَاحٍ قَالَ فِي الْكِفَايَةِ وَهُوَ أَفْقَهُ وَأَوْضَحُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ الْتِزَامِ الْقُرْبَةِ فِي مُقَابَلَةِ مَا يَرْغَبُ فِيهِ.

سَوَاءٌ أَكَانَ حُصُولُهُ عَلَى نُدُورٍ أَمْ لَا وَغَيْرُ الْمُجَازَاةِ كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ مَثَلًا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَسْمَيْنِ الْإِضَافَةَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خِلَافًا لِلْقَاضِي وَأَمَّا نَذْرُ اللَّجَاجِ فَهُوَ تَعْلِيقُ الْقُرْبَةِ بِمَا يَرْغَبُ عَنْهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ هُوَ أَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ مِنْ شَيْءٍ أَوْ يَحُثَّهَا عَلَيْهِ بِتَعْلِيقِ الْتِزَامِ قُرْبَةٍ وَقَدْ يَكُونُ لِتَحْقِيقِ خَبَرٍ أَيْضًا كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَمَا قُلْت فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا ثُمَّ الصِّيغَةُ إنْ كَانَتْ نَصًّا فِي التَّبَرُّرِ أَوْ اللَّجَاجِ فَظَاهِرٌ وَلَا يَحْتَاجُ هُنَا إلَى قَصْدٍ.

وَإِنْ احْتَمَلَتْهُمَا اُشْتُرِطَ قَصْدُ النَّاذِرِ فَإِنْ قَصَدَ شَيْئًا عَمِلَ بِهِ فَإِذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَمَالِي صَدَقَةٌ كَانَ نَذْرَ لَجَاجٍ لِأَنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْهُ فَكَانَ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي فَإِمَّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِكُلِّهِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلِتَبَادُرِ اللَّجَاجِ مِنْ هَذِهِ الصِّيغَةِ لَمْ يَحْتَجْ لِقَصْدِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُهُمْ بِخِلَافِ التَّبَرُّرِ فَإِنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ وَإِنْ احْتَمَلَتْهُ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادَرٍ مِنْهَا فَاحْتِيجَ إلَى قَصْدِهِ فَإِذَا أَرَادَ بِهَا إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دُخُولَ الدَّارِ بِأَنْ رَغِبَ دُخُولَهَا كَانَتْ نَذْرَ تَبَرُّرٍ وَكَذَا يُقَالُ فِي إنْ سَقَطَ هَذَا الْجِدَارُ فَعَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَهُوَ نَذْرُ لَجَاجٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ إنْ رَزَقَنِي اللَّهُ تَعَالَى سُقُوطَهُ بِأَنْ يَكُونَ سُقُوطُهُ مَرْغُوبًا فِيهِ فَيَكُونُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَرْغُوبَ فِيهِ تَبَرُّرٌ وَالْمَرْغُوبُ عَنْهُ لَجَاجٌ وَضَبَطَ ذَلِكَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْفِعْلَ إمَّا طَاعَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ أَوْ مُبَاحٌ وَالِالْتِزَامُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْإِثْبَاتِ وَتَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالنَّفْيِ فَالْإِثْبَاتُ فِي الطَّاعَةِ كَأَنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا يُحْتَمَلُ التَّبَرُّرَ يُرِيدُ إنْ وَفَّقَنِي اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِصَلَاةٍ فَعَلَيَّ كَذَا وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ صَلِّ فَيَقُولُ لَا أُصَلِّي.

وَإِنْ صَلَّيْت فَعَلَيَّ كَذَا وَالنَّفْيُ فِي الطَّاعَةِ كَأَنْ يُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ فَيَقُولُ إنْ لَمْ أُصَلِّ فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللَّجَاجِ إذْ لَا بِرَّ فِي تَرْكِ الطَّاعَةِ وَالْإِثْبَاتِ فِي تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ كَأَنْ يُؤْمَرُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ فَيَقُولُ إنْ شَرِبْتُهَا فَعَلَيَّ كَذَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ اللَّجَاجِ أَيْضًا لِمَا تَقَرَّرَ وَالنَّفْيُ فِيهَا كَأَنْ لَمْ أَشْرَبْهَا فَعَلَيَّ كَذَا يَحْتَمِلُهَا التَّبَرُّرُ بِأَنْ يُرِيدَ إنْ عَصَمَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ شُرْبِهَا وَاللَّجَاجُ بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ شُرْبِهَا فَيَقُولُ إنْ لَمْ أَشْرَبْهَا وَالْمُبَاحُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَحْتَمِلُهَا فَالتَّبَرُّرُ فِي النَّفْيِ كَأَنْ لَمْ آكُلْ كَذَا فَعَلَيَّ كَذَا بِقَصْدِ إنْ أَعَانَنِي اللَّهُ عَلَى كَسْرِ شَهْوَتِي فَتَرَكْته فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ كَإِنْ أَكَلْت كَذَا بِقَصْدِ إنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِي وَلِلَّجَاجِ فِي النَّفْيِ كَقَوْلِهِ وَقَدْ مُنِعَ مِنْ أَكْلِ الْخُبْزِ إنْ لَمْ آكُلْهُ فَعَلَيَّ كَذَا وَفِي الْإِثْبَاتِ وَقَدْ أُمِرَ بِأَكْلِهِ إنْ أَكَلْته فَعَلَيَّ كَذَا.

وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْك يَا فُلَانُ هَذَا الْمَالُ إلَخْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ تَبَرُّرًا بِأَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَأَرَادَ إثْبَاتَهُ لَهَا لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِمَرْغُوبٍ فِيهِ حِينَئِذٍ وَأَنْ يَكُونَ لَجَاجًا بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ ضَرَرُ النَّاذِرِ مَثَلًا لِكَوْنِهِ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ فَيَكُونُ طَرِيقًا فِي الضَّمَانِ مَثَلًا لِكَوْنِهِ مَرْغُوبًا عَنْهُ حِينَئِذٍ وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ نَقْلًا عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّهُ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَهَبَك أَلْفًا كَانَ لَغْوًا اعْتَرَضَهُ كَثِيرُونَ بِأَنَّ الْوَجْهَ انْعِقَادُ النَّذْرِ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَجَاجٌ.

وَأَجَبْت عَنْهُ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ غَالِبًا بَلْ دَائِمًا إلَّا تَرْوِيجَ سِلْعَتِهِ فَمِنْ ثَمَّ جَعَلُوهُ لَغْوًا نَظَرًا لِمَعَانِي الْعُقُودِ دُونَ صِيَغِهَا وَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِلصِّيَغِ أَكْثَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>