للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَوْلُ السَّائِلِ فِي إنْ دَخَلَ أَوْ لَمْ يَدْخُلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَجَاجٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ التَّبَرُّرَ وَاللَّجَاجُ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ إنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلدُّخُولِ أَنَّهُ كَأَكْلِ الْخُبْزِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِيهِ نَذْرُ اللَّجَاجِ وَالتَّبَرُّرُ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالدُّخُولِ بَلْ أَجْرَوْهُ فِي كُلِّ مُبَاحٍ وَمِنْهُ الدُّخُولُ فَكَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الدُّخُولَ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا يَحْتَمِلُ النَّذْرَيْنِ بِالْمَعَانِي الَّتِي قَرَّرْنَاهَا فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَالُ فَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَجَاجٌ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَصِحُّ النَّذْرُ عَلَى بَعْضِ أَوْلَادِهِ دُونَ بَعْضٍ وَإِذَا أَرَادَ النَّذْرَ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَنَذْرٌ عَلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّانِي إلَى آخِرِهِمْ مَا حُكْمُهُمْ بَيِّنُوا ذَلِكَ؟

(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي النَّذْرِ عَلَى بَعْضِ الْأَوْلَادِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كَالْفَتَى وَتِلْمِيذِهِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ وَالْجَمَالِ بْنِ حُسَيْنٍ الْقَمَّاطِ وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ الْبَدْرِ بْنِ شُهْبَةَ أَنَّهُ بَاطِلٌ لِأَنَّ شَرْطَ النَّذْرِ الْقُرْبَةُ وَلَا قُرْبَةَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي تَنْقِيحِ الْوَسِيطِ وَقَوْلِ الْوَسِيطِ كَانَ تَارِكًا لِلْأَحَبِّ عِبَارَةٌ نَاقِصَةٌ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنَّ الْحَدِيثَ مُصَرِّحٌ بِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِ بَلْ صَرَّحَ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِعَدَمِ جَوَازِهِ وَأَطْنَبَ فِيهِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّ «أَبَا النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحَلَهُ شَيْئًا دُونَ إخْوَتِهِ فَطَلَب مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ فَلَا تُشْهِدْنِي إذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» وَالْحُرْمَةُ مَذْهَبٌ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بِالْكَرَاهَةِ فَقَطْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي» وَلَوْ كَانَ مُحَرَّمًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي إشْهَادِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ وَالْجَوْرُ الْمَيْلُ وَالْمَكْرُوهُ مَائِلٌ عَنْ سَنَنِ الِاسْتِقَامَةِ فَلَا دَلِيلَ لِلْحَدِيثِ فِي الْحُرْمَةِ وَقَالَ آخَرُونَ يَصِحُّ النَّذْرُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ يُوسُفُ الْمُقْرِي وَالْفَقِيهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بَامَخْرَمَةَ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ لِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ النَّذْرِ أَنَّ مُرَادَهُمْ وَبِقَوْلِهِمْ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ الْمَكْرُوهُ لِذَاتِهِ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهِ لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِهِ بِأَنْ تَكُونَ ذَاتُهُ قُرْبَةً وَإِنَّمَا اقْتَرَنَ بِهَا أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهَا صَيَّرَهُ مَكْرُوهًا فَهَذَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا صَوْمُ الدَّهْرِ فَقَدْ أَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ انْعِقَادَ نَذْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ الصَّوْمِ كَرَاهَتُهُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ

وَأَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ نَذْرِهِ وَلُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ عَلَى تَوَقُّفٍ فِيهِ وَعِبَارَتُهُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ الدَّهْرِ انْعَقَدَ نَذْرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي آخِرِ الصِّيَامِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِكَرَاهَتِهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ فِي صِحَّتِهِ لِأَنَّ النَّذْرَ تَقَرُّبٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُهُ. اهـ. فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَالْمَذْهَبُ انْعِقَادُهُ بَعْدَ ذِكْرِهِ التَّوَقُّفَ وَعَلَيْهِ فَقَدْ أَجَابَ الْمُحَقِّقُ الشَّمْسُ الْجَوْجَرِيُّ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ عَنْ ذَلِكَ بِكَلَامٍ حَسَنٍ فَقَالَ فَإِنْ قُلْت فَهَلْ لِلتَّوْفِيقِ بَيْنَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ وَالشَّرْحِ هُنَا مِنْ إطْلَاقِ الِانْعِقَادِ وَبَيْنَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ الْكَرَاهَةِ إمَّا مُطْلَقًا أَوْ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي نُقِلَ وُجِّهَ أَمْ لَا قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا لِأَجْلِ أَنَّ الصَّوْمَ فِي نَفْسِهِ قُرْبَةٌ وَطَاعَةٌ فَصَحَّ الْتِزَامُهُ بِالنَّذْرِ وَوَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ الْكَرَاهَةِ لَيْسَ رَاجِعًا إلَى الصَّوْمِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا يُعْرَضُ لَهُ مِنْ خَوْفِ الضَّرَرِ وَالْفَوْتِ فَالْمَكْرُوهُ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ التَّفْوِيتُ وَالتَّعَرُّضُ لِلضَّرَرِ لَا نَفْسَ الصَّوْمِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الْبَغَوِيَّ صَرَّحَ بِالْكَرَاهَةِ وَبِانْعِقَادِ النَّذْرِ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ الْمُطْلَقِ أَنَّ كَلَامَ التَّنْبِيهِ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ إلَّا فِي قُرْبَةٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَمِثْلُ عِبَارَةِ التَّنْبِيهِ فِي ذَلِكَ عِبَارَةُ الْحَاوِي النَّذْرُ الْتِزَامُ قُرْبَةٍ فَلَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ ذَلِكَ بِالتَّنْبِيهِ. اهـ. فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي صِحَّةِ النَّذْرِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ أَعْطَى بَعْضَ الْأَوْلَادِ صَدَقَةً وَهِيَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا قُرْبَةٌ وَإِنَّمَا كُرِهَتْ فِي هَذَا الْفَرْدِ الْخَاصِّ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ التَّخْصِيصِ الْمُؤَدِّي إلَى الْعُقُوقِ فَحِينَئِذٍ الصَّدَقَةُ وَالصَّوْمُ قُرْبَتَانِ فِي ذَاتِهِمَا وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُمَا مَا يُصَيِّرهُمَا مَكْرُوهَيْنِ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُمَا فَإِذَا قَالُوا بِانْعِقَادِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>