قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ فَلْيَقُولُوا بِانْعِقَادِ النَّذْرِ فِي صُورَتِنَا وَلَا نَظَرَ إلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا عَلِمْت وَبِمَا تَقَرَّرَ يَنْدَفِعُ مِيلُ الْأَذْرَعِيِّ الْآخِذُ بِقَضِيَّةِ تَوَقُّفِ الرَّافِعِيِّ وَتَعَجُّبُهُ مِنْ جَمْعِ الْبَغَوِيِّ بَيْنَ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ وَانْعِقَادِ النَّذْرِ وَإِنْ تَبِعَهُ غَيْرُهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَطَالُوا فِيهِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي شَرْح الْعُبَابِ
وَبَيَّنْت رَدَّ مَا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ وَغَيْرِهِ هُنَا مِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ ثُمَّ هُوَ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ مِمَّا سَبَقَ تَصْرِيحُهُمْ بِانْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَمِنْ الرَّقِيقِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى حُرْمَةِ الصَّوْمِ عَلَيْهِمَا بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَيْسَتْ لِذَاتِ الصَّوْمِ لِمَا عُرِضَ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ فَإِذَا كَانَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ لِلْعِبَادَةِ غَيْرَ مَانِعَةٍ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِهَا فَأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْكَرَاهَةُ الْعَارِضَةُ لَهَا غَيْرُ مَانِعَةٍ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِهَا فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ انْعِقَادِ نَذْرِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ وَأَصْرَحُ مِمَّا قُلْنَاهُ فِي انْعِقَادِ صَوْمِ الدَّهْرِ مَعَ كَرَاهَتِهِ تَصْرِيحُ الشَّيْخَيْنِ بِصِحَّةِ نَذْرِ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ فَإِنَّهُمَا وَغَيْرَهُمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ نَسِيَ الْيَوْمَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْأُسْبُوعِ صَامَ الْجُمُعَةَ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ آخِرُ الْأُسْبُوعِ فَإِنْ كَانَ الْيَوْمُ الْمُعَيَّنُ غَيْرَهُ فَهُوَ قَضَاءٌ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُعَيَّنُ فَهُوَ أَدَاءٌ فَقَوْلُهُمْ فَهُوَ أَدَاءٌ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ نَذْرِهِ وَإِذَا صَحَّ نَذْرُهُ مَعَ كَرَاهَتِهِ لِأَنَّهَا لِمَعْنًى خَارِجٍ عَنْ ذَاتِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْإِضْعَافُ عَمَّا فِيهِ مِنْ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ إعْطَاءُ بَعْضِ الْأَوْلَادِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَإِذَا تَأَمَّلْت مَا ذَكَرْته مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا ظَهَرَ لَك أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الْأَذْرَعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ النِّزَاعِ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الدَّهْرِ إذَا قُلْنَا بِكَرَاهَتِهِ غَفْلَةً عَنْ كَلَامِهِمْ هَذَا أَعْنِي الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ صَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ كَرَاهَتِهِ وَكَذَلِكَ ظَهَرَ لَك أَيْضًا أَنَّ مَنْ قَالَ فِي نَذْرِ إعْطَاءِ بَعْضِ الْأَوْلَادِ بِالْبُطْلَانِ غَفَلَ عَمَّا قَالُوهُ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ وَصَوْمِ الْجُمُعَةِ وَنَظَرَ إلَى مُجَرَّدِ قَوْلِهِمْ لَا يَصِحُّ نَذْرُ الْمَكْرُوهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَرَّ بِغَيْرِهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَنْذُورِ إعْطَاؤُهُ مِنْ الْأَوْلَادِ صِفَةً تَقْتَضِي تَمَيُّزَهُ كَفَقْرٍ وَصَلَاحٍ وَاشْتِغَالٍ بِعِلْمٍ وَإِلَّا انْعَقَدَ نَذْرُ إعْطَائِهِ اتِّفَاقًا إذْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ حِينَئِذٍ وَعَلَى مَا رَجَّحْتُهُ فَلَا فَرْقَ إذَا أَرَادَ النَّذْرَ لِجَمِيعِهِمْ بَيْنَ أَنْ يُنْذِرَ لِلْكُلِّ مَعًا أَوْ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّا لَوْ تَوَاطَآ عَلَى أَنَّهُ إلَّا أَقَرَضَهُ مَالًا مَعْلُومًا نَذَرَ عَلَيْهِ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِقْرَاضِ بِمَالٍ مَعْلُومِ الْقَدْرِ فِي ذِمَّتِهِ فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ مُدَّةَ بَقَاءِ الدَّيْنِ ثُمَّ حَقَّقَا ذَلِكَ هَلْ هَذَا النَّذْرُ صَحِيحٌ أَمْ لَا فَقَدْ رَأَيْت جَوَابًا لِبَعْضِ عُلَمَاءِ زَبِيدٍ بِبُطْلَانِهِ وَلِآخَرَ بِصِحَّتِهِ وَأَطَالَ فِيهِ الْكَلَامَ وَشَرَطَ فِيهِ شُرُوطًا كَوْنَ الدَّيْنِ حَالًّا وَعَجَزَ الْمَدِينُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْ طُولِبَ بِهِ لَأَدَّى إلَى فَقْرِهِ وَمَسْكَنَتِهِ أَوْ إخْرَاجِهِ مِنْ دَارِهِ أَوْ أَخَذَ ضَيْعَتَهُ الَّتِي مُؤْنَتُهُ مِنْهَا وَأَنْ يُقَيِّدَ النَّذْرَ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يُوسِرَ وَبَسَطَ فِيهِ كَثِيرًا.
فَمَا التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ الَّذِي لَا يَعْتَمِدُ فِي الْفُتْيَا عَلَى غَيْرِهِ؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ إذَا تُوَاطَآ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ مَالًا وَيَنْذِرُ كُلَّ سَنَةٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَأَقْرَضَهُ ثُمَّ نَذَرَ الْمُقْتَرِضُ لِمُقْرِضِهِ بِدِينَارٍ مَثَلًا كُلَّ سَنَةٍ مَا دَامَ هَذَا الْمَالُ فِي ذِمَّتِهِ فَاَلَّذِي يَتَّجِهُ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِهَذَا النَّذْرِ عَلَى قَصْدِ الْوَفَاءِ بِمَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْمُوَاطَأَةَ الْمَذْكُورَةَ مَكْرُوهَةٌ فَالْوَفَاءُ بِهَا مَكْرُوهٌ وَالْمَكْرُوهُ لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ تِلْكَ الْمُوَاطَأَةِ قَوْلُهُمْ لَوْ تَوَاطَأَ الْعَاقِدَانِ عَلَى نَحْوِ الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ ثُمَّ عَقَدَا بِذَلِكَ الْقَصْدِ بِلَا شَرْطٍ كُرِهَ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَبْطَلَهُ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ أُبْطِلَ إذَا أَضْمَرَهُ كُرِهَ فَكَرَاهَةُ الْعَقْدِ بِهَذَا الْقَصْدِ صَرِيحَةٌ فِي كَرَاهَةِ النَّذْرِ بِذَلِكَ الْقَصْدِ وَحَيْثُ كُرِهَ النَّذْرُ وَالْمَنْذُورُ بِهِ فَلَا يُمْكِنُ الِانْعِقَادُ وَقَدْ بَانَ بِمَا قَرَّرْته كَرَاهَةُ النَّذْرِ وَالْمَنْذُورِ بِهِ إذَا قَصَدَ بِهِ الْوَفَاءَ بِمَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ.
وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ النَّاذِرُ فَقِيرًا وَالدَّيْنُ حَالًّا وَأَنْ يَكُونَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ مَحْضَ الْقُرْبَةِ وَالتَّصَدُّقِ أَوْ الْإِهْدَاءِ إلَى الْمُقْرِضِ كُلَّ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي مُقَابَلَةِ مُوَاطَأَةٍ وَلَا غَيْرِهَا صَحَّ النَّذْرُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ قُرْبَةٌ كَالْمَنْذُورِ بِهِ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ جَزَاءَ شُكْرِ نِعْمَةِ الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَلَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute