- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ مَعَ قَصْدِ الْهَزْلِ كَقَوْلِ بَعْضِهِمْ.
إنْ قِيلَ فِي سُوءٌ، أَوْ كُذِّبْتُ أَيْ بِالتَّشْدِيدِ، أَوْ أَذْنَبْت فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، أَوْ قَدْ صَبَرْت كَمَا صَبَرَ أَوْلَوْ الْعَزْمِ وَكَمَا وَقَعَ فِي أَشْعَارِ الْمُتَعَجْرِفِينَ فِي الْقَوْلِ الْمُتَسَاهِلِينَ فِي الْكَلَامِ كَالْمُتَنَبِّي وَالْمَعَرِّيِّ وَابْنِ هَانِئٍ الْأَنْدَلُسِيِّ بَلْ خَرَجَ كَثِيرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ إلَى حَدِّ الِاسْتِخْفَافِ وَالْكُفْرِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَغَرَضُنَا الْآنَ بَيَانُ مَا سُقْنَا أَمْثِلَتَهُ فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْ سَبًّا وَلَا أَضَافَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَقْصًا وَلَا قَصَدَ قَائِلُهَا إزْرَاءً، أَوْ غَضًّا فَمَا وَقَّرَ النُّبُوَّةَ وَلَا عَظَّمَ الرِّسَالَةَ حِين شَبَّهَ مَنْ شَبَّهَ فِي كَرَامَةٍ نَالَهَا، أَوْ مَعَرَّةٍ قَصَدَ الِانْتِفَاءَ عَنْهَا أَوْ ضَرْبَ مَثَلٍ لِتَطْيِيبِ مَجْلِسِهِ أَوْ إغْلَاءً فِي وَصْفٍ لِتَحْسِينِ كَلَامِهِ مِمَّنْ عَظَّمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى خَطَرَهُ وَشَرَّفَ قَدْرَهُ وَأَلْزَمَ تَوْقِيرَهُ وَبِرَّهُ.
وَنَهَى عَنْ جَهْرِ الْقَوْلِ لَهُ وَرَفْعِ الصَّوْتِ عِنْدَهُ فَحَقُّ هَذَا إنْ دُرِئَ عَنْهُ الْقَتْلُ الْأَدَبُ وَالسِّجْنُ وَقُوَّةُ تَعْزِيرِهِ بِحَسَبِ شُنْعَةِ مَقَالِهِ وَمُقْتَضَى قُبْحِ مَا نَطَقَ بِهِ وَمَأْلُوفِ عَادَتِهِ لِمِثْلِهِ، أَوْ قَرِينَةِ كَلَامِهِ، أَوْ نَدَمِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْهُ وَلَمْ يَزَلْ الْمُتَقَدِّمُونَ يُنْكِرُونَ مِثْلَ هَذَا مِمَّنْ جَاءَ بِهِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ عُيِّرَ بِالْفَقْرِ فَقَالَ تُعَيِّرُونِي بِالْفَقْرِ وَقَدْ رَعَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَنَمَ أَرَى أَنْ يُؤَدَّبَ لِأَنَّهُ عَرَّضَ بِذِكْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَعَنْ سَحْنُونَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ التَّعَجُّبِ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِسَابِ تَعْظِيمًا لَهُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَعَنْ الْفَاسِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ قِيلَ لَهُ اُسْكُتْ فَإِنَّك أُمِّيٌّ فَقَالَ أَلَيْسَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمِّيًّا فَكَفَّرَهُ النَّاسُ إطْلَاقُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ خَطَأٌ لَكِنَّهُ مُخْطِئٌ فِي هَذَا الِاسْتِشْهَادِ إذْ الْأُمِّيَّةُ فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - آيَةٌ لَهُ وَفِي هَذَا الْقَائِلِ نَقِيصَةٌ وَجَهَالَةٌ لَكِنَّهُ إذَا اسْتَغْفَرَ وَتَابَ تُرِكَ لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْأَدَبُ فَطَوَّعَ فَاعِلَهُ بِالنَّدَمِ عَلَيْهِ يُوجِبُ الْكَفَّ عَنْهُ وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِهِ إنَّهُ قَالَ فِيمَنْ نَقَّصَهُ غَيْرُهُ.
فَقَالَ إنَّمَا يُرِيدُ نَقْصِي بِذَلِكَ أَنَا بَشَرٌ وَجَمِيعُ الْبَشَرِ يَلْحَقُهُمْ النَّقْصُ، حَتَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يُطَالُ سَجْنُهُ وَأَدَبُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ السَّبَّ وَعَنْ غَيْرِهِ إنَّهُ قَالَ يُقْتَلُ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الشِّفَاءِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا أَفْتَى بِهِ الْجَلَالُ مِنْ وُجُوبِ تَعْزِيرِ ذَلِكَ الْمُسْتَدِلِّ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَقَامِ الَّذِي يَخْرُجُ اللَّفْظُ عَنْ مَوْضُوعِهِ إلَى إيهَامِ النَّقْصِ وَنَحْوِهِ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مَقَامُ خِصَامٍ وَتَبَرٍّ مِنْ نَقْصِ نُسِبَ إلَيْهِ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ فِي مَقَامِ تَدْرِيسٍ أَوْ إفْتَاءٍ، أَوْ تَأْلِيفٍ، أَوْ تَقْرِيرٍ لِلْعِلْمِ بِحَضْرَةِ أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا حَرَجَ فِيهِ إذْ لَا إيهَامَ فِيهِ حِينَئِذٍ بِوَجْهٍ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي مَا حَاصِلُهُ أَيْضًا الْوَجْهُ السَّابِعُ أَنْ يَذْكُرَ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَوْ يُخْتَلَفُ فِي جَوَازِهِ، أَوْ مَا يُمْكِنُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ مِنْ الْأُمُورِ الْبَشَرِيَّةِ، أَوْ مَا اُمْتُحِنَ بِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَصَبَرَ عَلَيْهِ فِي ذَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، أَوْ ابْتِدَاءِ حَالِهِ وَمَا لَقِيَهُ مِنْ بُؤْسِ زَمَنِهِ، أَوْ مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ مُعَانَاةِ عَيْشِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ الرِّوَايَةِ وَإِفَادَةِ الْعِلْمِ وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ نَقْصٌ وَلَا غَمْصٌ وَلَا إزْرَاءٌ لَا فِي ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَلَا فِي مَقْصَدِ اللَّافِظِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفُهَمَاءِ طَلَبَةِ الدِّينِ وَيَجْنَبُ ذَلِكَ مَنْ عَسَاهُ لَا يَفْهَمُهُ، أَوْ يَخْشَى بِهِ فِتْنَةً اهـ.
وَلَمَّا اُعْتُرِضَ عَلَى الْجَلَالِ بِأَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي عَيْرَةً وَلَا تَعْزِيرًا قَالَ لِلْمُعْتَرِضِ إنْ أَرَدْت مَا وَقَعَ فِي نَحْوِ دَرْسٍ، أَوْ مُذَاكَرَةٍ عُلِمَ فَمُسَلَّمٌ وَلَيْسَ هَذَا صُورَةَ وَاقِعَتِنَا وَإِنْ أَرَدْت عَيْنَ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ الَّتِي هِيَ سِبَابٌ وَخِصَامٌ فِي سُوقٍ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ يُطْلِقُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِمَا قَدْ يُوجِبُ سَفْكَ دِمَائِهِمْ فَمَعَاذَ اللَّهِ وَحَاشَا الْمُفْتِينَ أَنْ يَقُولُوا ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ مَنْ قَالَ التَّعْزِيرُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَنُصُّوا عَلَيْهَا أَقُولُ لَهُ فَهَلْ نَصَّ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا تَعْزِيرَ فِيهَا حَتَّى يُقَدَّمَ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَيُنْسَبُ إلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ تَنْزِلُ وَأَجَابَ عَمَّنْ قَالَ لَهُ إنَّمَا أَفْتَيْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَذْهَبِ مَالِكٍ.
فَإِنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لَا نَصَّ فِيهَا لِلْأَصْحَابِ فَأَجَابَ فِيهَا بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَرَّرَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَسْأَلَةً لَا نَقْلَ فِيهَا عِنْدَنَا وَأَجَابَ فِيهَا بِمَذْهَبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute