مُعَيَّنًا مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُخَالِفًا لِصَرِيحِ كَلَامِ أَئِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ بَلْ لَا يَسَعُهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ بِالْبُطْلَانِ إذَا اطَّرَدَ عُرْفُهُمَا بِالتَّعْبِيرِ بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ عَنْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوك لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ كَلَامِهِمْ الَّذِي قَدَّمْته عَنْ الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ.
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ مَلْزُومٌ بِالْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ فَلَا يُسْتَدَلُّ بِكَلَامِهِ عَلَى بُطْلَانِ حُكْمِ الْحَاكِمِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ يُصَانُ عَنْ النَّقْضِ مَا أَمْكَنَ وَأَنَّهُ لَا يُصَارُ لِنَقْضِهِ إلَّا إذَا تَحَقَّقْنَا مُوجِبَ نَقْضِهِ وَلَا نَتَحَقَّقُ مُوجِبَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إذَا ثَبَتَ أَنَّهُمَا أَرَادَا بِالسَّاعَةِ مِنْ الْقَرَارِ حَقِيقَتَهَا مِنْ مِائَةٍ أَوْ مِنْ الْقَرَارِ نَفْسِهِ وَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فَلَا يُمْكِنُ الْقَوْل بِنَقْضِهِ كَيْف وَلَهُ مُحْتَمَلَاتٌ بَعْضُهَا صَحِيحٌ وَبَعْضهَا بَاطِلٌ وَلَمْ يَثْبُتْ وُجُودُ ذَلِكَ الْبَاطِلِ وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَ الْبُلْقِينِيُّ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ فِي سَاعَةِ مِنْ قَرَارِ كَذَا لَيْسَ هُوَ ذِكْرَ السَّاعَةِ فَحَسْب بَلْ عَدَمُ إيرَادِ الْبَيْعِ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِتَصْرِيحِهِ هُوَ وَغَيْرُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْجُزْءِ مِنْ الْقَرَارِ الْمَمْلُوكِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحَلِّ النَّبْعِ فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ صَرِيحِ قَوْلِهِ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ فِي أَنَّ سَبَبَ الْبُطْلَانِ مَا ذَكَرَ قُلْت وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ السَّبَبُ هُوَ ذِكْرُ السَّاعَة مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ إلَخْ مُلَائِمًا لِمَا قَبْلَهُ وَلَا مُرْتَبِطًا بِهِ.
فَإِنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى مَحَلِّ النَّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يُقَوَّلُ وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ طَرِيقَ الْبَيْعِ الَّذِي يُمَلَّكُ بِهِ الْمَاءُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ هُنَا يُنَافِيه مَا قَدَّمَهُ نَفْسُهُ أَوَّلَ جَوَابِهِ وَهَذَا يُضَعِّفُ كَلَامَهُ وَيُوجِبُ عَدَمَ اعْتِمَادِ إطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْحَقَّ مَا فَصَّلْنَاهُ وَقُلْنَاهُ وَإِنْ كُنَّا مُعْتَرِفِينَ بِنَقْصِ مَقَامِنَا عَنْ مَقَامِهِ إلَّا أَنَّ الْحَقَّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ عَلَى أَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَانَ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ غَيْرَ مُتَقَيِّدٍ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ لِوُصُولِهِ مَرْتَبَةً مِنْ مَرْتَبَةِ الِاجْتِهَادِ بَلْ لِأَقْصَاهَا كَمَا قَالَهُ تِلْمِيذُهُ أَبُو زُرْعَةَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ جَرَى فِي جَوَابِهِ هَذَا عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّوْضَةِ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ وَالْحَقُّ فِيهَا مَا فِي الرَّوْضَةِ كَمَا بَيَّنْته فِي جَوَابِ غَيْرِ هَذَا وَأَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَمِنْ مُخَالَفَته لِمَا فِيهَا قَوْلُهُ بِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَاءِ الْجَارِي وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِإِطْلَاقِهِ الْبُطْلَانَ فِي سَاعَةٍ مِنْ قَرَارِ كَذَا إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَاءَ وَحْدَهُ وَأَنَّ الْمَرَادَ بِالسَّاعَةِ مَفْهُومُهَا الْحَقِيقِيّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
ثُمَّ رُفِعَ إلَيَّ سُؤَالٌ ثَانٍ صُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ فِي قَضِيَّةٍ شَرْعِيَّةٍ مُوَقَّعٌ بِهَا مُسْتَنَدٌ شَرْعِيّ مُلَخَّصُ مَضْمُونِهِ بَعْد أَنْ أَذِنَ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ الشَّافِعِيُّ فُلَانُ لِفُلَانٍ الْفُلَانِيِّ فِي شِرَاءِ الْمَبِيعِ الْآتِي ذِكْرُهُ فِيهِ لِنَفْسِهِ وَلِبَقِيَّةِ وَرَثَةِ وَالِدِهِ مَحَاجِيرِ الشَّرْعِ الشَّرِيفِ إذْنًا شَرْعِيًّا اشْتَرَى الْمَأْذُونُ لَهُ الْمَذْكُورُ مِنْ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّةِ جَمِيعَ الْحِصَّةِ السَّقِيَّةِ الَّتِي قَدْرُهَا سَاعَتَانِ مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الْفُلَانِيَّةِ فِي الْوَجْبَةِ الْمَعْرُوفَةِ بِكَذَا وَعُدَّة وَجَبَاتِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْبَة كُلّ وَجُبَّةٍ اثْنَا عَشَر سَاعَةً كُلُّ سَاعَةٍ قِيرَاطَانِ كَبِيرَانِ بِمَا يَجِبُ لِلْحِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْعَيْنِ الْمَذْكُورَةِ وَمَقَرِّهَا وَمَمَرِّهَا وَشُعُوبِهَا وَذُيُولِهَا وَمَجَارِي مَائِهَا وَمِنْ مَائِهَا الْجَارِي بِهَا يَوْمئِذٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى اشْتِرَاء صَحِيحًا شَرْعِيًّا مُسْتَكْمِلًا لِشَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَاللُّزُومِ بِثَمَنِ جُمْلَتِهِ كَذَا وَثَبَتَ ذَلِكَ لَدَى الْحَاكِمِ الْآذِنِ الْمُشَارِ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِهِ فَهَلْ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ الْحُكْمُ بِإِبْطَالِهِ نَقْضٌ لِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَمْ لَا وَهَلْ حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَضَمِّنٌ لِلْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ أَمْ لَا وَهَلْ هَذِهِ الصُّورَةُ مُطَابِقَةٌ لِمَا أَفْتَى بِهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِيهِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ وَالنَّظَرِ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ بِإِفْتَاءِ عَالِمٍ مِثْله أَوْ أَعْلَى مِنْهُ أَوْ يُحْمَلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ عَلَى السَّدَادِ مَا أَمْكَنَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ فِيهِ تَفْصِيلٌ.
وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْعَاقِدَانِ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْ قَرَارِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ أَوْ الْمَجْرَى الْمَمْلُوكُ أَوْ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute