للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ لَا يَدْخُلُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَهُ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ اسْتِحْقَاقُ الْأَرْضِ فِيهِ الْمُسَمَّى بِالشِّرْبِ وَمُرَاد الرَّوْضَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فِي الْمَاءِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أُجْرِيَ فِيهَا خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْمِلْكِ إلَّا فِي الْأَرْضِ دُونَ الْمَاءِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِيهِ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ فِيهَا أَوَاخِرَ الْمَنَاهِي بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيهِمَا أَيْ فِي الْأَصْلِ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ وَالْمِلْكِ وَفِي الْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّبَعِ وَالِاسْتِحْقَاقِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ كَلَامَيْهِمَا خِلَافًا لِمَنْ ظَنَّهُ وَفَائِدَة إجْرَاءِ خِلَافِ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الْقَرَارِ حَتَّى يَبْطُلَ فِي الْمَاءِ الرُّجُوعُ بِمَا يُقَابِلُهُ مِنْ الثَّمَنِ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فِيهِ فَهِيَ بِطَرِيقِ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُقَابَلُ بِجُزْءٍ مِنْ الثَّمَنِ فَإِذَا قُوبِلَ بِهِ اقْتَضَى ذَلِكَ بُطْلَانَ الْبَيْعِ فِيهِ وَفِي الْأَرْضِ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِيهِ وَحْدَهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَاتَّضَحَ وَجْهُ جَرَيَانِ الْخِلَافِ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا وَإِنْ أَجْرَيْنَاهُ فِيهَا وَقُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا آنِفًا وَالْكَلَامُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّ قَرَارِ الْمَاءِ الْمَمْلُوكِ دُون مَحَلِّ نَبْعِهِ لِأَنَّ مِلْكَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ بَلْ يَكُونُ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِهِ أَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ مَعَ قَرَارِهِ الْمَمْلُوكِ كُلّ مِنْهُمَا فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا بِطَرِيقِ الْقَصْدِ لِأَنَّ مِلْكَهُ يَسْتَلْزِمُ مِلْكَ الْمَاءِ.

وَأَمَّا مَحَلُّ نَبْعِهِ وَقَرَارِهِ غَيْر الْمَمْلُوكِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ فِيهِمَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَمِنْ ثَمَّ اضْطَرَبَتْ فِيهِ الْأَفْهَامُ وَكَثُرَتْ فِيهِ السَّقَطَات وَالْأَوْهَامُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ الْجَوَابِ قَوْلَ جَمْعٍ رَدًّا لِمَا فِي الرَّوْضَةِ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إذَا كَانَ مَجْهُولًا وَبِيعَ مَعَ غَيْرِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ بِالْقِسْطِ وَالْقِسْطُ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْجَهَالَةِ قُلْت إنَّمَا يَتَّضِحُ رَدُّهُمْ أَنْ لَوْ سَلَّمْنَا لَهُمْ دَعْوَى الْجَهَالَةِ بِالْقِسْطِ وَهِيَ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَقَدْ قَالَ جَمْعٌ فِي نَحْوِ الْخَلِّ وَالْخَمْرِ وَالشَّاةِ وَالْكَلْبِ أَوْ الْخِنْزِيرِ أَنَّ الْبَاطِلَ يَقُومُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً كَأَهْلِ الذِّمَّةِ فَكَذَلِكَ الْمَاءُ هُنَا يُقَدَّرُ عِنْدَ مَنْ يَرَى لَهُ قِيمَةً وَيَصِحُّ بَيْعُهُ مُطْلَقًا وَهُمْ الْمَالِكِيَّةُ وَعَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ يُعْتَبَرُ بِمَا يُشَابِهُهُ كَالْخَلِّ وَالْعِتَرِ كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ الْجَارِي هُنَا بِمَا يُشَابِهُهُ فَيُقَدَّرُ رَاكِدًا وَيُوَزَّعُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ مَعَ الْأَرْضِ فَإِنْ قُلْت فَمَا حُكْمُ عُيُونِ مَكَّةَ هَلْ هِيَ مَمْلُوكَةٌ لِأَرْبَابِهَا قَرَارًا وَمَنْبَعًا أَوْ قَرَارًا فَقَطْ قُلْت بَلْ قَرَارًا وَمَنْبَعًا كَمَا يُصَرِّح بِهِ قَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا لَوْ صَادَفْنَا نَهْرًا يُسْقَى مِنْهُ أَرْضُونَ وَلَمْ نَدْرِ أَنَّهُ حُفِرَ أَيْ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا أَوْ انْخَرَقَ أَيْ فَلَا يَكُونُ مَمْلُوكًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ يَدٍ وَانْتِفَاعٍ اهـ.

عَلَى أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ صُورَةِ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ صُورَتَهَا لَيْسَ فِيهَا قَرِينَة عَلَى الْمِلْكِ غَيْر وَضْعِ الْيَدِ وَهُنَا مَعَ وَضْعِهَا قَرِينَةً أُخْرَى وَهِيَ بِنَاءُ تِلْكَ الْعُيُونِ الَّذِي هُوَ صَرِيحٌ فِي مِلْكِ الْبَانِي لِمَحَلِّ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَصِحُّ الْبَيْعُ فِي تِلْكَ الْعُيُونِ مَنْبَعًا وَقَرَارًا مَعَ عَدَمِ رُؤْيَتِهِمَا قُلْت أَمَّا مَا تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ مَجْرَى الْعَيْنِ وَذَيْلِهَا فَلَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهِ لِتَعَذُّرِهِ كَأَسَاسِ الْجِدَارِ وَكَمَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ عَدِمِ اشْتِرَاطِ رُؤْيَةِ الْمُسْتَتِرِ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ سَهُلَ بِالْفَتْقِ وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ مِنْهَا مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ أَخْذًا مِنْ أَنَّ الْبِئْرَ لَا يُشْتَرَطُ رُؤْيَةُ جَمِيعِهَا بَلْ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنْ جُدْرَانِهَا وَنَحْوهَا وَأَمَّا الْقَنَاةُ الظَّاهِرَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهَا جَمِيعِهَا بِأَنْ يَحْبِسَ الْمَاءَ عَنْهَا وَلَا يَكْفِي رُؤْيَتُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَإِنْ كَانَ صَافِيًا ثُمَّ رَأَيْت الْبُلْقِينِيُّ تَعَرَّضَ لِمَا فِي السُّؤَالِ فَقَالَ وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ مِنْ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ اشْتَرَى فُلَانٌ سَاعَةً مِنْ قَرَارِ عَيْنِ كَذَا غَيْرَ صَحِيحٍ وَلَا مُعْتَبَرٍ.

وَطَرِيقُ الْبَيْعِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْقَرَارِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النَّبْعِ اهـ وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِمَا ذَكَرْته مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّهُ أَطْلَقَ عَدَمَ الصِّحَّةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَدْلُولُ ذَلِكَ اللَّفْظِ وَلَا مَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِمَالِ وَنَحْنُ قَدْ فَصَّلْنَا مُحْتَمَلَاتِهِ وَبَيَّنَّا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمَا يَدُلُّ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فَلَا يُنَافِي إطْلَاقُهُ تَفْصِيلَنَا بَلْ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ إطْلَاقِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْبَاطِلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ مَا إذَا أَرَادَا أَنَّ الْمَبِيعَ الْمَاءُ مُقَدَّرًا بِزَمَنٍ أَوْ أَطْلَقَا وَعَرَّفَهُمَا ذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ لِمَا ذَكَرَهُ دَلِيلًا وَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا لِمَا ذَكَرْنَاهُ أَدِلَّةً مِنْ كَلَامِهِمْ سِيَّمَا مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ مَجْمُوعِ النَّوَوِيِّ وَعَنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَلَا يَسَعُ الْبُلْقِينِيُّ أَنْ يَقُولَ إذَا أَرَادَ بِالسَّاعَةِ جُزْءًا

<<  <  ج: ص:  >  >>