للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَمَا تَرَى - شَاهِدٌ أَيُّ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ عُيُونَ الْحِجَازِ لَا يُمَلَّكُ مَنْبَعُهَا لِأَنَّهَا مِمَّا شَمِلَهُ قَوْلُهُ وَالْعُيُونُ فِي الْجِبَالِ وَالْمَوَاتِ وَقَدْ حَكَمَ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحَجُّرُهَا وَلَا إقْطَاعُهَا وَلَا بَيْعُهَا قُلْت لَا دَلِيلَ فِي هَذَا وَلَا شَاهِدَ لِعَدَمِ مِلْكِ عُيُونِ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَارِ وَشَرْحَهُ الْمَذْكُورَ مَفْرُوضٌ فِيمَا عَلِمْت إبَاحَةُ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَصْلُ الْمَاءِ أَقْسَامٌ: الْأَوَّلُ مَا نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ لَا يَخْتَصُّ بِأَحَدٍ وَلَا صُنْعَ لِلْآدَمِيَّيْنِ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ فَقَدْ فَرَضَ الْكَلَامَ فِي فَرْدٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ نَبَعَ مِنْ مَوْضِعٍ مُبَاحٍ مِنْ غَيْر صُنْعٍ لِآدَمِيٍّ فِي إخْرَاجِهِ وَإِجْرَائِهِ وَمِثْل ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ عُيُونِ الْجِبَالِ وَالْمَوَات وَعُيُونُ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ أَنَّ أَصْلَهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا هَلْ كَانَ مُبَاحًا لِكَوْنِهِ نَابِعًا بِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَمْلُوكٍ كَجَبَلٍ أَوْ مَوَاتٍ فَجَاءَ إلَى كُلِّ عَيْنٍ مِنْهَا جَمَاعَةٌ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا بِطَرِيقٍ وَحَازُوهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا ثُمَّ تَلَقَّاهَا وَرَثَتُهُمْ عَنْهُمْ مِنْ مُنْذُ قُرُونٍ عَدِيدَةٍ إلَى وَقْتِنَا هَذَا أَوْ مَمْلُوكًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَوَاتِ مَنْبَعٌ.

وَإِنَّمَا جَاءَ مَنْ حَفَرَهُ إلَى أَنْ صَادَفَ مَنْبَعًا فَبَنَى عَلَيْهِ وَتَحَجَّرَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ وَرَثَتُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مُنْذُ تِلْكَ الْقُرُونِ وَهَذَا التَّرَدُّدُ الَّذِي أَبْدَيْته لَا يُمْكِنُ أَحَدًا دَفْعُهُ إلَّا إنْ كَانَ مِنْ السُّوفُسطائِيَّة الَّذِينَ يُنْكِرُونَ حَتَّى الْمَحْسُوسَاتِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْ الضَّرُورِيَّاتِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا التَّرَدُّدَ فِي عُيُونِ الْحِجَازِ لَا مَدْفَعَ لَهُ ثَبَتَ أَنَّ عُيُونَهَا بِمَنْزِلَةِ النَّهْرِ الَّذِي فَرَضَ الشَّيْخَانِ الْكَلَامَ فِيهِ وَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا أَوْلَى بِالْمِلْكِ مِنْ ذَلِكَ النَّهْرِ لِأَنَّ فِيهَا قَرِينَةً أُخْرَى أَقْوَى وَأَظْهَرَ مِنْ قَرِينَةِ وَضْعِ الْيَدِ وَهِيَ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا الصَّرِيحُ فِي الْمِلْكِ عَلَى أَنَّ وَضْعَ الْيَدِ فِيهَا أَقْوَى مِنْهُ فِي النَّهْرِ لِأَنَّ وَضْعَهَا فِيهِ إنَّمَا هُوَ بِالِاسْتِقَاءِ مِنْهُ وَأَمَّا وَضْعُهَا هُنَا فَهُوَ بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِهَدْمِ مَا بُنِيَ عَلَيْهَا وَعِمَارَته وَبِالتَّبَايُعِ فِيهَا وَحِيَازَتِهَا كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ مِنْ مُنْذُ قُرُونٍ مَدِيدَةٍ بَلْ بَعْضُهَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ فِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَلِلنَّاسِ الْآنَ عَلَى ذَلِكَ تِسْعُمَائَةِ سَنَةٍ وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحِيَازَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.

وَحِينَئِذٍ فَهَلْ بَقِيَ بَعْدَ هَذَا قَرِينَةٌ عَلَى الْمِلْكِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْقَرِينَةِ كَلًّا لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا مَنْ عَدِمَ عَقْلَهُ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ هَوَاهُ وَجَهْلُهُ فَإِنْ قُلْت هَلْ تَجِدُ نَظِيرًا غَيْرَ مَسْأَلَةِ النَّهْرِ يُقَاسُ عَلَيْهِ مَسْأَلَتنَا أَيْضًا قُلْت لِذَلِكَ نَظَائِرُ مِنْهَا قَوْلُ الْأَئِمَّةِ لَوْ وَجَدْنَا جُذُوعًا لِإِنْسَانٍ مَوْضُوعَةً عَلَى جِدَارِ غَيْرِهِ فَقَالَ صَاحِبُ الْجِدَارِ هَذِهِ مَوْضُوعَةٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَالَ صَاحِبُهَا بَلْ هِيَ مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ وَلَا بَيِّنَةَ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ بِحَقٍّ وَأَنَّ لِصَاحِبِهَا حَقُّ الْوَضْعِ عَلَى ذَلِكَ الْجِدَارِ حَتَّى لَوْ هَدَمَ أَوْ انْهَدَمَ وَأُعِيدَ جَازَ لَهُ إعَادَتُهَا عَمَلًا بِالظَّاهِرِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ هُوَ بَانِي الْجِدَارِ لِظَاهِرِ كَلَامِهِمْ فَإِذَا حَكَمُوا بِاسْتِحْقَاقِ مِلْكِ الْغَيْرِ لِمُجَرَّدِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْمُحْتَمَلَةِ وَلَمْ يُبَالُوا بِاحْتِمَالِ أَنَّهَا وُضِعَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ مَعَ أَنَّ هَذَا الِاحْتِمَالَ هُوَ الْمُوَافِقُ لِلْأَصْلِ مِنْ عَدَمِ الْإِذْنِ وَحُكْمِ حَاكِمٍ يَرَى ذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ مِنْ بَقَائِهَا إذْ التَّعَدِّي يُتَسَارَع إلَى إنْكَارِهِ وَلَا يُسْكَتُ عَنْهُ حَتَّى لَا يَكُونَ بِهِ بَيِّنَةٌ.

فَأَوْلَى أَنْ يَحْكُمُوا فِي عُيُونِ الْحِجَازِ بِأَنَّهَا مِلْكٌ لِوَاضِعِي الْأَيْدِي عَلَيْهَا مِنْ مُنْذُ تِلْكَ الْقُرُونِ الْعَدِيدَةِ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ فِيهَا أَظْهَرُ وَأَتَمُّ وَلَا يُقَالُ لَمْ يُصَرِّحْ الْفُقَهَاءُ فِيهَا بِشَيْءٍ لِأَنَّا نَقُولُ ذِكْرُهُمْ النَّهْرَ فِي مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلهَا السَّابِقَةِ لَيْسَ لِلتَّقْيِيدِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَصَاغِرِ الْمُتَفَقِّهَةِ بَلْ لِلتَّمْثِيلِ حَتَّى يَلْحَقَ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ فَكَيْفَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَمِنْ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُمْ لَوْ تَنَازَعُوا فِي قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ النَّهْرِ جَعَلَ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ مِنْ الْأَرْضِ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ أَنَّ الشَّرِكَةَ بِحَسَبِ الْمِلْكِ وَأَمَّا قَوْلُ الْبُلْقِينِيُّ الْأَصَحُّ بِمُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَكُونُ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالْقَرَائِنُ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجِدَارِ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ فِيهِ إلَى الدَّوَاخِلِ وَالْخَوَارِجِ وَأَنْصَافِ اللَّبَنِ وَمَعَاقِدِ الْقِمْطِ وَفِي مَتَاعِ الْبَيْتِ يَخْتَلِف فِيهِ الزَّوْجَانِ أَنَّهُ إنْ كَانَ بِيَدِهِمَا حَلَفَا وَجُعِلَ بَيْنهمَا وَلَا نَظَرَ لِمَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا عَادَةً فَهُوَ وَإِنْ سَلِمَ شَاهِدٌ لَنَا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ النَّهْرَ لَيْسَ فِي أَيْدِيهِمْ حِسًّا بَلْ حُكْمًا تَبَعًا لِلْأَرْضِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَإِذَا كَانَ تَابِعًا لِلْأَرْضِ لَزِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>