للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِقَضِيَّتِهَا تَبَعًا لَهَا لِأَنَّ التَّابِعَ يُعْطَى حُكْمَ مَتْبُوعِهِ وَبِهَذَا عَلِمْتَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الرَّوْضَةِ وَمَسْأَلَتَيْ الْجِدَارِ وَمَتَاعِ الْبَيْتِ فَإِنَّ الْيَدَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلَّةٌ وَلَيْسَتْ تَابِعَةً لِشَيْءٍ فَعَمِلَ بِقَضِيَّتِهَا وَهِيَ التَّسَاوِي وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ النَّهْرِ فَهِيَ تَابِعَةٌ لِلْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ فَأُعْطَى حُكْمَهَا وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ وَإِنْ نَقَلَ الْمُتَأَخِّرُونَ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِرَدِّهِ فِيمَا أَعْلَمُ وَمِنْ تِلْكَ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَرْضٍ سَاقِيَةٌ مِنْ نَهْرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ حُكِمَ عِنْدَ التَّنَازُعِ بِأَنَّ لَهَا شِرْبًا مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَكَذَا يَكُونُ شَرِيكًا لِأَهْلِ النَّهْرِ حَيْثُ لَا شِرْبَ لَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شِرْبٌ مِنْهُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ هُنَا أَيْضًا وَمِنْ تِلْكَ النَّظَائِرِ أَيْضًا مَا فِي الْأَنْوَارِ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّهْرُ يَنْصَبُّ فِي أَجَمَةٍ مَمْلُوكَةٍ أَوْ غَدِيرٍ مَمْلُوكٍ وَحَوْلَ النَّهْرِ أَرَاضٍ مَمْلُوكَةٌ وَنُوزِعَ فِي الْمَاءِ جُعِلَ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَجَمَةِ وَأَصْحَابِ الْأَرَاضِي قَالَ شَارِحُهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ اشْتِرَاكُهُمْ فِيهِ وَظَاهِرُ عِبَارَتِهِ أَنَّهَا مُنَاصَفَةٌ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَجَمَةِ وَأَصْحَابِ الْأَرَاضِي اهـ فَتَأَمَّلْ عَمَلَهُمْ بِالظَّاهِرِ فِي هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا يَتَّضِحُ لَك مَا فِي الرَّوْضَةِ وَمَا قِسْنَا عَلَيْهِ.

فَإِنْ قُلْتَ سَلَّمْنَا جَمِيعَ مَا ذُكِرَ لَكِنَّ حَفْرَ الْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ فِي الْمَوَاتِ لَيْسَ مُقْتَضِيًا لِلْمِلْكِ مُطْلَقًا بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلْمَارَّةِ كَانَتْ مُسْبَلَةً لِكَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا تَحَجُّرُهُ وَلَا يَجُوزُ لِلْحَافِرِ طَمُّهَا لِتَعَلُّقِ الْحَقِّ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لِارْتِفَاقِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِمَائِهَا حَتَّى يَرْحَلَ فَإِنْ عَادَ فَهُوَ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ طَمُّهَا هُنَا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَهُوَ وَالنَّاسُ فِيهَا سَوَاءٌ وَإِنْ كَانَ لِلتَّمَلُّكِ فَهِيَ كَالْمَحْفُورَةِ بِمِلْكِهِ وَحُكْمُ مَا نَبَعَ بِمِلْكِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِعَمَلٍ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَإِذَا كَانَ فِي الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ هَذَا التَّفْصِيلُ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا فِي صُورَةٍ وَفِي ثَلَاثِ صُوَرٍ لَا يُمَلَّكُ كَمَا تَقَرَّرَ فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ هَذِهِ الْحَالَةِ الرَّابِعَةِ عَلَى الْحَالَاتِ الثَّلَاثِ قُلْتُ هَذَا التَّفْصِيلُ إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ عُلِمَ قَصْدُ الْحَافِرِ أَمَّا إذَا جُهِلَ قَصْدُهُ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ التَّفْصِيلُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهَا آنِفًا وَهِيَ قَاضِيَةٌ بِمِلْكِ وَاضِعِي الْيَدِ عَلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ هُنَا تَغْلِيبُ حَالَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى حَالَاتٍ ثَلَاثٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَحَلَّ تِلْكَ الْأَحْوَالِ حَيْثُ عُلِمَ قَصْدُ الْحَافِرِ.

وَمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ حُكْمَ الْقَنَوَاتِ حُكْمُ الْآبَارِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ إلَّا أَنَّ حَفْرَهَا لِمُجَرَّدِ الِارْتِفَاقِ لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ قَالَ السُّبْكِيّ وَالْقَنَاةُ فِي بِلَادِنَا اسْمٌ لِمَا يَجْرِي فِيهِ الْمَاءُ الْوَاصِلُ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنِ لَوْ حَفَرَ الْقَنَاةَ فَنَبَعَ فِيهَا مَلَكَهَا وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهَا تُحْفَرُ لِيَنْبُعَ الْمَاءُ فِيهَا وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الرَّافِعِيِّ أَنَّهَا كَالْبِئْرِ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَحَلَّ الْجَرَيَانِ فَهِيَ كَالْبِئْرِ فَفِي مِلْكِ الْجَارِي فِيهَا خِلَافٌ اهـ أَيْ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَإِنْ قُلْتَ لَا دَلِيلَ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي النَّهْرِ لِقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ مَا قَالَاهُ مِنْ الْمِلْكِ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَكَثِيرٌ مِنْ الْأَنْهَارِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَالْمُحَقَّقُ مِنْ الْيَدِ فِيهِ الِانْتِفَاعُ وَالسَّقْيُ مِنْهُ وَلَا يَكْفِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ الْيَدِ عَلَى الْمِلْكِ وَالْيَدُ الدَّالَّةُ عَلَى الْمِلْكِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا الِاسْتِيلَاءُ وَمَنْعُ الْغَيْرِ فَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى الْمِلْكِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْكَمَ بِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُمْ بَلْ يُقَالُ مُخْتَصٌّ بِهِمْ.

وَالْيَدُ إنَّمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ تَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَكِنْ هُنَا عَارِضُ الْمِلْكِ أَنَّ الْعُرْفَ يَقْضِي بِعَدَمِ تَمَكُّنِهِمْ مِنْ بَيْعِهِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَإِنَّمَا تَكُونُ أَمْلَاكُهُمْ الَّتِي يَسْقُونَهَا مِنْهُ لَهُ حَقُّ سَقْيِهَا مِنْهُ وَذَلِكَ اخْتِصَاصٌ بِهِ لَا مِلْكَ وَيُعَضَّدُ هَذَا بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْحَفْرِ وَلَا يُقَالُ الْأَصْلُ عَدَمُ الِانْخِرَاقِ لِأَنَّ الْحَفْرَ بِفِعْلِ فَاعِلٍ وَالِانْخِرَاقَ بِدُونِهِ وَأَيْضًا لَوْ أَثْبَتْنَا الْمِلْكَ فِي أَرْضِ النَّهْرِ لِأَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ لَاحْتِيجَ عِنْد شِرَائِهَا إلَى مَعْرِفَةِ قَدْرِ مَائِهَا مِنْ أَرْضِ النَّهْرِ وَالْمَجْرَى الْوَاصِلِ مِنْهُ إلَيْهِ وَلِمَا صَحَّ الشِّرَاءُ إلَّا بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَد نَعَمْ ذَلِكَ ظَاهِر فِي قَنَاة أَوْ سَاقِيَة ظَهَر اخْتِصَاصهَا وَاسْتِيلَاؤُهُمْ عَلَيْهَا بِحَيْثُ لَا يُسْتَنْكَرُ تَصَرُّفُهُمْ فِي ذَلِكَ اهـ كَلَام الزَّرْكَشِيّ وَمَعَ هَذَا الْإِشْكَالِ الظَّاهِرِ كَيْف

<<  <  ج: ص:  >  >>