للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِزَالَةِ فَاقَتِهِمْ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِطْعَامِ الْجَائِعِينَ وَإِغَاثَةِ الْمُسْتَغِيثِينَ فِي النَّائِبَاتِ فَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي حَقِّ أَصْحَابِ الثَّرْوَةِ وَالْمُرُوءَةِ إذَا لَمْ تَفِ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ بِسَدِّ حَاجَاتِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَا يُصْرَفُ إلَيْهَا فَلَوْ انْسَدَّتْ الضَّرُورَةُ فَهَلْ يَكْفِي ذَلِكَ أَمْ تُحْجَبُ الزِّيَادَةُ إلَى تَمَامِ الْكِفَايَةِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ وَجْهَانِ قُلْت قَالَ الْإِمَامُ فِي كِتَابِهِ الْغِيَاثِيِّ يَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ الْمُوَاسَاةُ بِمَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ سَنَةٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ اهـ.

فَقَوْلُهُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمَعَاشِ وَانْتِظَامِ أُمُورِ النَّاسِ كَدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِغَاثَةِ الْمُسْتَغِيثِينَ فِي النَّائِبَاتِ يَشْمَلُ عِمَارَةَ السُّورِ وَنَحْوَهَا مِمَّا يَضْطَرُّ النَّاسُ إلَيْهَا.

وَقَدْ بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجِبُ إلَّا عَلَى الْمُوسِرِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَةِ سَنَةٍ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَنْقُولَةٌ فِي كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَالْمُرَادُ بِكِفَايَةِ السَّنَةِ هُنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ كِفَايَتُهُ وَكِفَايَةُ مُمَوَّنِهِ مَطْعَمًا وَمَلْبَسًا وَمَسْكَنًا وَدَوَاءً وَغَيْرَهُمَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِهِمَا هَذَا أَنَّ الْمُوسِرِينَ لَا يُخَاطَبُونَ بِنَحْوِ عِمَارَةِ السُّورِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ، أَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ وَجَارَ النَّاظِرُ فِي أَمْرِهِ فَلَمْ يَصْرِفْهُ فِي مَصَارِفِهِ، أَوْ اُحْتِيجَ لِصَرْفِهِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لَوْ تُرِكَ أَوْ حَالَتْ الظُّلْمَةُ دُونَهُ وَالرَّاجِحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ الْمُطْلَقَيْنِ أَوَّلُهُمَا.

وَمِنْهُ يُؤْخَذُ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي عِمَارَةِ السُّورِ إنَّمَا هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرُورَةُ فَقَطْ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ جَعَلَ عِمَارَةَ الْمَسْجِدِ كَعِمَارَةِ السُّورِ فَقَدْ أَبْعَدَ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ إذْ لَا تَتَوَقَّفُ صَلَاةٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَلَا نَظَرَ لِتَوَقُّفِ الِاعْتِكَافِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ نَادِرٌ وَغَيْرُ وَاجِبٍ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ بِنَذْرٍ نُذِرَ فَلَا يَصْلُحُ حِينَئِذٍ غَيْرُ الْمَسْجِدِ مِمَّا يُضْطَرُّ إلَيْهِ حَتَّى يُلْزَمَ الْمُوسِرُونَ بِبِنَائِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِدَفْعِ الضَّرَرِ أَنَّ عِمَارَةَ ذَلِكَ لَا يُخَاطَبُ بِهَا الْمُوسِرُونَ إلَّا إنْ تَحَقَّقَ، أَوْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ عَدَمَ عِمَارَتِهِ يَكُونُ سَبَبًا لِتَلَفِ نَفْسٍ، أَوْ مَالٍ مُحْتَرَمٍ فَإِنْ قُلْت اعْتِبَارُ الْمُوسِرِ هُنَا بِمَنْ زَادَ مَالُهُ عَلَى كِفَايَةِ سَنَةٍ يُنَافِيهِ جَعْلُهُمْ الْمُوسِرَ فِي الْعَاقِلَةِ مَنْ يَمْلِكُ عِشْرِينَ دِينَارًا قُلْت يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَلْحَظَ التَّحَمُّلِ فِي الْعَاقِلَةِ أَنَّ الْقَبَائِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُومُونَ بِنُصْرَةِ الْجَانِي مِنْهُمْ وَيَمْنَعُونَ أَوْلِيَاءَ الدَّمِ أَخْذَ حَقِّهِمْ فَأَبْدَلَ الشَّرْعُ تِلْكَ النُّصْرَةِ بِبَدَلِ الْمَالِ وَمَلْحَظُ سَدِّ الضَّرُورَةِ هُنَا وِقَايَةُ النَّفْسِ مِنْ التَّلَفِ، أَوْ نَحْوِهِ مِنْ غَيْرِ تَسَبُّبٍ مِنْ الْمُحْتَمَلِ فِي ذَلِكَ بِوَجْهٍ لَا بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا عَارِضٍ وَمِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَعُودُ عَلَيْهِ فِي رَحِمِهِ وَقَرَابَاتِهِ فَلِذَلِكَ وُسِّعَ فِي أَمْرِهِ.

وَلَمْ يُلْزَم بِذَلِكَ إلَّا حَيْثُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ وَلَا يَكُونُ مِنْهُمْ إلَّا إذَا زَادَتْ كِفَايَتُهُ عَلَى سَنَةٍ لِأَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا حَرَّمُوا عَلَيْهِ الزَّكَاةَ حِينَئِذٍ بِخِلَافِ التَّحَمُّلِ فِي الْعَاقِلَةِ فَإِنَّ سَبَبَهُ مِنْ الْمُحْتَمَلِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَنْعُ الْجَانِي وَبِعَوْدِ نَفْعٍ عَلَى الْقَرِيبِ بِحِفْظِهِ مِنْ الْقَتْلِ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فَضُويِقَ فِي أَمْرِهِ وَأَلْزَمَ بِهِ غَيْرَ الْغَنِيِّ أَيْضًا وَهُوَ الْمُتَوَسِّطُ الَّذِي يَمْلِكُ أَكْثَرَ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ وَاَلَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَوْ بِشَيْءٍ قَلِيلٍ فَإِنْ قُلْت قَدْ يَكُونُ مَعَهُ كِفَايَةُ سَنَةٍ وَيَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ فَهُوَ أَهْلٌ لَأَنْ يُوَاسِيهِ النَّاسُ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَاسَاةُ غَيْرِهِ قُلْت لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَعَهُ نِصَابٌ، أَوْ أَكْثَرُ وَقَامَ بِهِ وَصْفٌ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ سُقُوطُهَا عَنْهُ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِهِ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ بِاعْتِبَارٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعْطَاءُ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَالْأَحْكَامُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الِاعْتِبَارَاتِ وَإِنْ اتَّحَدَتْ الذَّوَاتُ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي بَابِ اللَّقِيطِ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ إنْ أَمْكَنَ اسْتِيعَابُهُمْ قِسْطًا عَلَى رُءُوسِهِمْ فَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيعَابُهُمْ لِكَثْرَتِهِمْ قَسَّطَهَا عَلَى مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بِاجْتِهَادِهِ فَإِنْ اسْتَوُوا فِي اجْتِهَادِهِ تَخَيَّرَ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّهُ يُقَسِّطُهُ عَلَى رُءُوسِهِمْ لِأَنَّهُمْ اسْتَوَوْا كُلُّهُمْ فِي مِلْكٍ فَاضِلٍ عَنْ السَّنَةِ فَكُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَمُّلِ.

وَحَيْثُ كَانُوا كُلُّهُمْ كَذَلِكَ فَتَخْصِيصُ أَحَدِهِمْ تَرْجِيحٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ فَلَزِمَهُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ اسْتِيعَابَهُمْ أَنْ يُوَزِّعَهُ عَلَيْهِمْ بِاعْتِبَارِ رُءُوسِهِمْ دُونَ أَمْوَالِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِيعَابَهُمْ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي التَّخْصِيصِ فَإِنْ اسْتَوَوْا تَخَيَّرَ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مِنْ اسْتِوَاءِ غُرْمِ صَاحِبِ أَلْفٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>