لِلْمُضَحِّي كَالْكَلَإِ الْمُبَاحِ إذْ لَا وِلَايَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ اتِّحَادٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِنَائِبِ الْمَالِكِ فَلَا لِأَنَّهُ مَالٌ يَلِي تَفْرِقَتَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ وَقَدْ صَارَ النَّائِبُ وَكِيلًا عَنْ ذَلِكَ الْوَلِيِّ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ كَانَ مُقْبَضًا عَنْ غَيْرِهِ وَقَابِضًا لِنَفْسِهِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ لِيَظْهَرَ لَكَ أَنَّ تَعْلِيلَ جَوَازِ الِاتِّحَادِ بِكَوْنِهِ نَائِبَ الْمَالِك فِي غَايَةِ الْبُعْدِ وَأَنَّهُ مِنْ تَعْلِيلِ الشَّيْءِ بِمَا يُبْطِلُهُ وَيَرُدُّهُ وَقَوْلُهُ نَعَمْ الظَّاهِرُ إلَخْ بَعِيدٌ جِدًّا لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ جَوَّزَ لَهُ الْأَكْلَ كَيْفَ يَمْنَعُهُ مِنْ الِادِّخَارِ وَيُعَلَّلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا وَهَلْ هَذَا إلَّا التَّنَاقُضُ الْبَيِّنُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا يُبْطِلُ مَا قَالَهُ مِنْ جَوَازِ أَكْلِهِ وَتَعْلِيلُهُ جَوَازِ أَكْلِهِ بِأَنَّهُ كَغَيْرِهِ يُبْطِلُ مَا قَالَهُ مِنْ مَنْعِهِ مِنْ الِادِّخَارِ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ وَقَوْلُهُ بَلْ يَتْرُكُ مَا يَرَاهُ صَلَاحًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ بِكُلِّهَا وَإِنَّهُ لَا حَقَّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ فَقَطْ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ فَيُتْرَكُ وَقَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ وَقَوْلُهُ مَيَّزَ.
وَقَوْلُهُ وَزَّعَ إنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ نَعَمْ وَقَوْلُهُ إنْ رَآهُ يُشْعِرُ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ إنْ لَمْ يَرَهُ فَإِنْ رَآهُ لِحَاجَةِ مَحْجُورِهِ إلَيْهِ لَزِمَهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَقَوْلُهُ وَإِذَا ضَحَّى الْوَلِيُّ إلَخْ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اسْتَثْنَوْا مِنْ مَنْعِ التَّضْحِيَةِ عَنْ الْغَيْرِ صُوَرًا مِنْهَا تَضْحِيَةُ الْوَلِيِّ مِنْ مَالِهِ عَنْ مَحَاجِيرِهِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ أَخَذَهُ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ وَمِنْ مُقْتَضَى قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الطِّفْلِ وَالْمَجْنُونِ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُمَا مِنْ أَمْوَالِهِمَا قَالَ فَمَفْهُومُهُ جَوَازُهُ مِنْ مَالِهِ. اهـ.
وَبِنَحْوِ عِبَارَةِ الْمَاوَرْدِيُّ هَذِهِ عَبَّرَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ فَلْيُسْتَدَلَّ بِهَا أَيْضًا وَجَرَى شَيْخُ الْإِسْلَامِ صَالِحُ الْبُلْقِينِيُّ عَلَى مَا مَرَّ عَنْ وَالِدِهِ فِي تَتِمَّتِهِ وَتَدْرِيبِهِ فَقَالَ الثَّانِيَةُ الْوَلِيُّ إذَا ضَحَّى مِنْ مَالِهِ عَنْ الَّذِي تَحْتَ حِجْرِهِ مِنْ الْأَطْفَالِ وَالسُّفَهَاءِ وَالْمَجَانِينَ فَمُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ الْجَوَازُ. اهـ. إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ فِي مَنْعِ الْمُضَحِّي عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ أَكْلِ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْمَيِّتِ وَإِذْنُهُ مُتَعَذِّرٌ أَنَّ الْوَلِيَّ هُنَا إذَا ضَحَّى عَنْ مُوَلِّيهِ مِنْ مَالِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهَا انْتَقَلَتْ لِلْمَحْجُورِ.
وَإِذْنُهُ مُتَعَذِّرٌ فَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ شَيْخُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِمَا وَبِمَدَدِهِمَا لَا هُوَ وَبَعْضُ أَئِمَّةِ الْيَمَنِ لِمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ تَضْحِيَةَ الْوَلِيِّ عَنْ مُوَلِّيهِ مُتَضَمِّنَةٌ لِانْتِقَالِهَا إلَيْهِ شَرْعًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبًا وَلَا جَدًّا فَإِنْ قُلْت قَضِيَّةُ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ أَنْ لَا يَجُوزَ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا قُلْت لَيْسَ الِانْتِقَالُ إلَيْهِ هُنَا إلَّا لِتَحْصِيلِ ثَوَابِهَا تَوْسِعَةً فِي تَحْصِيلِ طُرُقِهِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ إلَّا بِالتَّصَدُّقِ مِنْهَا وَبِمَا تَقَرَّرَ فَارَقَ مَا هُنَا مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَصْدَقَ الْوَلِيُّ عَنْ مَحْجُورِهِ أَوْ دَفَعَ الثَّمَنَ عَنْهُ ثُمَّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْعَقْدُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْعُقُودِ الْمَالِيَّةِ فَأُدِيرَ عَلَيْهِ حُكْمُهَا وَمَا هُنَا الْقَصْدُ بِهِ كَمَا تَقَرَّرَ الثَّوَابُ فَوُسِّعَ لَهُ فِي طُرُقِ تَحْصِيلِهِ كَمَا وُسِّعَ لِلْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ لَكِنْ إنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِذْنِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ مُطْلَقًا وَأَلْحَقَ بِهِمَا مَنْ جُنَّ أَوْ سَفَهَ بَعْدَ كَمَالِهِ طَرَدَ اللُّبَابِ.
وَقَوْلُهُ أَقُولُ فَأَمَّا إلَخْ الْأَوْجَهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْعَقِيقَةِ وَالتَّضْحِيَةِ فَلِلْأَبِ إذَا عَقَّ عَنْ وَلَدِهِ الْأَكْلُ مِنْهَا لِأَنَّ الْأَبَ مُخَاطَبٌ بِهَا أَصَالَةً فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ كَضَحِيَّةِ نَفْسِهِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْ الْعَقِيقَةِ كَمَا لَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَّةِ نَفْسِهِ وَأَمَّا التَّضْحِيَةُ عَنْ طِفْلِهِ فَهِيَ غَيْرُ مُخَاطَبٌ بِهَا وَإِنَّمَا وُسِّعَ لَهُ فِيهَا تَحْصِيلًا لِلثَّوَابِ لِمُوَلِّيهِ لِأَنَّهَا فِدَاءٌ عَنْ نَفْسِ الْمُوَلَّى لَا يَعُودُ عَلَى الْأَبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَمَحَّضَ النَّفْعُ لِلْمُوَلِّي وَالْوُقُوعُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْعَقِيقَةِ فَإِنَّ نَفْعَهَا مِنْ كَوْنِ الْوَلَدِ بِسَبَبِهَا يَشْفَعُ لِأَبِيهِ كَمَا قَالَهُ أَئِمَّةٌ مُجْتَهِدُونَ أَمْرٌ خَاصٌّ بِالْوَلِيِّ لِعَوْدِ نَفْعِهِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ كَالْمُضَحِّي عَنْ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا هُوَ كَالْمُضَحِّي عَنْ نَفْسِهِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَعُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ تَرْدِيدَاتِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَحْضَرَ تَصْرِيحَهُمْ بِأَنَّ لِلْعَاقِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْعَقِيقَةِ كَالْأُضْحِيَّةِ عَنْ نَفْسِهِ.
وَأَنَّ الضَّحِيَّةَ عَنْ الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ لِلْمُضَحِّي الْأَكْلُ مِنْهَا وَمَنْ تَأَمَّلْ حُكْمَ ذَلِكَ وَعِلَلَهَا الَّتِي قَرَّرْتُهَا لَمْ يُبْدِ تِلْكَ التَّرْدِيدَاتِ وَلَزَالَتْ عَنْهُ تِلْكَ الظُّلْمَةُ أَزَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنَّا وَعَنْهُ ظُلْمَ نُفُوسِنَا وَحُظُوظِنَا وَبَوَّأَنَا مَنَازِلَ شُهُودِهِ وَمَعَالِيهَا إلَى أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute