تَطَوُّعٌ أَوْ نَقُولُ قَدْ صَارَتْ وَاجِبَةَ الذَّبْحِ بَعْد الْمَوْتِ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَنْذُورَةِ أَوْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُ الْجَمِيعِ لِلْفُقَرَاءِ لِأَنَّهَا حُسِبَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ الثُّلُثِ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالْأَقْرَبُ الْأَخِيرُ انْتَهَتْ وَفِيهِ بَسْطٌ مُهِمٌّ ذَكَرْتُهُ فِي حَاشِيَةِ الْإِيضَاحِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَبِهَا يُعْلَمُ ظُهُورُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَحِّي إذَا مَاتَ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ الْمُضَحَّى عَنْهُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ كَانَتْ لَهُ وِلَايَةُ التَّفْرِقَةِ وَالْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ فَثَبَتَ كُلُّ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَلَمْ يَثْبُتْ لِوَارِثِهِ شَيْءٌ مِنْهُ لِمَا ذُكِرَ.
وَلِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ حُسِبَتْ عَلَى الْفُقَرَاءِ مِنْ الثُّلُثِ أَيْ إذَا أَوْصَى بِهَا فَصَارَتْ جَمِيعُهَا مُسْتَحِقَّةً لَهُمْ وَوَرَثَةُ الْمَيِّتِ الْمُوصَى لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ ثُلُثِهِ الْمُوصِي بِهِ وَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ لِئَلَّا يَتَّحِدَ الْقَابِضُ وَالْمُقْبَضُ وَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فَلِأَنَّ الْوَصَايَا إنَّمَا تَنْصَرِفُ إلَى الْفُقَرَاءِ غَالِبًا فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ إلَيْهِمْ أَيْضًا وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ وَرَثَتُهُ أَوْ بَعْضُهُمْ صِغَارًا إلَخْ فَإِنْ أَرَادَ بِهِمْ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ الْمُضَحَّى عَنْهُ فَغَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا عَلِمْتَ أَنَّ وَارِثَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهَا لِوُجُوبِ صَرْفِ جَمِيعِهَا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا عَلِمْتَهُ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الرِّفْعَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَقَوْلُهُ فِي حِكَايَةِ كَلَامِ الْقَفَّالِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يَقُلْهُ الْقَفَّالُ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا عَلَّلَ عَدَمَ جَوَازِ أَكْلِ الْمُضَحِّي وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْ الْمَيِّتِ فَلَا يَحِلُّ الْأَكْلُ مِنْهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهَا عَنْهُ وَقَوْلُهُ بِالْقِسْطِ لِئَلَّا يَضِيعَ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ إذْ التَّقْسِيطُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَخَشْيَةُ الضَّيَاعِ لَيْسَتْ هِيَ الْمُبِيحَةُ لِلْأَكْلِ لِمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ مَمْنُوعٌ فِيمَا يَظْهَرُ ظَاهِرٌ لَكِنْ تَعْلِيلُهُ بِقَوْلِهِ لِلتَّعَلُّقِ اللَّازِمِ إلَخْ مَمْنُوعٌ إذْ التَّعَلُّقُ اللَّازِمُ لَا يَمْنَعُ الْإِرْثَ أَلَا تَرَى أَنَّ الدَّيْنَ وَالْحُقُوقَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالُهَا لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ حُجِرَ عَلَيْهِمْ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا حَتَّى لَوْ قَضَوْا الدَّيْنَ مِنْ غَيْرِهَا بِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِمْ وَلَوْ بِيعَتْ فِيهِ كَانَتْ زَوَائِدُهَا مِنْ حِين الْمَوْتِ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ مِلْكًا لَهُمْ.
وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ جَوَازُهُ إلَخْ هُوَ كَذَلِكَ لَا لِمَا ذَكَرَهُ فَحَسْبُ بَلْ لِمَا عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَصَرَّحُوا بِهِ مِنْ زَوَالِ مِلْكِ الْمُضَحَّى عَنْهَا وَعَدَمِ إرْثِهَا عَنْهُ وَإِنَّ الثَّابِتَ لِلْوَارِثِ إنَّمَا هُوَ وِلَايَةُ التَّفْرِقَةِ وَجَوَازُ الْأَكْلِ فَالْمُورَثُ لَيْسَ إلَّا الْوِلَايَةُ وَالْجَوَازُ الْمَذْكُورَانِ فَقَطْ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ فَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَيَخْلُفُ الْوَارِثَ الْمَحْجُورَ فِيهَا وَلِيَّهُ لِعَدَمِ تَأَهُّلِهِ لَهَا وَأَمَّا جَوَازُ الْأَكْلِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنُوبَ عَنْهُ فِيهِ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ لَهُ بِمَعْنَى أَنَّ لِلْوَارِثِ أَنْ يُطْعِمَهُ مِنْهَا لَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَإِذَا خَلَفَهُ وَلِيُّهُ فِي وِلَايَةِ التَّفْرِقَةِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ إطْعَامه وَحْدَهُ فَلَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ وَأَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ.
فَعُلِمَ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ جَوَازَ إطْعَام الْوَلِيِّ غَيْرَ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ مِنْهُ. اهـ. وَصَرِيحُ كَلَامِهِمْ وَلَا نَظَرَ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلْمَنْعِ إذْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حِلَّ أَكْلِ الْمُضَحَّى مِنْهَا رُخْصَةٌ إذْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ حَدُّهَا الْمُقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ هُوَ ثَابِتٌ قَبْلَ النَّسْخِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفُ وَأَتَمُّ. اهـ. مَا مُتَوَارِدَاتٌ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ مِنْهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ فَأَمَّا حِلُّهُ قَبْلَ ثَلَاثٍ وَحَلَّ الْأَكْلُ مُطْلَقًا فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ نَسْخٌ مُطْلَقًا فَتَأَمَّلْهُ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّدَقَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِيهَا لِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا نُسِخَ امْتَنَعَ النَّظَرُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فَلَا يُعْمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ وَلَا بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَأَيْضًا فَالْمَنْظُورُ إلَيْهِ فِيهَا بِطَرِيقِ الذَّاتِ إنَّمَا هُوَ إرَاقَةُ الدَّمِ لِأَنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا الصَّدَقَةُ فَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهَا كَمَا مَرَّ وَعَلَى الْوُجُوبِ فَهِيَ بِجُزْءٍ غَيْرِ تَافِهٍ فَهَذِهِ كُلُّهَا صَرَائِحُ فِي مَنْعِ مَا ذَكَرَهُ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَأَمَّا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ وَالْمَأْخَذُ الظَّاهِرُ فَهُوَ مَا ذَكَرْته وَاسْتَنْبَطْتُهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَحَرَّرْته فَلَا مَسَاغَ فِي الْعُدُولِ عَنْهُ وَقَوْلُهُ فَالظَّاهِرُ جَوَازُ أَكْلِهِ إلَخْ إنَّمَا يَتَّجِهُ عَلَى مَا قَالَهُ جَمْعٌ فِيمَنْ أَوْصَى إلَى إنْسَانٍ بِتَفْرِقَةِ ثُلُثِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ وَانْتَصَرَ لَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَأَمَّا عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِاتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبَضِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ هُنَا أَنْ يَأْخُذَ لِنَفْسِهِ شَيْئًا لِاتِّحَادِهِمَا وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ نَائِبَ الْمَالِك لِأَنَّ الْوَصِيَّ أَيْضًا نَائِبُ الْمَالِكِ.
وَقَدْ مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ نِيَابَتَهُ عَنْهُ تُقَوِّي ذَلِكَ الِاتِّحَادَ الْمَمْنُوعَ فَإِنْ قُلْت فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا قُلْت يَفْرُقُ بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute