للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَيْثُ الضَّمَانُ وَعَدَمُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ لَا مَحِيدَ عَنْهُ فَيَتَعَيَّنُ اعْتِمَادُهُ لِأَنَّ قَوَاعِدَهُمْ تُصَرِّحُ بِهِ وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْإِثْمِ فَإِنْ تَعَمَّدَ أَثِمَ لَا مِنْ حَيْثُ التَّضْحِيَةُ بَلْ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا إضَاعَةَ مَالٍ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لَمْ يَأْثَمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَكَذَا قَدْ يَتَخَيَّلُ إلَخْ.

فَهُوَ إنَّمَا يَتَّجِهُ فِي الْغَنِيِّ الَّذِي أُهْدِيَ إلَيْهِ دُونَ نَفْسِهِ وَدُونَ الْفَقِيرِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ لَا تَمْلِيكِهِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرِهِمَا خِلَافًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ كَمَا يَأْتِي فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ الْأَغْنِيَاءِ شَيْئًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بَلْ بِالْأَكْلِ وَلِذَا جَازَ إطْعَامُهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ كَمَا يَأْتِي وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ ذَلِكَ ضَحِيَّةَ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.

قَالَ فَيَمْلِكُ الْأَغْنِيَاءُ مَا يُعْطِيهِمْ مِنْهَا بِخِلَافِ الْفُقَرَاءِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ فَيَجُوزُ إطْعَامُهُمْ وَتَمْلِيكُهُمْ حَتَّى مِنْ الزَّائِدِ عَلَى مَا يَجِبُ تَمْلِيكُهُ نِيئًا وَيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ أَمَّا الْأَغْنِيَاءُ فِيمَا يُهْدَى إلَيْهِمْ فَلَا يَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ يَجُوزُ إطْعَامُهُمْ كَمَا يُطْعِمُ الضَّيْفَ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْقَمُولِيِّ نَقْلًا عَنْ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مَا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ وَلَا أَنْ يَمْلِكَهُ الْأَغْنِيَاءُ لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ وَلَهُمْ الْأَكْلُ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ.

وَنَظَرَ فِيهِ ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِهِمْ جَوَازُ الْإِهْدَاءِ إلَى الْأَغْنِيَاءِ فِي الْهِبَةِ الْمُفِيدَةِ لِلْمِلْكِ الْمُمَكِّنَةِ مِنْ التَّصَرُّفِ لَا الْإِطْعَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى هَدِيَّةً وَيُرَدُّ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ، وَغَيْرُهُ أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الَّذِينَ ذَكَرُوا الْإِهْدَاءَ بِأَنَّ الْأَصْلَ مَنْعُ أَكْلِهِمْ مِنْهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُوَسِّعَ لَهُمْ فِي غَيْرِهِ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَظَاهِرُ التَّشْبِيهِ بِالضَّيْفِ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَنِيٍّ أُهْدِيَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا إهْدَاؤُهُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحْمَلُ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ عَلَى الْإِبَاحَةِ لَا الْمِلْكِ فَلِلْمُهْدِي اسْتِرْجَاعُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْوُصُولِ لِلْمُهْدَى إلَيْهِ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْأَذْرَعِيِّ قَضِيَّةُ التَّشْبِيهِ بِالضَّيْفِ أَنَّ الْمُهْدَى إلَيْهِ لَا يَتَصَرَّفُ بِغَيْرِ الْأَكْلِ مِنْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهَا وَفِي مَنْعِهِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْإِيثَارِ بِهِ بُعْدٌ بِخِلَافِ مَنْعِهِ مِنْ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ كَالْمُضَحِّي يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ أَيْ الْبَيْعُ دُونَ الصَّدَقَةِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ فَيُرَدُّ بِأَنَّهُ لَا بُعْدَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ كَالْمُضَحِّي لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ التَّفْرِقَةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِجَوَازِ التَّصَدُّقِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ بِخِلَافِ الْمُهْدَى إلَيْهِ. اهـ. مَا فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ أَمَّا الْفَقِيرُ فَوَاضِحٌ لِمَا عُلِمَ أَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَأَوْلَى إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَأَمَّا الْمُضَحِّي فَلَمَّا عَلِمَ أَيْضًا أَنَّ لَهُ التَّصَرُّفَ بِالْأَكْلِ وَالصَّدَقَةِ وَإِطْعَامِ الْغَيْرِ وَإِطْعَامِ نَحْوِ الْهِرَّةِ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ.

وَأَمَّا الْغَنِيُّ الْمُهْدَى إلَيْهِ فَلِمَا عُلِمَ أَنَّهُ إبَاحَةٌ لَهُ وَأَنَّهُ كَالضَّيْفِ وَقَدْ صَرَّحُوا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَدُّقُ وَلَا إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْتُهُ فِي الْمُضَحِّي قَوْلُهُمْ يَجُوزُ لَهُ شُرْبُ مَا فَضَلَ مِنْ لَبَنِ الْمَنْذُورَةِ عَنْ رِيِّ وَلَدِهَا وَأَنْ يَسْبِقَهُ غَيْرُهُ أَيْ وَلَوْ وَلَدَ دَابَّةٍ أُخْرَى فَكَمَا جَازَ لَهُ سَقْيُ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ إطْعَامُ نَحْوِ الْهِرَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا إلَى قَوْلِهِ اهـ ظَاهِرٌ.

وَمِنْ ثَمَّ قُلْت فِي شَرْحِ الْعُبَابِ فَرْعٌ مَاتَ الْمُضَحِّي وَعِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ وَإِهْدَاؤُهُ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ لَهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَكِنْ لِوَارِثِهِ وِلَايَةُ الْقِسْمَةِ وَالتَّفْرِقَةِ وَالْإِهْدَاءِ وَالْأَكْلِ كَمَا كَانَ لَهُ ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ. اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا يُشْكِلُ ذَلِكَ بِمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ وَتَعْلِيلِهِ دَفَعَ الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ حِينَ مَوْتِهِ إلَخْ فَتَخَيُّلُ الْأَشْكَالِ بِذَلِكَ بَعِيدٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ سَوْقِ كَلَامِ الْقَفَّالِ وَعِبَارَةِ شَرْحِ الْعُبَابِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ أَيْ جَوَازُ الْأَكْلِ لِلْمُضَحِّي إذَا ضَحَّى عَنْ نَفْسِهِ فَلَوْ ضَحَّى عَنْ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ كَمَيِّتٍ أَوْصَى بِذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَفَّالُ فِي الْمَيِّتِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتْ عَنْهُ أَيْ الْمَيِّتِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَيْ الْمُضَحِّي الْأَكْلُ مِنْهَا إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ الْمَيِّتِ.

وَقَدْ تَعَذَّرَ فَيَجِبُ التَّصَدُّقُ عَنْهُ بِجَمِيعِهَا وَاعْتَمَدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمَطْلَبِ هَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَالْإِهْدَاءِ نَظَرًا إلَى أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>