وَالْمَالِكُ لَهُ الِاسْتِبْدَادُ بِذَلِكَ نَعَمْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِادِّخَارُ لِيَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا بِتَرْكِ مَا يَرَاهُ صَلَاحًا لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِمْ وَيَتَصَدَّقُ بِالْبَاقِي فِي الْحَالِ.
وَإِذَا كَانُوا جَمَاعَةً أَوْ اثْنَيْنِ مَيَّزَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَبْل أَنْ رَآهُ وَإِنْ اتَّفَقَتْ حَاجَتُهُمْ وَضَافَ الشَّيْءُ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ بِالسَّوِيَّةِ تَشْبِيهًا بِالْغَانِمِينَ فِي طَعَامِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ وُصُولِهِمْ أَوْطَانِهِمْ فَيَكُونُ كُلٌّ مُخْتَصًّا بِمَا مُيِّزَ لَهُ لَا مِلْكًا وَيَتَعَيَّنُ التَّصَدُّقُ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ ضَعِيفًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَأْكُلَ اللَّحْمَ وَخَشِيَ تَغَيُّرَهُ إذْ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ وَلَهُ نَظِيرٌ مِنْ الشَّرْعِ هَذَا مَا تَقَرَّرَ لِي بَعْدَ النَّظَرِ وَالْبَحْثِ وَإِنْ كَانَ نُقِلَ بِخِلَافِهِ فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَهُوَ أَوْلَى فَلْيُنْظَرْ فِيهِ وَإِذَا ضَحَّى الْوَلِيُّ عَنْ صَغِيرٍ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالَ شَيْخُنَا عَبْدُ اللَّهِ أَبُو فَضْلٍ الظَّاهِرُ مَنْعُ أَكْلِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَقْدِرُ أَنَّهُ مَلَكَهَا فِي ضِمْنِ التَّضْحِيَةِ قَبْلَهَا أَقُولُ وَمَا قَدَّرَهُ مُمْكِنٌ ظَاهِرٌ إذَا كَانَ الْوَلِيُّ أَبًا أَوْ جَدًّا يَتَوَلَّى طَرَفَيْ التَّمْلِيكِ وَفِي غَيْرِهِ نَظَرٌ وَقَدْ أَفْتَى بَعْضُ أَئِمَّةِ الْيَمَنِ بِجَوَازِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ تَقْدِيرِ انْتِقَالِ مِلْكٍ إلَيْهِ.
قَالَ شَيْخُنَا وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْهُ لِأَنَّ الْأَبَ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا لِنَفْسِهِ أَقُولُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ الضَّحِيَّةُ مِثْلَهَا وَيَتَصَرَّفُ الْأَبُ فِيهَا كَضَحِيَّةِ نَفْسِهِ وَإِمَّا أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا غَيْرَ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَتَصِحُّ مِنْهُمَا بِتَقْدِيرِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ ثُمَّ يَتَضَيَّقُ الْأَمْرُ فِيهَا بِأَنْ يُطْعِمَ مِنْهَا الصَّبِيَّ فَقَطْ وَيَكُونُ فِي التَّصَدُّقِ بِشَيْءٍ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي لَحْمِ الضَّحِيَّةِ الْمُخَلَّفِ عَنْ الْمَيِّتِ وَفِي ذَلِكَ كُلِّهِ ظُلْمَةٌ أَزَالَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسَائِرَ الظُّلُمَاتِ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ فَالْمَسْئُولُ مِمَّنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الدِّينِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَنَفَعَ بِهِمْ إمْعَانُ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ مَا ظَهَرَ لَهُ فِيهِ بِنَقْلٍ أَوْ بَحْثٍ بِإِيضَاحٍ بَيِّنٍ لَا أَخَلَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مِنْهُمْ آمِينَ.
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعُلُومِهِ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَوْلُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِبَرَكَتِهِ وَعُلُومِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ إتْلَافُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَخْ ظَاهِرٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَوْ أَتْلَفَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُقْتَضَى كَلَامِهِمْ إلَخْ مَمْنُوعٌ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْقَدْرَ الَّذِي يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَذَلِكَ لَيْسَ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرَّحُوا بِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُتْلِفَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا بَلْ يَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهُ أَيْضًا لِأَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ أَنَّ يَدَهُ عَلَيْهِ يَدُ أَمَانَةٍ وَهَذَا حُكْمُهَا وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ أَتْلَفَ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى ذَلِكَ كَانَ ذَبْحُهَا وَتَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ وَأَتْلَفَ مَا عَدَاهُ قَبْلَ التَّصَدُّقِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَيْسَ الضَّمَانُ حِينَئِذٍ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ.
وَإِنَّمَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ بَلْ صَرِيحُهُ عَدَمُ الضَّمَانِ إذْ لَوْ ضَمِنَهُ لَضَمِنَهُ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِقَدْرِ الْوَاجِبِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لِأَكْلِ الْجَمِيعِ وَإِنْ نُدِبَ لَهُ التَّصَدُّقُ بِهِ فَلَوْ قُلْنَا بِوُجُوبِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَهُ لَضَمِنَهُ لِنَفْسِهِ وَضَمَانُ الْإِنْسَانِ مُتْلَفَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَا يَئُولُ إلَى نَفْسِهِ مُمْتَنِعٌ ظَاهِرُ الِامْتِنَاعِ وَالِاسْتِحَالَةِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ وَهُوَ بِالتَّضْحِيَةِ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ وَإِنْ زَالَ بَقِيَ لَهُ اسْتِحْقَاقُ الْأَكْلِ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ بَعْدَ إخْرَاجِ الْقَدْرِ الْوَاجِبِ شَيْءٌ لِغَيْرِهِ فَانْحَصَرَ الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَضْمَنُ لِنَفْسِهِ شَيْئًا انْحَصَرَ اسْتِحْقَاقُهُ لَهُ فَالِاسْتِحَالَةُ بَاقِيَةٌ.
فَإِنْ قُلْت كَلَامُهُمْ فِي إتْلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلْوَقْفِ الَّذِي عَلَيْهِ يُنَافِي ذَلِكَ قُلْت لَا يُنَافِيهِ لِظُهُورِ فُرْقَانِ مَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ ثَمَّ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بَلْ مَنْ بَعْدَهُ يَسْتَحِقُّهُ أَيْضًا فَضَمِنَهُ لِأَجْلِ غَيْرِهِ وَهُنَا لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ اسْتِحْقَاقٌ فِيهِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَضْمَنْهُ وَأَيْضًا فَالْوَقْفُ فِيهِ نَاظِرُهُ إمَّا عَامٌّ أَوْ خَاصٌّ يُطَالِبُ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ وَهُنَا لَا مَطَالِبَ وَأَيْضًا فَالْقَصْدُ بِالْوَقْفِ الدَّوَامُ فَلَوْ لَمْ يَضْمَنْ لَنَا فِي مَقْصُودَهُ وَالْقَصْدُ مِنْ التَّضْحِيَةِ إرَاقَةُ الدَّمِ مَعَ إرْفَاقِ الْمَسَاكِينِ بِأَدْنَى جُزْءٍ مِنْهَا غَيْرِ تَافِهٍ وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ فَلَا وَجْهَ لِلضَّمَانِ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِنَا كَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَابْنِ الْوَكِيلِ قَالُوا إنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَكْلُ الْجَمِيعِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَاصِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُ - لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّضْحِيَةِ أَتَمَّ. اهـ. وَالتَّقَرُّبُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ فَحَسْبُ وَأَمَّا الضَّحِيَّةُ بَعْدَ الذَّبْحِ فَكَسَائِرِ الذَّبَائِحِ غَيْرِهَا وَعَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ مُطْلَقًا وَكَذَا يُقَالُ فِي جِلْدِهَا وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ الِانْتِفَاعُ بِعَيْنِهِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً دُونَ نَحْوِ بَيْعِهِ هَذَا حُكْمُ الْإِتْلَافِ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute