للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَائِعِ أَوْ الْوَاقِفِ إلَى هَذَا الْحَدِّ وَيَكُونُ الْحَدُّ مَشْهُودًا بِهِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْوَاقِعَ كَمَا شَهِدْنَا أَنَّ الشُّهُودَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْوَقْفِ إنَّمَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الْإِقْرَارِ فَقَوْلُ الْمُقِرِّ دَارِي عَلَى جَارِهِ بِأَنَّ مِلْكَهُ يَنْتَهِي إلَى ذَلِكَ الْحَدِّ وَالْجَارُ لَمْ يُصَدِّقْهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْشَاءِ فَهُمْ إنَّمَا سَمِعُوا قَوْلَ الْمُنْشِئ وَالْغَالِبُ أَنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ فِي كِتَابَةِ الْحُدُودِ وَالصِّفَاتِ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَكَذَا رَأَيْنَا الْكُتَّابَ وَالْوَرَّاقِينَ وَالشُّهُودَ يَفْعَلُونَ وَلَا يُحِيطُ عِلْمُهُمْ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ وَالشُّهُودِ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ يَعْرِفُونَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَنَّ الدَّارَ الْفُلَانِيَّةَ وَالضَّيْعَةَ الْفُلَانِيَّةَ مِلْكٌ لِفُلَانِ وَلَوْ سُئِلُوا عَنْ تَحْرِيرِ حُدُودِهَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ وَلَمْ يُحَرِّرُوهُ وَلَا يَشْهَدُوهُ فَلَا يُكْتَفَى بِإِطْلَاقِ شَهَادَتِهِمْ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فِي ذَلِكَ وَلَا بِذِكْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الصِّفَةِ وَالتَّعْرِيفِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مَشْهُودًا بِهِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّا نَشْهَدُ بِالْحُدُودِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ انْتِزَاعُهُ بِبَيِّنَةٍ أَمَّا بِدُونِ ذَلِكَ فَمَتَى انْتَزَعْنَاهُ بِدُونِ بَيِّنَةٍ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» .

فَاَلَّذِي أَرَاهُ هُنَا فِي حُكْمِ الْفَرْعِ أَنَّ الْيَمِينِ هُنَا عَلَى صَاحِبِ الْيَدِ وَلَا يُنْزَعُ وَلَا تُرْفَعُ يَدُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ صَرِيحَةٌ بِأَنَّ الَّذِي فِي يَدِهِ مِلْكٌ لِغَيْرِهِ لِمَا قُلْنَا وَلِأُمُورٍ أُخْرَى مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ أَمَسُّ فِي قَبُولِهَا خِلَاف وَالْكُتُبُ الْقَدِيمَةُ كَذَلِكَ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَسْمَاءَ قَدْ تَتَغَيَّرُ وَالْأَحْوَالَ قَدْ تَتَغَيَّرُ فَقَدْ يَكُونُ الِاسْمُ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ الْقَدِيمِ فِي حَدٍّ نُقِلَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ قَدْ يَقْوَى بَعْضَ الْأَوْقَاتِ وَقَدْ يَضْعُفُ لَكِنَّ مَقْصُودَنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي دَفْعِهِ مِنْ شَهَادَةٍ صَرِيحَةٍ حَتَّى يَكُونَ انْتِزَاعًا بِبَيِّنَةٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ طَرَأَ نَاقِلٌ لِبَعْضِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهَذَا فِي الْمِلْكِ مُحْتَمَلٌ احْتِمَالًا قَوِيًّا وَفِي الْوَقْفِ أَيْضًا مُحْتَمَلٌ مُبَادَلَةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَاهَا وَمِنْهَا أَنَّ الِاشْتِمَالَ عَلَى مَا يَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ عُمُومٌ.

وَقَدْ يَكُونُ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِإِخْرَاجِ بَعْضِهِ وَقُدِّمَتْ لِأَنَّهَا خُصُوصٌ وَتَكُون الْيَدُ مُسْتَنِدَةً إلَيْهَا وَالْخُصُوصُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعُمُومِ فَلَا يُكْتَفَى فِي رَفْعِ الْيَدِ الْخَاصَّةِ بِالْبَيِّنَةِ الْعَامَّةِ حَتَّى يُصَرَّحُ بِالْخُصُوصِ بَلْ أَقُولُ إنَّ الْيَدَ عَلَى الْبَعْضِ خُصُوصٌ وَالْبَيِّنَةَ بِالْكُلِّ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِذَلِكَ الْبَعْضِ عُمُومٌ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ دَلَالَةِ الْكُلِّ عَلَى أَجْزَائِهِ وَلَيْسَ بِعُمُومٍ فِي الِاصْطِلَاحِ لَكِنْ لِضَعْفِهِ يَصِيرُ كَدَلَالَتِهِ عَلَى جُزْئِيَّاتِهِ بِأَدَاةِ الْعُمُومِ لَا سِيَّمَا فِي الْحُدُودِ فَقَدْ كَثُرَ فِيهَا ذَلِكَ وَضَعُفَتْ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ دَفْعًا لِمَا يَتَمَسَّكُ مِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي قَدْ تَقُومُ بِالْمِلْكِ وَالْحِيَازَةِ فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ إنَّهَا رَافِعَةٌ لِلْيَدِ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ فَهَلْ مَا قَالَهُ مَعْمُولٌ بِهِ مُطْلَقًا أَوْ لَا وَفِيهِ تَفْصِيلٌ.

(الْجَوَابُ) مَا قَالَهُ فِي ذَلِكَ مَبْنِيٌّ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ أَوَاخِرَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَةٍ ذَكَرهَا قَبْلَ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا وَقَالَ إنَّ بَيْنَهُمَا تَشَابُهًا وَتِلْكَ الْمَسْأَلَةُ هِيَ قَوْلُهُ فَرْعٌ لَيْسَ بِمَنْقُولٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَفْتَى فِيهِ بِالْقَاهِرَةِ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً تَتَبَّعَ كَثِيرًا فِي مَكَاتِيبَ أَقَرَّ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ مَثَلًا لِفُلَانٍ بِكَذَا وَتَذَيَّلَ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ بِذَلِكَ وَهَمَ ذَاكِرُونَ لِلشَّهَادَةِ وَأَدَّوْهَا وَذَلِكَ الْمَكْتُوبُ بِشَهَادَتِهِمْ وَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي نَسَبِ زَيْدٍ وَرُبَّمَا يَكُونُ فِي الْمَكْتُوبِ أَنَّهُ شَرِيفٌ حَسَنِيٌّ أَوْ حُسَيْنِيٌّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْصِدُ إثْبَاتَهُ وَيُقَال إنَّ هَذَا الْمَكْتُوبَ ثَابِتٌ عَلَى الْقَاضِي الْفُلَانِيِّ فَهَلْ ذَلِكَ مُسْتَنَدٌ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَنَدًا صَحِيحًا فِي إثْبَاتِ نَسَبِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ إنَّمَا هُوَ إقْرَارٌ بِكَذَا لِلْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالَيْنِ تَارَةً لَا يَعْرِفُهُ الشُّهُودُ فَيَشْهَدُونَ بِحِلِّيَّتِهِ وَالْأَخْلَصُ حِينَئِذٍ أَقَرَّ مَنْ ذَكَرَ أَنَّ اسْمَهُ كَذَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ لَا يَشْهَدُونَ إلَّا عَلَى شَخْصِهِ فَهَذَا الْإِشْهَادُ فِيهِ نَسَبٌ وَتَارَةً لَا يَكْتُبُ الشُّهُودُ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِمْ وَهُوَ تَقْصِيرٌ مِنْهُمْ.

وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا لِأَنَّهُ قَدْ كَثُرَ ذَلِكَ وَعُرِفَ أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّخْصِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَقُولُوا هُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ تَطُولُ مُعَاشَرَةُ الْإِنْسَانِ لِآخَرَ وَلَا يَعْرِفُ نَسَبُهُ فَإِذَا شَهِدَا عَلَيْهِ اعْتَمَدَا عَلَى إخْبَارِهِ أَوْ إخْبَارِ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ عِنْدَهُ ظَنٌّ قَوِيٌّ يُسَوِّغُ لَهُ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ النَّسَبِ بَلْ كَثِيرٌ مِمَّنْ اشْتَهَرَ بَيْن النَّاسِ بِالشَّرَفِ وَيُطْلِقُونَهُ عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فِي مُخَاطَبَاتِهِمْ وَلَوْ سُئِلُوا بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِالشَّرَفِ لَامْتَنَعُوا وَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>