لَهُ رَدًّا وَمِنْهُ طَلَاقٌ قَبْلَ الْوَطْءِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الرُّجُوعِ بِذَلِكَ مَعَ الْبَسْطِ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي أَوَاخِرِ بَابِ الصَّدَاقِ وَتَبِعُوهُ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى قَبْضِ مَالٍ فَقَالَ دَفَعْته صَدَاقًا وَقَالَتْ بَلْ هَدِيَّةً فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ تَلَفَّظَ وَاخْتَلَفَا هَلْ قَالَ خُذِي هَذَا صَدَاقًا أَمْ قَالَ هَدِيَّةً فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لَفْظٌ وَاخْتَلَفَا فِيمَا نَوَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ أَيْضًا وَقِيلَ بِلَا يَمِينٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ أَوْ غَيْرِهِ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ وَقَعَ عَنْهُ وَإِلَّا فَإِنْ تَرَاضَيَا بِبَيْعِهِ بِالصَّدَاقِ فَذَاكَ وَإِلَّا اسْتَرَدَّ وَأَدَّى الصَّدَاقَ فَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَلَهُ الْبَدَلُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَقَعُ التَّقَاصُّ اهـ.
كَلَامُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَدَّى الصَّدَاقَ فَأَمَّا إذَا أَدَّاهُ فَلَا يَسْتَقِيمُ قَوْلُهُ دَفَعْته مِنْ الصَّدَاقِ وَلَا يُعْلَمُ حُكْمُ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ اهـ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُصَدَّقُ الدَّافِعُ فِي نِيَّتِهِ أَيْضًا أَخْذًا مِمَّا فِي الرَّوْضِ فِي الْقَرْضِ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِكَيْفِيَّةِ إزَالَةِ يَدِهِ عَنْ مِلْكِهِ وَقَالَ ابْنُ الْعِمَادِ عَقِبَ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ صُوَرٍ الْأُولَى أَنْ يَبْعَث بِهِ بَعْد الْعَقْدِ وَيُصَرِّح بِكَوْنِهِ هَدِيَّةَ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ قَدْ سَلَّطَهُمْ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَهُوَ كَتَقْدِيمِ طَعَامٍ لِضَيْفٍ وَقَالَ كُلْهُ وَطَلَب مِنْهُ عِوَضَهُ لَا يَلْزَمُهُ لَهُ عِوَضٌ الثَّانِيَةُ أَنْ يُصَرِّحَ بِكَوْنِهِ مِنْ الصَّدَاقِ فَيَرْجِعُ قَطْعًا الثَّالِثَةُ أَنْ يَبْعَثَ بِهِ عَلَى صُورَةِ الْهَدِيَّةِ وَهُوَ سَاكِتٌ وَلَهُ حِينَئِذٍ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَنْوِيَ الْهَدِيَّةَ فَلَا يَحِلُّ لَهُ الرُّجُوع ثَانِيهَا أَنْ يُطْلِقَ فَلَا يَحِلّ لَهُ الرُّجُوعُ أَيْضًا لِتَسْلِيطِهِ إيَّاهُمْ عَلَى الْأَكْلِ بِغَيْرِ نِيَّةِ عِوَضٍ ثَالِثُهَا أَنْ يَنْوِيَ جَعْلَهُ مِنْ الصَّدَاقِ.
فَلَهُ الرُّجُوعُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبْعُوثُ بِهِ مِنْ جِنْسِ الصَّدَاقِ أَمْ لَا كَالطَّعَامِ رَابِعُهَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَ إجَابَةِ الْخِطْبَةِ فَيَبْعَثُ لَا عَلَى قَصْدِ الْهَدِيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ بَلْ عَلَى قَصْدِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبْعُوثُ مِنْ الصَّدَاقِ الَّذِي يُعْقَدُ عَلَيْهِ النِّكَاحُ فَإِذَا رُدَّتْ الْخِطْبَة أَوْ رَغِبَ عَنْهُمْ وَكَانَ الْبَعْثُ عَلَى نِيَّة شَرِيطَة أَنْ يُزَوِّجُوهُ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَبْعُوثُ مِنْ الصَّدَاقِ فَالْوَجْهُ الرُّجُوعُ وَهُوَ مَا أَفْتَى بِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ تَقِيُّ الدِّينِ بْن رَزِين - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَفْتَى الْبَغَوِيّ أَنَّ الْأَبَ لَوْ خَطَبَ لِابْنِهِ امْرَأَةً وَأَهْدَى لَهَا هَدِيَّةً ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَتَّفِقْ تَزْوِيجٌ بِأَنَّ الْهَدِيَّةَ تَكُونُ تَرِكَةً لِلْأَبِ وَهَذَا ظَاهِرٌ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْهَدِيَّةِ.
فَإِنْ صَرَّحَ بِهَا لَمْ يَرْجِعْ وَإِنْ نَوَى الْعِوَضِيَّةَ لِتَسْلِيطِهِمْ عَلَى الْإِتْلَافِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَوَقَعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي التَّنْقِيحِ غَيْرَ مُنَقَّحَةٍ لِعَدَمِ اسْتِحْضَارِهِ لِكَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْهَدِيَّةِ فَلِأَنَّ نَفْسَهُ لَمْ تَطِبْ بِهِ إلَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يُزَوِّجُوهُ وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَظِيرَ هَذَا فِي كِتَاب اللِّعَانِ فَقَالَ لَوْ قَالَ الدَّلَّالُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنَّ الْبَائِعَ ظَلَمَهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أُجْرَةَ الدَّلَالَةِ فَارْتَغَمَ لَهُ الْأَجْنَبِيُّ وَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَكَانَ كَاذِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ وَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ عَدَمَ الْإِعْطَاءِ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ» وَلِهَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ أَنَّ مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَأَطْعِمُوهُ شَيْئًا حَيَاءً مِنْهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الْأَكْلُ قَالَ وَالْغَصْبُ نَوْعَانِ غَصْبُ اسْتِيلَاءٍ وَغَصْبُ اسْتِحْيَاءٍ فَغَصْبُ الِاسْتِيلَاءِ أَخْذُ الْأَمْوَالِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيلَاءِ وَالْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَغَصْب الِاسْتِحْيَاءِ هُوَ أَخْذُهُ بِنَوْعٍ مِنْ الْحَيَاءِ قَالَ وَهُمَا حَرَامَانِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْإِكْرَاهِ عَلَى أَخْذِ الْأَمْوَالِ بِالسِّيَاطِ الظَّاهِرَةِ وَبَيْن أَخْذِهِ بِالسِّيَاطِ الْبَاطِنَةِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَر إنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ ثُمَّ أَنَّهُ سَلَّمَ الْبَائِعَ ثَمَنًا حَرَامًا فَسَلَّمَهُ الْمَبِيعَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْله وَلَا التَّصَرُّفُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَلَكَهُ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَهُ حَقُّ الْحَبْسِ وَهُوَ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَبِيعَ إلَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُ حَلَالٌ، وَكَذَا لَوْ أَظْهَرَ شَخْصٌ الْفَقْرَ وَأَخْفَى الْغَنَاءَ فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ فَقْرِهِ حُرِّمَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاسْتُدِلَّ لَهُ «بِأَنَّ فَقِيرًا مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ فَوُجِدَ مَعَهُ دِينَارٌ فَقَالَ كَيَّةٌ مِنْ نَارٍ وَمَاتَ آخَرَ مِنْهُمْ وَخَلَفَ دِينَارَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ» وَإِنَّمَا اسْتَحَقَّ النَّارَ لِأَنَّهُ أَخْفَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute