نُعْطِيه لَهُ يَقُومُ دَخْلُهُ مَعَ دَخْلِ الْحِرْفَةِ بِكِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مُمَوَّنِهِ بِحَسَبِ اللَّائِق بِهِ وَبِهِمْ عَلَى الدَّوَامِ أَيْضًا وَأَمَّا مَنْ يُحْسِنُ التِّجَارَةَ فَإِنَّهُ يُعْطَى رَأْسَ مَالٍ يَكْفِيه رِبْحُهُ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْعَادَةِ بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُهُ هُوَ وَمُمَوَّنُهُ كَمَا ذُكِرَ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِحَدٍّ وَذِكْرُهُمْ إعْطَاءِ الْبَقَّالِ وَالْجَوْهَرِيِّ وَالصَّيْرَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَشْيَاءَ مَخْصُوصَةً ذَكَرُوهَا وَحَدَّدُوهَا إنَّمَا هُوَ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مُنَاسِبًا لِعُرْفِ زَمَنِهِمْ كَمَا أَشَارُوا إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ عَقِبَ تِلْكَ الْمَقَادِيرِ تَقْرِيبًا وَأَمَّا مَنْ مَعَهُ مَالٌ وَهُوَ لَا يَكْفِيه الْعُمْرَ الْغَالِبَ بِأَنْ يَكُونَ لَوْ وَزَّعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ الَّذِي يَعِيشُ إلَيْهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَهُوَ مَا بَيْن السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ لَا يَكْفِيه بَلْ يَنْقُصُ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ وَلَا يُحْسِنُ كُلٌّ مِنْهُمَا حِرْفَةً وَلَا تِجَارَةً فَإِنَّهُ يُعْطَى كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ أَرْضٌ أَوْ عَقَارٌ يَكْفِيه كَمَا مَرَّ غَلَّتهَا عَلَى الدَّوَامِ فَفِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ يُضَمُّ إلَى الْعَشَرَةِ الْآلَافِ الَّتِي مَعَهُ قَدْرٌ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَرَى بِهِمَا مَحَلٌّ كَفَاهُ دَخْلُهُ عَلَى الدَّوَامِ.
وَمَحَلُّهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ مَا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَشَرَةُ الْآلَافُ يَفِي رِبْحُهَا بِخَرْجِهِ إنْ كَانَ يُحْسِنُ تِجَارَةً أَوْ لَا يَشْتَرِي بِهَا مَا يَكْفِيه غَلَّته إنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا فَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ يُضَمُّ إلَيْهَا مَا يَشْتَرِي بِهِ مَا تَكْفِيه غَلَّته أَمَّا إذَا كَانَتْ تِلْكَ الْعَشَرَةُ الْآلَافُ يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا مَا تَكْفِيه غَلَّته أَوْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَّجِرَ فِيهَا بِمَا يَفِي رِبْحُهُ بِخَرْجِهِ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ الْآنَ غَنِيٌّ وَالْحَاصِلُ أَنَّا نَعْتَبِرُ إنْفَاقَ عَيْنِ الْمَالِ الَّذِي بِالْيَدِ إلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ وَلَا يُحْسِنُ فِيهِ تِجَارَةً وَلَا كَسْبًا وَلَوْ أَنْفَقَهُ بَقِيَّةَ عُمْرِهِ لَمْ يَكْفِهِ الْكِفَايَةَ السَّابِقَةَ فَهَذَا مِسْكِينٌ فَيُعْطَى شَيْئًا يُضَمُّ إلَى ذَلِكَ الْمَالِ وَيُشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا تَكْفِيه غَلَّته وَأَمَّا مَا عَدَا هَذِهِ الصُّورَةَ فَمَنْ لَهُ حِرْفَةٌ أَوْ تِجَارَةٌ وَلَا يَكْفِيه دَخْلُهَا فَإِنَّهُ يُكَمَّلُ لَهُ بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ مَا يَضُمُّ رِبْحهُ إلَى رِبْحِ حِرْفَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ بِحَيْثُ يَكْفِيه هَذَا حَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الِاعْتِنَاءُ بِفَهْمِهِ وَتَحْرِيرِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ قَدْ كَثُرَ فِيهَا اخْتِلَافُ أَنْظَارِ الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَتَغْلِيظُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فِي بَعْضِ تَفَاصِيلِهَا.
وَمِنْ ثَمَّ شَنَّعَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ عَلَى الْأَئِمَّةِ فِيهَا وَقَالَ إنَّ الْمُلُوكَ يَأْخُذُونَ الزَّكَاةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ مَا يَكْفِيهِمْ الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَمَا دَرَى أَنَّهُ هُوَ الْأَحَقُّ بِالتَّشْنِيعِ لِأَنَّهُ لَوْ تَأَمَّلَ مَا قَرَّرْنَاهُ لَعَلِمَ أَنَّ الْمُلُوكَ وَنَحْوَهُمْ لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا فَإِنَّ لَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالْمَتَاجِرِ وَغَيْرِهِمَا مَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِمْ وَكُلُّ مَنْ لَهُ ذَلِكَ فَهُوَ غَنِيٌّ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إمَّا فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ وَكَذَلِكَ يَنْدَفِعُ بِمَا تَقَرَّرَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَنَّ إعْطَاءَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ حِرْمَانُ أَكْثَرِ الْمُسْتَحَقِّينَ إذْ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِي مُسْتَحَقِّيهَا الْعُمْرَ الْغَالِبَ وَوَجْهُ انْدِفَاعِ هَذَا مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا يُعْطَى حَيْثُ اتَّسَعَ الْمَالُ نَقْدًا وَإِنَّمَا يُشْتَرَى لَهُ بِهِ مَا يَفِي دَخْلُهُ بِخَرْجِهِ فَإِنْ قَلَّ الْمَالُ أُعْطِيَ كُلَّ مَا تَيَسَّرَ لَهُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُشَارِكُ الْقَادِمُ بَعْدَ الْحَوْلِ الْمَوْجُودِينَ عِنْدَهُ وَهَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ ومَنْ يَكْتَسِبُ بَعْضَ السَّنَةِ فَقَطْ هَلْ يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانُوا غَيْرَ مَحْصُورِينَ شَارَكَهُمْ الْقَادِمُ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَسْتَحِقُّونَهَا بِالْقِسْمَةِ وَإِنْ انْحَصَرُوا فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ لَمْ يُشَارِكْهُمْ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا يَوْمَ الْوُجُوبِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ طَرَأَ غِنَاهُمْ بَعْدَهُ لَمْ يُؤَثِّرْ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ أُعْطِيَ نَصِيبُهُ لِوَارِثِهِ وَلَوْ غَنِيًّا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُهَا بِطَرِيقِ التَّلَقِّي عَنْ الْمُسْتَحِقِّ لَهَا وَقْتَ الْوُجُوبِ لِوُجُودِ وَصْفِ الِاسْتِحْقَاقِ فِيهِ وَمِنْ ثَمَّ جَوَّزَ السُّبْكِيّ الِاعْتِيَاضَ عَنْهَا حِينَئِذٍ لِأَنَّهَا بِدُخُولِ وَقْتِ وُجُوبِهَا بَلَغَتْ مَحَلَّهَا وَمَلَكهَا مُسْتَحَقُّهَا فَاعْتِيَاضُهُ عَنْهَا بَعْدَ ذَلِكَ اعْتِيَاضٌ عَنْ مَمْلُوكٍ لَا عَنْ زَكَاةٍ يَتَفَرَّعُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُزَكِّي لَوْ كَانَ وَارِثَ الْكُلِّ أَوْ بَعْضِهِمْ سَقَطَ بِمَوْتِ الْمُسْتَحِقِّ بَعْدَ الْوُجُوبِ قَدْرَ الزَّكَاةِ عَنْ الْمُزَكِّي لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إلَيْهِ بِالْمَوْتِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِتَقْدِيرِ قَبْضٍ لِئَلَّا يَلْزَمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَابِضٌ مُقْبِضٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ مُتَعَذَّرٌ شَرْعًا وَمَنْ غَابَ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَوَكَّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ وَقْتَ الْقِسْمَةِ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ وَالْأَوْجَهُ وِفَاقًا لِابْنِ رَزِينٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لِلْمُوَكَّلِ وَهُوَ غَائِبٌ فَلَوْ وَقَعَ الدَّفْعُ مَعَ غَيْبَتِهِ كَانَ فِيهِ نَقْلُ الزَّكَاةِ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute