فِيهِ فَلَزِمَهُ قَبُولُهُ، وَتَعْلِيلُ مُقَابِلِ كَلَامِ الْقَاضِي الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ كَثِيرُونَ بِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ، يُرَدُّ بِأَنَّهُ.
وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ لَكِنْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الرَّدِّ حِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ وَالتَّعْلِيلُ بِاتِّحَادِ الصَّفْقَةِ وَتَفْرِيقِهَا بِمُجَرَّدِهِ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ وَإِنَّمَا وَجْهُ الْعِلَّةِ مَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ غَالِبًا فَآلَتْ الْعِلَّتَانِ إلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ وَهُوَ انْتِفَاءُ الضَّرَرِ. وَهُوَ مُنْتَفٍ فِيمَا قَالَهُ الْقَاضِي فَكَانَ هُوَ الْحَقِيقِيُّ بِالِاعْتِمَادِ وَمِمَّنْ اعْتَمَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنَّهُ رَجَّحَ أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ الضَّرَرُ وَكَذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ لِرُجُوعِ الْكُلِّ إلَيْهِ قَالَ: وَمِثْلُهُ لَوْ وَهَبَهُ مِنْهُ اهـ فَانْظُرْ إلَى كَوْنِهِمْ أَلْزَمُوا الْبَائِعَ بِالْقَبُولِ حِينَئِذٍ لِعَدَمِ الضَّرَرِ فَقِيَاسُهُ أَنْ يُلْزَمَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا لِعَدَمِ الضَّرَرِ فِيهَا بِوَجْهٍ فَإِنَّا إذَا أَلْزَمْنَاهُ بِالْقَبُولِ، لَا نُلْزِمُهُ بِكُلِّ الثَّمَنِ وَإِنَّمَا نُلْزِمُهُ مِنْ الثَّمَنِ بِقِسْطِ غَيْرِ الْمُسْتَحَقِّ وَإِنَّمَا خَيَّرْنَاهُ فَوْرًا بِعَيْبِ التَّبْعِيضِ وَبِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ لَهُ كَمَا مَرَّ، زَالَ هَذَا الْعَيْبُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِذَا قُلْنَا بِسُقُوطِ خِيَارِهِ وَبِهِ فَارَقَ مَا لَوْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَأَرَادَ الرَّدَّ بِهِ فَقَالَ الْبَائِعُ: أَمْسِكْهُ وَخُذْ أَرْشَ الْقَدِيمِ.
وَأَمَّا لَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ وَقَدْ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فَأَرَادَ ضَمَّ أَرْشِ الْحَادِثِ إلَى الْمَبِيعِ. وَرَدَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُجَابُ الْبَائِعُ فِي الْأُولَى وَلَا الْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعَيْبَ لَا يَزُولُ بِبَذْلِ أَرْشِهِ فَفِي إلْزَامِ قَبُولِ الْمَعِيبِ ضَرَرٌ وَلَوْ مَعَ أَخْذِ الْأَرْشِ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُلْزِمُوا بِذَلِكَ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ لِأَنَّهُ لَا يُزِيلُ الضَّرَرَ بِالْكُلِّيَّةِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ مُسَامَحَةَ الْبَائِعِ لَهُ بِمَا مَرَّ تُزِيلُ ضَرَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلِذَا لَزِمَهُ قَبُولُهُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ فَإِنْ قُلْتَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ مُقَابِلَ كَلَامِ الْقَاضِي السَّابِقِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ عَدَمَ إجْبَارِ الْمُشْتَرِي فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى الْقَبُولِ قُلْت قَدْ بَانَ لَك أَنَّهُ ضَعِيفٌ.
وَإِنْ اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ وَأَفْتَى بِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ لَا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِيهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ وَقْتَ الرَّدِّ تَبَعَّضَتْ الصَّفْقَةُ عَلَيْهِ صُورَةً وَإِنْ لَمْ تَتَبَعَّضْ عَلَيْهِ حُكْمًا فَلَمْ يَرُدَّ كَمَا تَمَلَّكَ فَكَذَا لَمْ يُجْبَرْ الْبَائِعُ عَلَى الْقَبُولِ. لِأَنَّهُ خَلَفَ التَّبْعِيضَ شَيْءٌ آخَرُ وَهُوَ عَدَمُ رَدِّهِ كَمَا تَمَلَّكَ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِيهَا ذَلِكَ لِأَنَّ عِلَّةَ تَخْيِيرِهِ التَّبْعِيضُ وَبِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ يَزُولُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْلُفَهُ شَيْءٌ آخَرُ.
الْأَمْرُ الثَّانِي قَوْلُهُمْ لَوْ بَانَ عَيْبُ الدَّابَّةِ وَقَدْ أَنْعَلَهَا وَنَزْعُ النَّعْلِ يَعِيبُهَا فَلَا رَدَّ لَهُ وَلَا فَسْخَ إنْ نَزَعَهُ وَإِلَّا فَلَهُ الرَّدُّ وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ الْقَبُولُ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ. وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي طَلَبُ قِيمَتِهَا فَإِنَّهَا حَقِيرَةٌ فِي مَعْرِضِ رَدِّ الدَّابَّةِ فَقِيَاسُ إلْزَامِ الْبَائِعِ الْقَبُولَ هُنَا إلْزَامُ الْمُشْتَرِي بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا بِجَامِعِ زَوَالِ الْعَيْبِ بِالتَّرْكِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ لُحُوقِ مِنَّةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ.
وَوَجْهُ عَدَمِ الْمِنَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَا يَقَعُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ تَوْفِيرِ غَرَضٍ لِبَاذِلِهِ فَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ حَقِيقَةُ الْمِنَّةِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ انْضَمَّ لِذَلِكَ إجْبَارُ الشَّرْعِ لَهُ عَلَى الْقَبُولِ فَهُوَ كَارِهٌ لَهُ وَالْكَارِهُ لِلشَّيْءِ لَا يَتَوَهَّمُ لُحُوقَ مِنَّةٍ إلَيْهِ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنْ قُلْت: إلْزَامُ الْبَائِعِ بِالْقَبُولِ مَعَ عَدَم تَغْرِيمِهِ قِيمَةِ النَّعْلِ لِلْمُشْتَرِي مُشْكِلٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ عَلَى الْقَاعِدَةِ وَوَجْهُ إشْكَالِهِ أَنَّهُمْ لَاحَظُوا جَانِبَ الْبَائِعِ خَشْيَةً مِنْ لُحُوقِ الضَّرَر بِهِ دُونَ جَانِبِ الْمُشْتَرِي مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ إمَّا بِالْتِزَامٍ مَعِيبٍ أَوْ بِتَكْلِيفِهِ النُّزُولَ عَنْ مِلْكِهِ فِي النَّعْلِ. وَكَانَ الْقِيَاس أَنْ يُطَالِبَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الصَّبْغِ لَكِنْ لَمْ يَصِرْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قُلْتُ: أَمَّا عَدَمُ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُشْكِلِ مُطْلَقًا فَمَمْنُوعٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَمَحْمَلُهُ حَيْثُ كَانَ الْإِشْكَالُ مُسَلَّمًا أَمَّا حَيْثُ كَانَ مَدْفُوعًا فَإِنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لَا فِي الْحُكْمِ وَلَا فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهِ.
وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّا لَمْ نُرَاعِ جَانِبَ الْبَائِعِ فَحَسْبُ بَلْ رَاعَيْنَا كُلًّا مِنْ الْجَانِبَيْنِ. فَإِنَّ الصُّورَةَ أَنَّ النَّزْعَ يَعِيبُهَا فَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِهِ لَأَجْحَفْنَا بِالْبَائِعِ وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِإِمْسَاكِهَا مَعِيبَةً لَأَجْحَفْنَا بِهِ فَعَدَلْنَا إلَى طَرِيقٍ وَسَطٍ يَنْدَفِعُ بِهِ الْإِجْحَافُ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ رَدُّهَا مَعَ النَّعْلِ وَالْحُكْمُ بِبَقَاءِ النَّعْلِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي حَتَّى إذَا سَقَطَتْ يَلْزَمُ الْبَائِعَ رَدُّهَا كَمَا يَأْتِي وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِوُجُوبِ أَرْشِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ كَمَا فِي الصَّبْغِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنهمَا. فَإِنَّ الصِّبْغَ لَا يُمْكِنُ إزَالَتُهُ إلَّا بِتَلَفِ عَيْنِهِ بِخِلَافِ النَّعْلِ وَأَيْضًا فَالصُّورَةُ أَنَّ قَلْعَ النَّعْلِ يَضُرُّ بِهَا وَبِالْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ يُحْدِثُ بِهَا. عَيْبًا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الصِّبْغِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute