للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَمْرُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُمْ لَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ بَذْرٌ أَوْ زَرْعٌ مَا يُؤْخَذُ دَفْعَةً بَلْ يَتَخَيَّرُ بِهِ الْمُشْتَرِي إنْ جَهِلَهُ مَا لَمْ يَتْرُكْهُ لَهُ الْبَائِعُ أَوْ يَقُولُ أَنَا أُفْرِغُهُ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا خِيَارَ لَهُ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ فِي الْأُولَى وَتَدَارُكِهِ حَالًا فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى دَارًا ثُمَّ رَأَى خَلَلًا بِسَقْفِهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ حَالًا أَوْ بَالُوعَةً مُفْسَدَةً فَقَالَ: أَنَا أُصْلِحُ السَّقْفَ. وَأُنَقِّي الْبَالُوعَةَ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَيَلْزَمُهُ الْقَبُولُ فِي مَسْأَلَةِ التَّرْكِ وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ فَانْظُرْ إلَى كَوْنِهِمْ أَلْزَمُوا الْمُشْتَرِيَ الْقَبُولَ هُنَا لِأَنَّ التَّرْكَ يَنْدَفِعُ ضَرَرُهُ قَطْعًا فَكَذَا يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْتَ عِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ تَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ وَهِيَ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ أَمْكَنَ تَدَارُكُ الْعَيْبِ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ كَإِزَالَةِ اسْتِدَادِ الْبَالُوعَةِ أَوْ الْحَشِّ أَوْ رَدِّ الْآبِقِ أَوْ الْمَغْصُوبِ أَوْ إزَالَةِ الْمَرَضِ بِدَوَاءٍ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ. أَوْ مَيَلَانِ السَّقْفِ وَالْجِدَارِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ انْتَهَتْ فَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إلَى عَيْنٍ جَدِيدَةٍ أَنَّ الْخِيَارَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْقُطُ قُلْت لَيْسَ قَضِيَّتُهَا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْجَدِيدَةَ إنَّمَا ضَرَّتْ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى مُضِيِّ زَمَنٍ طَوِيلٍ فِي الْإِصْلَاحِ بِهَا غَالِبًا.

فَالِامْتِنَاعُ فِيهَا لَيْسَ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَا تَسْتَلْزِمُهُ هِيَ مِنْ طُولِ الزَّمَنِ فَإِنْ فَرَضَ الْإِصْلَاحَ بِهَا فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا وَجْهَ لِامْتِنَاعِهِ وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنهَا حِينَئِذٍ. وَبَيْنَ الدَّوَاءِ الَّذِي يُسْقَى لِلْمَبِيعِ حَتَّى يَزُولَ مَرَضُهُ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا عَلِمْتُهُ فِي كَلَامِ الْقَمُولِيِّ نَفْسِهِ ثُمَّ رَأَيْتُ كَلَامَ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِي فَتَاوِيهِ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ الِاحْتِيَاجَ لِعَيْنٍ جَدِيدَةٍ بَلْ تَجَدُّدُ عَيْنٍ غَيْرِ تِلْكَ الْعَيْنِ أَوْ التَّصَرُّفِ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَيْ بِمَا لَا يُحْتَمَلُ لِطُولِ زَمَنِهِ حَتَّى لَا يُنَافِي مَا مَرَّ وَعِبَارَةُ الْخَادِمِ بَعْدَ ذِكْرِ نَحْوِ عِبَارَةِ الْجَوَاهِرِ السَّابِقَةِ وَمِنْ تَتِمَّةِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ قَبْل الْقَبْضِ فَأَصْلَحَهَا الْبَائِعُ لَا يَبْطُلُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَنْ غَصَبَ نُقْرَةً وَطَبَعَهَا دَرَاهِمَ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى نَقْضِ الدَّرَاهِمِ وَرَدِّهِ إلَى الْأَوَّلِ وَأَخْذِ أَرْشِ النُّقْصَانِ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ.

وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ أَنْ يُعِيدَهَا بِتِلْكَ الْآلَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا انْتَهَتْ، فَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ إلَخْ فَإِنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ أَنَّ قَوْلَ الْجَوَاهِرِ مِنْ غَيْرِ عَيْنٍ جَدِيدَةٍ لَيْسَ بِشَرْطٍ نَعَمْ مَحِلُّ كَلَامِ الْقَاضِي مَا إذَا طَالَ زَمَنُ الْإِصْلَاحِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي صُورَةِ الْهَدْمِ الَّتِي فَرَضَهَا وَمِنْ ثَمَّ احْتَرَزَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهَا بِقَوْلِهِمْ كَخَلَلٍ بِسَقْفِهَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ حَالًا لَا يُقَالُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ غَيْرُ تِلْكَ الْعَيْنِ صَرِيحٌ فِي مُوَافَقَةِ كَلَامِ الْجَوَاهِرِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ عَقِبَهُ وَلَمْ يَفْصِلْ إلَخْ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الْمُعَادَ بَعْدَ الْهَدْمِ. وَلَوْ بِالْآلَةِ الْأُولَى يُخَالِفُ الْبِنَاءَ الْأَوَّلَ فِي الصُّورَةِ وَغَيْرِهَا فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَانَتْ هَذِهِ الْعَيْنُ غَيْرَ تِلْكَ الْعَيْنِ.

الْأَمْرُ الرَّابِعُ قَوْلُهُمْ:

يَسْقُطُ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَرْضًا فِيهَا دَفِينٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَا تَدْخُلُ وَكَانَ تَرْكُهَا غَيْرَ مُضِرٍّ وَقَلْعُهَا مُضِرٌّ لِكَوْنِهِ يُنْقِصُ قِيمَتَهَا أَوْ يُحْتَاجُ فِي نَقْلِهَا لِمُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ بِتَرْكِهَا لَهُ وَلَا نَظَرَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ لِمَا مَرَّ وَهَذَا التَّرْكُ إعْرَاضٌ لَا تَمْلِيكٌ. فَلِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ فِيهَا فَإِذَا رَجَعَ عَادَ خِيَارُ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَهَبَهَا لَهُ بِشُرُوطِ الْهِبَةِ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَسَقَطَ خِيَارُهُ وَلَا رُجُوعَ لِلْبَائِعِ حِينَئِذٍ وَهَذَا كَمَا تَرَى ظَاهِرٌ فِي لُزُومِ الْقَبُولِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنْ قُلْتَ: صَرَّحُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَالَ: أَنَا آخُذُ الْحِجَارَةَ وَأَغْرَمُ أَرْشَ النَّقْصِ أَوْ أُجْرَةَ مُدَّةِ النَّقْلِ، لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ إجَابَتُهُ وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي نَظِيرَةُ مَسْأَلَتِنَا قُلْت: مَمْنُوعٌ بَلْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَاضِحٌ. وَذَلِكَ لِأَنَّ غُرْمَ الْأَرْشِ لَا يُزِيلُ النَّقْصَ بِالْكُلِّيَّةِ وَكَذَا إعْطَاءُ أُجْرَةِ مُدَّةِ النَّقْلِ لَا يُزِيلُ الضَّرَرَ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى الْمُشْتَرِي زَمَنًا طَوِيلًا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِنْ أَخَذَ مُقَابِلَ ذَلِكَ التَّفْوِيتِ بِالْكُلِّيَّةِ فَافْتَرَقَا.

وَبِمَا قَرَّرْته يُعْلَمُ الْفَرْقُ بَيْنَ عَدَمِ لُزُومِ الْقَبُولِ لِلْأَرْشِ أَوْ الْأُجْرَةِ وَبَيْنَ لُزُومِ قَبُولِ الْأَحْجَارِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَبُولَهَا بِخِلَافِ الْقَبُولِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا يَزُولُ بِهِ الضَّرَرُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ. وَهَذَا أَوْلَى وَأَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ قَبُولَ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِ مِنَّةٌ بِأَجْنَبِيٍّ بِخِلَافِ قَبُولِ الثَّانِي أَعْنِي الْحِجَارَةَ فَإِنَّ الْمِنَّةَ حَصَلَتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>