فِيهِ بِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْمَبِيعِ يُشْبِهُ جُزْأَهُ.
الْأَمْرُ الْخَامِسُ قَوْلُهُمْ لَوْ اشْتَرَى ثَمَرَةً يَغْلِبُ اخْتِلَاطُ حَادِثِهَا بِالْمَوْجُودِ فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي إنْ وَقَعَ الِاخْتِلَاطُ قَبْلَ التَّخْلِيَةِ مَا لَمْ يَسْمَحْ لَهُ الْبَائِعُ بِالْحَادِثَةِ فَإِنْ سَمَحَ لَهُ بِهَا هِبَةً أَوْ إعْرَاضًا فَلَا خِيَارَ لِزَوَالِ الْمَحْذُورِ ثُمَّ هَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْمُبَادَرَةُ بِالْفَسْخِ إلَّا أَنْ يُبَادِرَ الْبَائِعُ. وَيَسْمَحُ لَهُ فَيَسْقُطُ خِيَارُهُ أَوْ لَيْسَ لَهُ الْمُبَادَرَةُ بِذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مُشَاوِرَةِ الْبَائِعِ؟
قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ التَّنْبِيهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ السُّبْكِيّ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَمَعْنَى تَخْيِيرِهِ رَفْعُهُ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيَكُونَ هُوَ الْفَاسِخَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ لِأَنَّهُ لِقَطْعِ النِّزَاعِ لَا لِلْعَيْبِ، وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوهِمُ خِلَافَهُ اهـ مُلَخَّصًا وَهُوَ مَرْدُودٌ. فَإِنَّ مَا قَالَهُ مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ فِي بَابِ التَّحَالُفِ هُوَ الَّذِي يَفْسَخُ أَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَا يَفْسَخُ إلَّا الْمُشْتَرِي كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فَهُوَ الْأَوْجَهُ، وَزَعْمُهُ أَنَّ مَا ذُكِرَ لَيْسَ عَيْبًا مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ عَيْبٌ لِصِدْقِ تَعْرِيفِهِ عَلَيْهِ وَلَا دَخْلَ لِلْحَاكِمِ فِي الرَّدِّ بِهِ بِخِلَافِهِ فِي بَابِ التَّحَالُفِ الَّذِي لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَهُ وَعَلَيْهِ فَالْخِيَارُ فَوْرِيٌّ وَلَهُمَا التَّرَاضِي عَلَى قَدْرٍ مِنْ الثَّمَرَةِ.
وَعِنْدَ التَّنَازُعِ الْقَوْلُ قَوْلُ ذِي الْيَدِ بِيَمِينِهِ فِي قَدْرِ حَقِّ الْآخَرِ. وَهِيَ بَعْدَ التَّخْلِيَةِ لِلْمُشْتَرِي. قَالُوا وَيَجْرِي جَمِيعُ مَا تَقَرَّرَ فِي بَيْعِ نَحْوِ الْحِنْطَةِ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ وَمُتَمَاثِلِ الْأَجْزَاءِ حَيْثُ تَخْتَلِطُ بِحِنْطَةِ الْبَائِعِ وَلَمْ تَتَمَيَّزْ بِنَحْوِ كِبَرٍ وَجَوْدَةٍ، أَمَّا لَوْ اخْتَلَطَ مُتَقَوِّمٌ بِمِثْلِهِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ لِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ يُوَرِّثُ الِاشْتِبَاهَ وَهُوَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءً وَفِي نَحْوِ الْحِنْطَةِ غَايَةُ مَا يَلْزَمُ الْإِشَاعَةَ وَهِيَ غَيْرُ مَانِعَةٍ وَهَذِهِ هِيَ الْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ وَبِهَا يَنْدَفِعُ اسْتِشْكَالُ بَعْضِهِمْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ. حَيْثُ قَالَ ذَلِكَ إنْ كَانَ لَوْ سَمَحَ بِالثَّمَرَةِ كُلِّهَا يَمْلِكُهَا الْمُشْتَرِي فَلِمَ لَا يَمْلِكُ الْقَطْعَ كُلَّهُ إذَا سَمَحَ بِهِ الْبَائِعُ وَحِينَئِذٍ يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ لَا يَمْلِكُ الثَّمَرَةَ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا مُشَاعَةً وَتَكُونُ مُشْتَرَكَةً بَيِّنَهُمَا فَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ وَمَنْ قَالَ بِالْفَسْخِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا وَلَعَلَّ الْحَامِلَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الثِّمَارِ وَالشِّيَاهِ أَنَّ الثِّمَارَ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ قَلِيلَةٌ مَرْغُوبَةٌ عَنْهَا بِخِلَافِ الشِّيَاهِ.
وَهَذَا إنْ صَحَّ لَزِمَ عَلَيْهِ التَّخْصِيصُ بِالْيَسِيرِ فَلَا يَطَّرِدُ فِي الثِّمَارِ الْكَثِيرَةِ وَالْحِنْطَةِ الْكَثِيرَةِ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يُفَرَّقُوا اهـ الْمَقْصُودَ مِنْهُ، فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ وَالْأَصْحَابُ لَمْ يُفَرَّقُوا وَأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مَرْدُودٌ بِالْعِلَّةِ السَّابِقَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ نَحْوِ الشِّيَاهِ وَنَحْوِ الثِّمَارِ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَفِيمَا ذَكَرُوا أَنَّ الْمُخْتَلَطَ لَا يَكُونُ هَالِكًا وَإِلَّا لَانْفَسَخَ الْبَيْعُ وَلَا يَمْنَعُ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاكِ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِتَبَدُّلِ الْمُسْتَحَقِّ بِغَيْرِهِ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ. فَالْمُوجِبُ لِلْخِيَارِ هُنَا هُوَ هَذَا التَّبَدُّلُ، وَهَذَا التَّبَدُّلُ يَنْتَفِي بِمُسَامَحَةِ الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ فَسَقَطَ بِهَا خِيَارُ الْمُشْتَرِي وَلَا نَظَرَ لِلْمِنَّةِ خِلَافًا لِمَنْ نَظَرَ فِيهَا لِأَنَّهَا فِي ضِمْنِ عَقْدٍ كَمَا فِي تَرْكِ الْفِعْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ: إنْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ فَتَرَكَ الْبَائِعُ حَقَّهُ مِنْ الثِّمَارِ أُجْبِرَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَبُولِ وَسَقَطَ الْخِيَارُ كَمَا فِي تَرْكِ النَّعْلِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ اهـ.
وَفِي الْبَسِيطِ لَوْ قَالَ لَا تَفْسَخْ فَقَدْ وَهَبْتُ لَك الثِّمَارَ بَطَلَ خِيَارُهُ وَيُجْبَرُ عَلَى قَبُولِهِ كَمَا يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى قَبُولِ النَّعْلِ مُحَافَظَةً عَلَى لُزُومِ الْعَقْدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُجْبَرُ لِأَنَّ النَّعْلَ صَارَ كَالْوَصْفِ لِلدَّابَّةِ وَهُوَ تَبَعٌ وَالْقَبُولُ فِيهِ هَيِّنٌ اهـ وَرَدَّ صَاحِبُ الْوَافِي احْتِمَالَهُ هَذَا الَّذِي أَبْدَاهُ أَخْذًا مِنْ النِّهَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ قَالُوا وَلَوْ اشْتَرَى شَجَرَةً وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ لِلْبَائِعِ وَجَرَى الِاخْتِلَاطُ كَمَا سَبَقَ لَمْ يَنْفَسِخْ. بَلْ يُقَالُ لِلْبَائِعِ أَتَرْضَى أَنْ تَتْرُكَ جَمِيعَ الثَّمَرَةِ لِلْمُشْتَرِي فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي ذَلِكَ فَإِنْ تَرَكَ لَزِمَ الْبَائِعَ قَبُولُهُ فَإِنْ امْتَنَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ. قَالَ الْبَغَوِيّ: وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ قُلْنَا يُدْعَى الْبَائِعُ إلَى تَرْكِ حَقِّهِ وَلَا يُدْعَى الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْمَبِيعَ هُنَاكَ هُوَ الثَّمَرَةُ فَإِذَا تَرَكَ الْمُشْتَرِي حَقَّهُ لَا يَبْقَى فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ شَيْءٌ وَهُنَا الْمَبِيعُ هُوَ الشَّجَرَةُ فَتَرْكُ الثَّمَرَةِ الْحَادِثَةِ لِلْبَائِعِ لَا يُخْلِي الثَّمَن عَنْ الْعِوَضِ.
أَمَّا إذَا تَشَاحَّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute