خَشْيَةِ التَّأَذِّي بِبَقَائِهِ يَكُونُ مِنْ التَّدَاوِي الْمَأْمُورُ بِهِ وَحَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ مَكْرُوهٌ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ حَلْقُ الشَّعْرِ وَإِنْ كَانَ الْحَلْقُ مِنْ شِعَارِ الْخَوَارِجِ وَأَمَّا قَصُّ الشَّعْرِ فَهُوَ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ فَإِنْ فَعَلَ بِالتَّائِبِ بِقَصْدِ الِائْتِسَاءِ بِهِمْ فَلَا بَأْسَ أَوْ بِقَصْدِ أَنَّهُ مِنْ مَطْلُوبَاتِ التَّوْبَةِ فَلَا وَلَا يُقَاسُ ذَلِكَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ عِنْد الْإِسْلَامِ لِأَنَّ شَعْرَ الْكَافِرِ أَقْبَحُ مِنْ شَعْرِ غَيْرِهِ
(فَائِدَةٌ) ذَكَرَ الْعَارِفُ سَيِّدِي يُوسُفُ الْعَجَمِيُّ أَنَّ صِفَةَ أَخْذِ الْعَهْدِ عَلَى التَّائِبِ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ شُرُوطَ التَّوْبَةِ ثُمَّ يَضَعَ بَاطِنَ يَدِهِ عَلَى بَاطِنِ يَدِ التَّائِبِ الْيُمْنَى وَيَذْكُرُ أَنَّ التَّوْبَةَ لَهُمَا جَمِيعًا لِقَوْلِهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور: ٣١] وَيَسْكُتُ الشَّيْخُ وَيُغْمِضُ عَيْنَيْهِ وَيَخْرُجُ بِقَلْبِهِ مِنْ الْبَيْنِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانه وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي يَتُوبُ عَلَيْهِ وَيَرْفَعُ الشَّيْخُ صَوْتَهُ قَائِلًا أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَقُولُ فِي الْأَخِيرَةِ وَأَتُوبُ إلَيْهِ وَأَسْأَلهُ التَّوْبَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
وَيَسْكُتُ التَّائِبُ وَيُغْمِضُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ كَمَا يَقُولُ الشَّيْخُ وَحَكَى هَذَا رِوَايَةً مِنْ طَرِيقِ لُبْسِ الْخِرْقَةِ مِنْ الْأَخْذِ عَلَى التَّائِبِ مِنْهُ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ بَعْضُهُمْ وَاَلَّذِي يَفْعَلهُ أَهْلُ الْعَصْرِ أَنَّهُ يَذْكُرُ لَهُ شُرُوطَ التَّوْبَةِ وَيَأْخُذُ يَدَهُ فِي يَدِهِ وَيُعَاهِدهُ لِلَّهِ سُبْحَانه وَتَعَالَى عَلَى اتِّبَاعِهِ الطَّاعَةَ وَاجْتِنَابِ الْمَعْصِيَةِ ثُمَّ يَتْلُو عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: ١٠] إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ بَيْعَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. اهـ.
وَاَلَّذِي آثَرْنَاهُ عَنْ مَشَايِخِنَا أَهْلِ الطَّرِيقِ أَنَّ الشَّيْخَ يَذْكُرُ لِلْمُرِيدِ شُرُوطَ التَّوْبَةِ وَيُحَرِّضُهُ عَلَيْهَا وَعَلَى مُلَازَمَةِ الصَّلَوَاتِ وَالذِّكْرِ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّه لَيْلًا بَعْد صَلَاةِ الْعِشَاءِ سَاعَةً طَوِيلَةً حَتَّى يَنَامَ عَلَى الذِّكْرِ ثُمَّ قِيَامِ اللَّيْلِ وَصَلَاةِ أَكْمَلِ الْوِتْرِ ثُمَّ الذِّكْرِ بَعْده سَاعَةً كَذَلِكَ أَوْ إلَى الْفَجْرِ ثُمَّ الذِّكْرِ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَأَذْكَارِ الصَّلَوَاتِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ صَلَاةِ الضُّحَى لِيَمْضِيَ فِي أَسْبَابِهِ وَقَلْبُهُ مُمْتَلِئٌ بِالذِّكْرِ فَلَا تَقْدِرُ الْأَسْبَابُ عَلَى جَذْبِهِ بِالْكُلِّيَّةِ إلَيْهَا بَلْ تَسْتَمِرَّ مَعَهُ وَهُوَ مُبَاشِرٌ لِلْأَسْبَابِ بَقِيَّة مِنْ بَرَكَةِ الذِّكْرِ وَقِيَام اللَّيْلِ إلَى الْمَسَاءِ ثُمَّ بَعْد أَنْ يُحَرِّضهُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَعَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ يَذْكُرُ الشَّيْخُ ثَلَاثًا مُتَوَالِيَة وَالْمُرِيدُ جَالِسٌ طَارِقٌ بَيْن يَدَيْهِ ثُمَّ يَذْكُرُ الْمُرِيد ثَلَاثًا وَالشَّيْخُ طَارِقٌ ثُمَّ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ قَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ ذِكْرٌ سِلْسِلَةِ الذِّكْرِ وَهِيَ سِلْسِلَةُ الْخِرْقَة السَّابِقَةِ فِي بَابِ اللِّبَاسِ الْمُنْتَهِيَةُ إلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يُشِيرُ إلَى اعْتِرَاضِ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى هَذِهِ السَّلِسَةِ بِنَحْوِ مَا سَبَقَ ثُمَّ لَا يَلْتَفِتُ إلَى ذَلِكَ الِاعْتِرَاضِ مُعْتَمِدًا عَلَى نَحْوِ مَا مَرَّ ثَمَّ فِي رَدِّهِ وَكَانَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَقْرَأُ {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: ١٠] الْآيَة.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَلْ يَحْرُم وَصْفُ الْخَمْرِ الْوَاقِعِ فِي أَشْعَارِ كَثِيرِينَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِقَوْلِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمَجْمُوعِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ لَا يُقَال يُنَافِيهِ مَا وَقَعَ فِي بَانَتْ سُعَاد الَّتِي أُنْشِدَتْ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشِعْرِ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ ذِكْرِ الْخَمْرِ وَمَدْحِهَا لِأَنَّا نَقُولُ يُحْتَمَل أَنَّ تِلْكَ الْأَشْعَارَ الصَّادِرَةَ مِنْهُمْ كَانَتْ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا وَبِفَرْضِ وُقُوع شَيْءٍ مِنْهَا بَعْد التَّحْرِيمِ فَهُوَ مَذْهَبُ صَحَابِيٍّ لَمْ يَنْتَشِرْ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا مُمْكِنُ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ فَمَا الْجَوَابُ عَمَّا وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ حَتَّى الشَّافِعِيَّة كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُمْ مَذْكُورٌ فِي تَرَاجِمِهِمْ قُلْتُ الْجَمْعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ مَا قَالَهُ فِي أَوْصَافٍ يَتَبَادَرُ مِنْهَا مَدْحُ خَمْرَةِ الدُّنْيَا الْمُحَرَّمَةِ وَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي مَدْحِ مُطْلَقِ الْخَمْرِ الْمُمْكِنِ حَمْلُهَا عَلَى خَمْرِ الْجَنَّةِ أَوْ الْخَمْرَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ الَّتِي تُطْلَقُ مَجَازًا أَوْ اسْتِعَارَةً عَلَى نَحْوِ رِيقِ الْمَحْبُوبِ وَالنَّشْوَةِ الْحَاصِلَة مِنْ الْمَحَبَّةِ الْمَحْمُودَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَصَارِيفِ الْبُلَغَاءِ مِنْ الْأَئِمَّةِ فِي أَشْعَارِهِمْ سِيَّمَا السَّادَةُ الصُّوفِيَّة رِضْوَان اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute