وَخَلَّفَ مِلْكًا فَادَّعَى أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ مِلْكُ بَيْتِ الْمَالِ وَأَنَّهُ كَانَ بِيَدِ الْمَيِّتِ غَصْبًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً بِذَلِكَ وَأَقَامَ الْوَارِثُ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَأَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَأَنَّ يَدَ الْمَيِّتِ أَيْضًا يَدُ حَقٍّ إلَى أَنْ مَاتَ بِأَنَّهُ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَهُوَ حُصُولُ الْمِلْكِ وَلَا يُعَارِضُ إفْتَاؤُهُ هَذَا إفْتَاءَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ الْخَارِجُ غَصَبْتنِي فَقَالَ الدَّاخِلُ هُوَ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ لِأَنَّ يَدَ الدَّاخِلِ هُنَا أَثْبَتَتْ هُنَا أَنَّ يَدَهُ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْغَصْبِ الثَّانِيَةِ وَوَجْهُ تَأْيِيدِ الْأُولَى لِمَسْأَلَتِنَا أَنَّ دَعْوَى الْأَجْنَبِيِّ أَنَّهُ مِلْكُ بَيْتِ الْمَالِ كَدَعْوَى الْمُنَازِعِ فِي السُّؤَالِ بِأَنَّهُ شَارِعٌ بِجَامِعِ أَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا فَإِذَا قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَارِثِ لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا بِتَعَرُّضِهَا لِحُصُولِ الْمِلْكِ فَأَوْلَى أَنْ تُقَدَّمَ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِتَعَرُّضِهَا لِوُجُودِ الْبِنَاءِ قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ الظَّالِمِ فَهِيَ أَوْلَى بِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ
فَإِنْ قُلْتَ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِتَقْدِيمِ الْبَيِّنَةِ الْأُولَى فِي السُّؤَالِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِأَنَّ مُورَثَهُ فُلَانًا مَاتَ يَوْمَ كَذَا فَوَرِثَهُ وَهُوَ ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَأَقَامَتْ امْرَأَةٌ بَيِّنَةً أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ كَذَا لِيَوْمٍ بَعْد ذَلِكَ الْيَوْمِ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهُ عُمِلَ بِبَيِّنَةٍ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَكَذَا الْأُولَى مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِالْأَحْدَاثِ الْمُسْتَنَدِ إلَى فِعْلِ فُلَانٍ الظَّالِمِ فَالْقِيَاسُ وَاضِحٌ قُلْتُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَظْهَرُ وَأَوْضَحُ لِأَنَّ السَّبَبَ زِيَادَةُ الْعِلْمِ فِيمَا قَالُوا إنَّ الثَّانِيَةَ أَثْبَتَتْ حَيَاتَهُ فِي زَمَنٍ ثَانٍ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَصْحِبَةً لِأَصْلِ الْحَيَاةِ لَكِنْ لَمَّا ضَمَّتْ إلَى ذَلِكَ تَصَرُّفَهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ بِالنِّكَاحِ فِيهِ كَانَ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى الشَّاهِدَةِ بِمَوْتِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَقُدِّمَتْ تِلْكَ عَلَى هَذِهِ لِذَلِكَ وَأَيْضًا فَهَذِهِ قَالَتْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ فَهِيَ نَافِيَةٌ وَتِلْكَ قَالَتْ إنَّ الزَّوْجَةَ وَارِثَةٌ لَهُ فَهِيَ مُثْبَتَةٌ وَالْمُثْبِتَةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى النَّافِيَةِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ هُنَا فِي ثَلَاثِ أَشْيَاءَ عِلْمُهُ بِبَقَاءِ حَيَاتِهِ بَعْدَ زَمَنِ الْمَوْتِ الَّذِي بَيَّنَتْهُ الْأُخْرَى وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا لَوْ شَهِدَا بِمَوْتِهِ وَشَهِدَ آخَرَانِ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَشَهَادَةُ الْحَيَاةِ أَوْلَى وَبِتَعَاطِيهِ لِلنِّكَاحِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِأَنَّ مَعَهَا إثْبَاتًا فَقُدِّمَتْ لِمَجْمُوعِ هَذِهِ الْأُمُورِ
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَلَمْ يُوجَدْ نَظِيرَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ الثَّانِيَةَ تَشْهَدُ بِوُجُوبِ ذَلِكَ الْبِنَاءِ فِي الزَّمَنِ السَّابِقِ وَالْأُولَى تَشْهَدُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَإِنَّمَا حَدَثَ بَعْدُ فَالثَّانِيَةُ هِيَ الْمُثْبِتَةُ فَزِيَادَةُ الْعِلْمِ لَيْسَتْ إلَّا مَعَهَا فَكَلَامُهُمْ الْمَذْكُورُ دَلِيلٌ لَنَا لَا عَلَيْنَا عَلَى أَنَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ إفْتَاءُ ابْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَأَقَامَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بَيِّنَةً بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِدَارٍ سَنَةَ كَذَا لِسَنَةٍ كَذَا بَعْدَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ لِمَوْتِهِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَوْتِهِ فِي رَمَضَانَ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ قِيَاسَ مَا مَرَّ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِحَيَاتِهِ بَعْدَ رَمَضَانَ وَإِقْرَارِهِ وَقَدْ يُجَابُ بِمَا قَرَّرْتُهُ فِي تِلْكَ مِنْ أَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ ثَمَّ إنَّمَا جَاءَتْ مِنْ مَجْمُوعِ تِلْكَ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَلَيْسَ هُنَا إلَّا بَعْضُهَا فَلَا إشْكَالَ عَلَى أَنَّ فِي تِلْكَ مَا يَتَّضِحُ بِهِ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا ظَاهِرًا لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ ذَلِكَ الْجَوَابُ وَهُوَ أَنَّ الثَّانِيَةَ فِي تِلْكَ شَهِدَتْ بِنِكَاحِهِ بَعْدَ الزَّمَنِ الَّذِي عَيَّنَتْهُ الْأُولَى ثُمَّ بِمَوْتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ بِتَأَخُّرِ حَيَاتِهِ وَتَعَاطِيهِ لِلنِّكَاحِ ثُمَّ بِمَوْتِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا فِي هَذِهِ فَلَمْ تَتَعَرَّضْ الْبَيِّنَةُ الثَّانِيَةُ إلَّا لِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْحَيَاةِ فَكَأَنَّهَا شَهِدَتْ بِمُطْلَقِ حَيَاتِهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الْأُخْرَى بِمَوْتِهِ وَشَهَادَةُ الْمَوْتِ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ أَصْلِ الْحَيَاةِ بِخِلَافِ الشَّاهِدَةِ بِهَا لِاسْتِصْحَابِهَا لِذَلِكَ الْأَصْلِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ دَيْنٍ شَرْعِيٍّ ثَبَتَ بِطَرِيقِهِ الشَّرْعِيِّ فَأَوْجَبَ الْوَارِثُ الشَّرْعِيُّ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ يَمِينَ الِاسْتِظْهَارِ الْجَامِعَةِ لِنَفْيِ الْمُسْقِطَاتِ فَاخْتَارَ الْوَارِثُ الشَّرْعِيُّ رَفْعَ الْيَمِينِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute