للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْأَصْحَابِ فِي اللَّحْنِ الْمُغَيِّرِ لِلْمَعْنَى كَ (أَنْعَمْت) بِضَمٍّ أَوْ كَسْرٍ؛ إنْ تَعَمَّدَهُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ، انْتَهَتْ.

وَمِنْهَا فِي مَوَاضِعَ يُعْلَمُ نَقْلُ التَّصْرِيحِ بِأَنَّ فَكَّ الْمُدْغَمِ مُبْطِلٌ لِلْقِرَاءَةِ، تَارَةً بِأَنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَعْنَى، وَلِلصَّلَاةِ أُخْرَى بِأَنْ تَغَيَّرَ، فَإِنْ قُلْتَ: مَا وَجْهُ بُطْلَانِ الْقِرَاءَةِ بِفَكِّ الْإِدْغَامِ مَعَ عَوْدِ حَرْفٍ بَدَلَ الشَّدَّةِ فَلَمْ يَفُتْ شَيْءٌ قُلْتُ: وَجْهُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحَرْفَ الْمُدْغَمَ صَارَ نَسْيًا مَنْسِيًّا، أَلْغَى الشَّارِعُ اعْتِبَارَهُ وَجَعَلَ الشَّدَّةَ بَدَلَهُ، فَإِذَا حَذَفَهَا صَارَ تَارِكًا لِحَرْفٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ، وَلَمْ يَنْظُرُوا لِلْحَرْفِ الْعَائِدِ بِحَذْفِهَا؛ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الشَّارِعَ أَعْرَضَ عَنْهُ وَأَلْغَى اعْتِبَارَهُ بِدَلِيلِ حُرْمَةِ تَعَمُّدِهِ ذَلِكَ بِلَا عُذْرٍ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِطْبَاقُهُمْ عَلَى أَنَّ تَخْفِيفَ الْمُشَدَّدِ مُبْطِلٌ لِلْقِرَاءَةِ تَارَةً، وَلِلصَّلَاةِ أُخْرَى دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ؛ أَنَّهُمْ أَلْغَوْا اعْتِبَارَ ذَلِكَ الْحَرْفِ الْمُدْغَمِ وَلَمْ يَنْظُرُوا لِعَوْدِهِ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - عَمَّنْ اقْتَدَى فِي ثَانِيَةِ صُبْحِ الْجُمُعَةِ هَلْ يَقْرَأُ إذَا قَامَ إلَى ثَانِيَتِهِ الم تَنْزِيلُ أَوْ هَلْ أَتَى أَوْ غَيْرَهُمَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يُؤْخَذُ حُكْمُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ: لَوْ تَرَكَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ سَبِّحْ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا وَقَرَأَ بَدَلَهَا الْمُنَافِقِينَ أَوْ الْغَاشِيَةَ - قَرَأَ الْجُمُعَةَ أَوْ سَبِّحْ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَلَا الْغَاشِيَةَ؛ لِتَقَدُّمِ قِرَاءَتِهَا فِي الْأُولَى، وَلَوْ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَلَا سَبِّحْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ أَوْ سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةَ؛ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا.

وَلَا نَظَرَ لِتَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِ كَمَا هُنَا؛ إذْ الْمُنَافِقُونَ وَالْغَاشِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْجُمُعَةِ وَسَبِّحْ اهـ فَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ - إنْ قَرَأَ فِي أُولَاهُ الَّتِي مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ - هَلْ أَتَى قَرَأَ فِي ثَانِيَتِهِ الم تَنْزِيلُ وَلَا يُعِيدُ هَلْ أَتَى، وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْ فِي أُولَاهُ شَيْئًا أَوْ قَرَأَ غَيْرَ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى قَرَأَهُمَا فِي الثَّانِيَةِ؛ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا. وَلَا نَظَرَ لِتَطْوِيلِ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّهَا هُنَا أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى ضَرُورَةَ أَنَّ هَلْ أَطْوَلُ مِنْ الم تَنْزِيلُ، وَلَوْ سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فِي أُولَاهُ - أَعْنِي الْمَأْمُومَ - فَهُوَ كَقِرَاءَتِهِ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قَرَأَ هَلْ أَتَى قَرَأَ الْمَأْمُومُ فِي ثَانِيَتِهِ الم تَنْزِيلُ.

وَإِنْ كَانَ قَرَأَ غَيْرَهَا قَرَأَ الْمَأْمُومُ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ الَّتِي سَمِعَهَا الْمَأْمُومُ بِمَنْزِلَةِ قِرَاءَتِهِ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِ الْأُولَى فَكَمَا لَوْ لَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا فَيَقْرَأُ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى فِي الثَّانِيَةِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ كَيْ لَا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْهُمَا، هَذَا مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ.

وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: وَإِذَا عَلِمَ أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ، وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ، وَلَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْهِ قَضَى السُّورَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ بِأَنْ يَقْرَأَهُمَا فِي أَخِيرَتَيْهِ؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ مِنْهُمَا صَلَاتُهُ، وَلِأَنَّ إمَامَهُ لَمْ يَقْرَأْهُمَا فِيهِمَا، وَفَاتَهُ فَضْلُهُمَا فَيَتَدَارَكُهُمَا فِي الْبَاقِي كَسُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي أُولَى الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَقْرَؤُهَا مَعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ، أَمَّا إذَا كَانَ قَرَأَ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْهِ فَلَا يَقْرَؤُهَا فِي أَخِيرَتَيْهِ.

قَالَ الْجُوَيْنِيُّ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي ثَانِيَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي أُولَيَيْهِ لَا يَقْرَؤُهَا فِي الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهَا فِي ثَانِيَتِهِ وَتَمَكَّنَ مِنْهَا فِي ثَالِثَتِهِ قَرَأَهَا فِيهَا، ثُمَّ لَا يَقْرَؤُهَا فِي رَابِعَتِهِ اهـ وَأَقَرَّهُ جَمْعٌ مُتَأَخِّرُونَ، وَتَعَقَّبْتُهُ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ فَقُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ. وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ الثَّانِيَةَ الَّتِي أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ لَا يَقْضِي سُورَتَهَا؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مَحَلَّ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ وَأَنْ لَا، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أُولَيَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ لَا يَقْضِيهَا فِي ثَالِثَتِهِ وَرَابِعَتِهِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، فَكَذَا هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ.

وَأَمَّا ثَانِيَتُهُ الَّتِي هِيَ ثَالِثَةُ الْإِمَامِ فَيَقْرَؤُهَا فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَفِيمَا بَعْدَهَا، وَلَوْ رَابِعَةَ نَفْسِهِ؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ عَنْ السُّورَةِ الَّتِي طُلِبَتْ مِنْهُ بِالنِّسْبَةِ لِلثَّانِيَةِ فَتَأَمَّلْهُ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ. وَبِتَمَامِهَا مَعَ مَا قَدَّمْته يَتَّضِحُ مَا ذَكَرْته فِي جَوَابِ السُّؤَالِ؛ فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أُولَيَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ لَا يَقْضِيهَا فِي ثَالِثَتِهِ وَرَابِعَتِهِ، وَهَذَا قَدْ يُنَافِي مَا قَدَّمْته، قُلْتُ: لَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَتَهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَقْرَأَ، فَلَمَّا تَرَكَ فَوَّتَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمْ يُطْلَبْ مِنْهُ قَضَاءٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ لَا قَضَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَحَلُّ الْقِرَاءَةِ بِخِلَافِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَتَأَمَّلْهُ.

(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - هَلْ الْأَوْلَى قِرَاءَةُ الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ سِرًّا؟ وَكَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَإِذَا جَهَرَ بِهَا فِي مَسْجِدٍ وَثَمَّ مُصَلُّونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>