للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّلَاةِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَسَاجِدَ، وَمَنْ عَبَّرَ بِالْمَسَاجِدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَيُعْفَى عَنْهُ أَيْضًا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ مَا لَمْ يُغَيِّرْهُ.

(وَسُئِلَ) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ عَنْ قَوْلِهِمْ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِحَرْفٍ مُفْهِمٍ؛ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ مُفْهِمًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ مُفْهِمًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَوْ مِنْ غَيْرِ لُغَتِهِ.

(فَأَجَابَ) - أَبْقَاهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي يَتَّجِهُ مِنْ كَلَامِهِمْ وَتَعْلِيلِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُفْهِمًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصْلُحُ لِلتَّخَاطُبِ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِمُعْتَقِدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُفْهَمْ عِنْدَهُ، وَإِنْ أَفْهَمَ عِنْدَ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ بِحَسَبِ ظَنِّهِ مَا يَقْتَضِي قَطْعَ نَظْمِ الصَّلَاةِ؛ وَبِهَذَا يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَمَّا يُورَدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنِّ الْمُكَلَّفِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الْعِبَادَاتِ وَنَحْوِهَا، أَمَّا مُبْطِلَاتُهَا فَالْمَدَارُ فِيهَا عَلَى مَا يَقْطَعُ نَظْمَ الصَّلَاةِ، وَالْكَلَامُ لَا يَقْطَعُ نَظْمَهَا إلَّا إنْ كَانَ مُفْهِمًا عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِ، فَإِنْ جَهِلَ الْإِفْهَامَ بِمَا هُوَ مُفْهِمٌ تَأَتَّى فِيهِ مَا قَالُوهُ فِي الْجَهْلِ؛ لِحُرْمَةِ الْكَلَامِ مِنْ أَنَّهُ إنْ عُذِرَ فِي ذَلِكَ لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ نَشْئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عُذِرَ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْوَشْمِ هَلْ يَجِبُ كَشْطُهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: صَرِيحُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّهُ وَاجِبٌ حَيْثُ لَمْ يَخْشَ ضَرَرًا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، وَقَضِيَّةُ مَا فِي الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ وُجُوبُ إزَالَتِهِ مُطْلَقًا، وَعَلَى كُلٍّ فَمَحَلُّهُ إذَا فَعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَمَجْلِيٌّ فِي الذَّخَائِرِ فِي نَزْعِ الْعَظْمِ أَمَّا إذَا فُعِلَ بِهِ مُكْرَهًا أَوْ فَعَلَهُ، وَهُوَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَلَا تَجِبُ إزَالَتُهُ مُطْلَقًا، كَذَا قِيلَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ حَيْثُ انْتَفَتْ خَشْيَةُ مَحْذُورِ التَّيَمُّمِ فَأَيُّ عُذْرٍ فِي بَقَاءِ النَّجَاسَةِ؟ وَلَوْ وَشَمَ الْكَافِرُ نَفْسَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ وَجَبَ عَلَيْهِ نَزْعُهُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ: كَثِيرٌ مِنْ الْمُوَسْوَسِينَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُبَسْمِلَ يَقُولُ: بِسْ، وَيُكَرِّرُهَا فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ قَصَدَ بِذَلِكَ الْقِرَاءَةَ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَا يُنَافِيه قَوْلُهُمْ: إنَّ الْوَسْوَسَةَ فِي الْقِرَاءَةِ لَيْسَتْ بِعُذْرٍ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَّ يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ، فَرَبْطُهُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ مَعَ فُحْشِ التَّخَلُّفِ تَقْصِيرٌ؛ فَأَبْطَلَ بِخِلَافِهِ هُنَا؛ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ. فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِالْبُطْلَانِ هُنَا فِيهِ نَظَرٌ.

(وَسُئِلَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - عَنْ الْمُصَلِّي إذَا قَالَ فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ: وَجَّهْت وَجْهِي وَأَسْلَمْت قَلْبِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِزِيَادَةِ (وَأَسْلَمْت قَلْبِي) ؟ .

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ذُكِرَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَذْكَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «اللَّهُمَّ أَسْلَمْت وَجْهِي إلَيْك.»

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِتَحْرِيكِ الْأَجْفَانِ وَاللِّسَانِ ثَلَاثًا؟

(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَأَمَّا الْحَرَكَاتُ الْخَفِيفَةُ إذَا كَثُرَتْ وَتَوَالَتْ فَلَا تَضُرُّ، فَشَمِلَ حَرَكَةَ مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهَا أَعْضَاءٌ خَفِيفَةٌ؛ إذْ الْمُرَادُ خِفَّةُ الْعُضْوِ الْمُتَحَرِّكِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ: إنَّ الْمَضْغَ وَحْدَهُ فِعْلٌ يُبْطِلُ كَثِيرُهُ مَعَ خِفَّةِ الْمَضْغِ، لَكِنْ آلَتُهُ، وَهِيَ اللَّحْيُ عُضْوٌ غَيْرُ خَفِيفٍ. نَعَمْ، أَفْتَى غَيْرُهُ بِالْبُطْلَانِ بِتَحْرِيكِ الْأَجْفَانِ، وَقِيَاسُهُ الْبُطْلَانُ بِتَحْرِيكِ اللِّسَانِ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَتَتْ نُخَامَةٌ مُصَلِّيًا؛ إنْ لَفَظَهَا ظَهَرَ حَرْفَانِ، وَإِنْ تَرَكَهَا نَزَلَتْ لِجَوْفِهِ، فَمَا حُكْمُهُ؟

(فَأَجَابَ) بَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ جَوَازَ لَفْظِهَا: وَإِنْ ظَهَرَ حَرْفَانِ تَقْدِيمًا لِمَصْلَحَةِ الصَّوْمِ؛ أَيْ وَلَوْ نَفْلًا؛ أَيْ فَإِنَّ الْفَرْضَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لِحَدِّ الظَّاهِرِ مِنْ الْفَمِ؛ وَهُوَ مَخْرَجُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُهَا إلَّا بِظُهُورِ حَرْفَيْنِ مَثَلًا، فَيُغْتَفَرُ أَنَّ لَهُ خَشْيَةً مِنْ نُزُولِهَا لِلْبَاطِنِ فَيَفْسُدُ صَوْمُهُ.

وَظَاهِرٌ أَنَّ مُرَادَهُ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَجُوَبُهُ إنْ كَانَ الصَّوْمُ فَرْضًا، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ رِعَايَةِ تَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الصَّوْمِ عَلَى الصَّلَاةِ - قَوْلُهُمْ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الصَّائِمَةِ إنَّهَا تَتْرُكُ الْحَشْوَ نَهَارًا؛ رِعَايَةً لِمَصْلَحَةِ الصَّوْمِ دُونَ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ، فَإِنْ قُلْت: يُشْكِلُ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْمُنْظَرِ وَالْمُنْظَرِ بِهِ تَقْدِيمُهُمْ مَصْلَحَةَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّوْمِ فِيمَنْ ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ قَبْلَ الْفَجْرِ وَطَرَفُهُ خَارِجٌ، ثُمَّ أَصْبَحَ صَائِمًا فَإِنَّهُ إنْ ابْتَلَعَ بَاقِيَهُ أَوْ نَزَعَهُ أَفْطَرَ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، فَطَرِيقُهُ فِي صِحَّتِهِمَا أَنَّهُ يُنْزَعُ مِنْهُ وَهُوَ غَافِلٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى نَزْعِهِ وَلَا يُفْطِرُ؛ كَالْمُكْرَهِ.

قَالَ: وَلَوْ قِيلَ: لَا يُفْطِرُ وَإِنْ نَزَعَهُ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يَبْعُدْ؛ تَنْزِيلًا لِإِيجَابِ الشَّرْعِ مَنْزِلَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>