الْأَمْرِ اهـ وَوَجْهُ انْدِفَاعِهِ أَنَّ كَلَامَ الشَّامِلِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ مَعَ الْإِفْهَامِ التَّسْبِيحَ وَالْقِرَاءَةَ، أَوْ الْبَاءُ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ؛ لِيُوَافِقَ كَلَامَ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: الَّذِي يَفْتَحُ. . . إلَخْ مَمْنُوعٌ عِنْد تَجْرِيدِ الْقَصْدِ لِلْإِفْهَامِ فَقَطْ.
وَمَا أُلْحِقَ بِهِ مِنْ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ كَمَنْ قَصَدَ بِنَحْوِ {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ} [الحجر: ٤٦] الْإِذْنَ بِعَيْنِ مَا قَالُوهُ فِي تَعْلِيلِ الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ؛ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِنَا وَإِنْ وَافَقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا قَوْلُهُ: (لَمْ يَشْتَرِطُوا. . . إلَخْ) مَمْنُوعٌ أَيْضًا؛ فَقَدْ جَزَمَ الْإِسْنَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِيمَنْ سَبَّحَ لِمَا نَابَهُ، وَسَبَقَهُ إلَيْهِ فِي الْجَوَاهِرِ كَمَا قَدَّمْته. وَشَرْطُ كَوْنِ الْفَتْحِ سُنَّةً قَصْدُ الْقِرَاءَةِ، فَلَا بِدَعَ عِنْدَ انْتِفَاءِ ذَلِكَ فِي الْإِبْطَالِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِحُصُولِ الْإِفْهَامِ الْمُجَرَّدِ مِنْهُ أَشْبَهَ كَلَامَ الْبَشَرِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ جَرَّدَ قَصْدَهُ لِإِفْهَامِ الْآيَةِ عَنْ الْقِرَاءَةِ قَدْ امْتَثَلَ الْأَمْرَ فِي الْفَتْحِ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ حِينَئِذٍ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ وَعَمَّا قَصَدَ لَهُ، وَمَا يَأْتِي بِهِ فِي نَحْوِ النَّذْرِ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ إفْهَامَ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ إنْشَاءُ قُرْبَةٍ، فَهُوَ بِالتَّسْبِيحِ أَشْبَهُ؛ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ قَصَدَ بِهِ إفْهَامَ الْغَيْرِ الْعِتْقَ أَوْ الْتِزَامَ الصَّدَقَةِ؛ بِحَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ الْإِنْشَاءِ إلَى الْإِخْبَارِ أَبْطَلَ بِلَا شَكٍّ. (تَنْبِيهٌ) قَدْ عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْته غَرَابَةُ قَوْلِ جَمْعٍ مُتَقَدِّمِينَ: لَا يَضُرُّ قَصْدُ الْإِفْهَامِ وَالتَّنْبِيهِ وَالتَّبْلِيغِ بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصٌ لِلَّهِ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَعْنَى الذِّكْرِ، بِخِلَافِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْقُرْآنِ وَكَلَامِ الْآدَمِيِّينَ، انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ - بِحَمْدِ اللَّهِ - عَلَى نَفَائِسَ وَتَحْقِيقَاتٍ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، فَلْيَتَأَمَّلْهَا السَّائِلُ - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - فَإِنَّهُ إذَا تَأَمَّلَهَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا - التَّفْصِيلُ بَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ نَحْوَ الْإِعْلَامِ أَوْ الْفَتْحِ، أَوْ لَا يَقْصِدَ شَيْئًا؛ فَتَبْطُلَ صَلَاتُهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ؛ وَبَيْنَ أَنْ يَقْصِدَ الْقُرْآنَ أَوْ الذِّكْرَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْإِعْلَامِ أَوْ الْفَتْحِ مَثَلًا فَلَا تَبْطُلُ؛ لِمَا ظَهَرَ وَتَقَرَّرَ وَاتَّضَحَ وَتَحَرَّرَ، وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَفَّقَنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ؛ إنَّهُ هُوَ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - عَنْ وَصْلِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجِسٍ أَوْ شَعْرِ آدَمِيٍّ؛ هَلْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْ الْوَصْلِ وَصْلَ كُلِّ شَعْرَةٍ لَهَا بِشَعْرَةٍ مِنْ الْخَارِجِ، أَوْ أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ نِسَاءُ مِليِبَارَ؛ فَإِنَّهُنَّ يَفْتِلْنَ شُعُورَهُنَّ وَتَكُونُ مُرْسَلَةً عَلَى حَالِهَا، ثُمَّ يَجْمَعْنَ شُعُورًا أَوْ حَرِيرًا أَوْ صُوفًا عَلَى حِدَةٍ فِي مِثْلِ نِصْفِ حَجْمِ شُعُورِهِنَّ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ يَضَعْنَ ذَلِكَ مَعَ الشُّعُورِ وَيَرْبِطْنَهَا مَعًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ؛ فَهَلْ هَذَا مِنْ الْوَصْلِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ بِشَعْرٍ نَجِسٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ رُطُوبَةٌ، وَلَا وَصَلَتْ فِيهِ، وَكَذَا بِشَعْرِ آدَمِيٍّ وَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ. وَيَحْرُمُ أَيْضًا بِشَعْرِ غَيْرِهِمَا وَبِصُوفٍ وَخِرَقٍ مَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْحَلِيلُ، وَخَرَجَ بِالْوَصْلِ رَبْطُهُ بِخَيْطِ حَرِيرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحَرَّمٍ؛ إذْ لَا وَصْلَ فِيهِ، كَذَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ مَتَى تَمَيَّزَ ذَلِكَ الْحَرِيرُ أَوْ نَحْوُهُ؛ كَالشَّعْرِ لِلْأَجْنَبِيِّ عَنْ شَعْرِ الرَّأْسِ؛ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِلًا بِهِ - كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ وَصْلٍ فَلَا نَهْيَ عَنْهُ، وَمَتَى اتَّصَلَ بِهِ كَانَ وَصْلًا وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْهُ، وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَوْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ كُرِهَ رَدُّهُ، لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَا يَقْتَضِي خِلَافَهُ وَهَذَا لَفْظُهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَالْفِعْلُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَكْرُوهٌ إلَّا لِوُجُوهٍ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَفْعَلَهُ نَاسِيًا، الثَّانِي: أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ، الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ؛ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا؛ وَكَدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالصَّائِلِ عَلَيْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ اهـ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ - فِي بَابِ الْخُطْوَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ -: إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ. وَقَالَ أَيْضًا فِيهِ عَلَى قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ (الَّذِي سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَجَعَلُوا - يَعْنِي الصَّحَابَةَ - يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ؛ يَعْنِي فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُسْكِتُوهُ) : وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ الْقَلِيلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ اهـ فَهَذَا كُلُّهُ مِنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا فِي الْإِحْيَاءِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسُقُوطِ الرِّدَاءِ انْكِشَافُ الْعَاتِقِ فَالرَّدُّ مُسْتَحَبٌّ لَا مَحَالَةَ، وَهُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْقِسْمِ الثَّالِثِ الَّذِي سَبَقَ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِسُقُوطِهِ انْكِشَافُ الْعَاتِقِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْحَاجَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَهُوَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي بَلْ لَوْ قِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute