للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمَةِ أَنْ تَكْشِفَ لِلذِّمِّيَّةِ مَا لَا يَحِلُّ لَهَا نَظَرُهُ مِنْهَا هَذَا مَعَ أَنَّهَا امْرَأَةٌ مِثْلُهَا فَكَيْفَ بِالْأَجْنَبِيِّ، وَتَخَيُّلُ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا بَاطِلٌ وَبِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ السَّتْرُ عَنْ الْمُرَاهِقِ مَعَ جَوَازِ نَظَرِهِ فَكَيْفَ بِالْبَالِغِ الَّذِي يَحْرُمُ نَظَرُهُ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ الْمَعْلُوم لِمَنْ تَدَبَّرَ كَلَامَهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ حَمْلُ كَلَامِ الْإِمَامِ عَلَى مَا قَدَّمْته فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَجِبُ مَنْعُهُنَّ إذَا فَعَلْنَ مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةُ حَتَّى مِنْ مَسْجِدِ مَكَّةَ إذَا قَصَدَتْ الطَّوَافَ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى لَهُنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ وَقَدْ يَكُونُ فَرْضًا عَلَيْهِنَّ قُلْت: لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِح. وَلِأَنَّهُنَّ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْمَجِيءِ إلَيْهِ فِي ثِيَابٍ رَثَّةٍ بِحَيْثُ لَا يُخْشَى مِنْهُنَّ افْتِتَانٌ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَجَبَ عَلَيْهَا الطَّوَافُ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا أَوْ شَابَّةً فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا مُكِّنَتْ مِنْ الْإِتْيَانِ لِفِعْلِهِ إذَا كَانَتْ فِي ثِيَابٍ رَثَّةٍ وَكَذَا مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ لَا خَشْيَةَ فِتْنَةٍ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَزَبَةً أَوْ مُتَزَوِّجَةً فَإِنْ كَانَتْ عَزْبَةً فَلَا ضَرُورَةَ عَلَيْهَا فِي تَأْخِيرِهِ إلَى وَقْتِ خُلُوِّ الْمَطَافِ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ فَتَفْعَلُهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً وَأَمَرَهَا الزَّوْجُ بِهِ وَخَشِيَتْ الْفِتْنَةَ بِخُرُوجِهَا وَلَوْ فِي ثِيَابٍ رَثَّةٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْخُرُوجُ وَحْدَهَا.

بَلْ تَقُولُ لَهُ: إمَّا أَنْ تَخْرُجَ مَعِي إلَى أَنْ أُؤَدِّيَهُ هُوَ وَالسَّعْيَ، وَإِمَّا أَنْ لَا تَأْمُرَنِي بِهِ فَحِينَئِذٍ اسْتَوَى الطَّوَافُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرُوا لِخُرُوجِهَا لِلْجَمَاعَةِ وَغَيْرِهَا شُرُوطًا تَأْتِي فِي خُرُوجِهَا لِلْأَسْوَاقِ، وَغَيْرُهَا بِالْأَوْلَى فَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ ذَلِكَ وَنَقْلِهِ مَبْسُوطًا لِيُعْلَم مِنْهُ مَا أَشَارَ السَّائِلُ إلَيْهِ ثُمَّ نَذْكُرُ شَيْئًا مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مِنْ غَيْرِ مَذْهَبِنَا لِيُعْلَمَ مُوَافَقَتُهُمْ لَنَا أَوْ عَدَمُهَا فَنَقُولُ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِدِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مُتَطَيِّبَةً وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ مَا أَحْسَنَهُ فِيمَا قَدَّمْته مِنْ وُجُوبِ الْمَنْعِ حَيْثُ تَرَتَّبَتْ الْفِتْنَةُ عَلَى خُرُوجِهِنَّ فَإِنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاء مَأْخُوذَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ أَنْ لَا تَكُونَ مُتَطَيِّبَةً وَلَا مُتَزَيِّنَةً ذَاتَ خَلَاخِل يُسْمَعُ صَوْتُهَا وَلَا ثِيَابًا فَاخِرَةً وَلَا مُخْتَلِطَةً بِالرِّجَالِ وَلَا شَابَّةً وَنَحْوَهَا مِمَّنْ يُفْتَتَنُ بِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ بِالطَّرِيقِ مَا يُخَافُ بِهِ مَفْسَدَةٌ وَنَحْوُهَا وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنْ الْخُرُوجِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ حَرُمَ الْمَنْعُ إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ اهـ فَافْهَمْ قَوْلُهُ لَكِنْ بِشُرُوطِ إلَخْ إنَّ هَذِهِ شُرُوطٌ لِعَدَمِ الْمَنْعِ، وَأَنَّهُ حَيْثُ فُقِدَ وَاحِدٌ مِنْهَا مُنِعَتْ لَكِنَّ كَلَامَهُ يَقْتَضِي جَوَازَ الْمَنْعِ أَوْ وُجُوبَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ سَاكِتٌ عَنْ التَّعَرُّض لِأَحَدِ الْقِسْمَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِالْوُجُوبِ كَمَا يَأْتِي عَنْ الْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ السَّابِقُ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْخُرُوجِ أَيْ لِجَوَازِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَحَيْثُ حَرُمَ الْخُرُوجُ وَجَبَ الْمَنْعُ وَلِيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك جَعْلُهُ مِنْ الشُّرُوطِ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا يُخَافُ بِهِ مَفْسَدَةٌ، وَأَنْ لَا تَخْتَلِطَ بِالرِّجَالِ. وَيُؤَيِّدُ الْمَنْعَ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدَهُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسَاجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيل لَكِنَّ كَلَامَهَا مُحْتَمِلٌ أَيْضًا لِوُجُوبِ الْمَنْعِ وَلِجَوَازِهِ، وَاحْتِمَالِهِ لِوُجُوبِهِ أَقْرَبُ وَيَدُلُّ عَلَيْهَا الْمُلَازَمَةُ الْمَذْكُورَةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ مِنْ الْقَوَاعِد الدِّينِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِحَسْمِ مَوَادِّ الْفَسَادِ وَيُؤَيِّدُ مَا اسْتَنْبَطْتُهُ قَوْلُ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَحْدُثُ لِلنَّاسِ فَتَاوَى بِقَدْرِ مَا أَحْدَثُوا مِنْ الْفُجُورِ

وَإِنَّمَا نُسِبَ لِمَالِكٍ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهُ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بَعْدَهُ يَقُولُونَ بِذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى مِنْ مَذَاهِبِهِمْ وَمَنْ تَخَيَّلَ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّمَسُّكِ

بِالْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ

الَّتِي يَقُولُ بِهَا مَالِكٌ وَهِيَ مُبَايِنَةٌ لِلشَّرِيعَةِ فَقَدْ وَهِمَ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَا أَرَادَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ أَنَّ مَنْ أَحْدَثَ أَمْرًا يَقْتَضِي أُصُولُ الشَّرِيعَةِ فِيهِ غَيْرَ مَا اقْتَضَتْهُ قَبْلَ حُدُوثِ ذَلِكَ الْأَمْرِ يُجَدَّدُ لَهُ حُكْمٌ بِحَسَبِ مَا أَحْدَثَهُ لَا بِحَسَبِ مَا كَانَ قَبْلَ إحْدَاثِهِ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَقَوْلُهَا ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ لَا مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ الْمُخْتَلَفِ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً لِأَنَّهَا اطَّلَعَتْ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ إذَا اطَّلَعَ عَلَى مَا أَحْدَثَتْ النِّسَاءُ لِمَنْعِهِنَّ وَيُؤَيِّدُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>