للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَزْوَاجِهِمْ سَافِرَات عَنْ وُجُوهِهِنَّ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ وَبِأَيْدِيهِمْ الشُّمُوعُ مُتَّقِدَةٌ وَمِنْ الْمُنْكَرَاتِ أَيْضًا مَا يَفْعَلُهُ نِسَاءُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُنَّ عِنْدَ إرَادَةِ الطَّوَافِ وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ مِنْ التَّزَيُّن وَاسْتِعْمَالِ مَا تَقْوَى رَائِحَتُهُ مِنْ الطِّيبِ بِحَيْثُ يُشَمُّ عَلَى بُعْدٍ فَتُشَوِّشُ بِذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَيَجْتَلِبْنَ بِسَبَبِهِ اسْتِدْعَاء النَّظَرِ إلَيْهِنَّ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِد نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُلْهِمَ وَلِيَّ الْأَمْرِ إزَالَةَ الْمُنْكَرَاتِ آمِينَ اهـ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي وُجُوبِ الْمَنْعِ حَتَّى مِنْ الطَّوَافِ عِنْدَ ارْتِكَابهنَّ دَوَاعِي الْفِتْنَةِ فَيَتَأَيَّدُ بِهِ مَا قَدَّمْته. وَحَدِيثُ «كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» «وَالْمَرْأَة إذَا اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا» مَعْنَى زَانِيَةٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَرَوَى ابْنُ حِبَّانَ حَدِيثَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ» قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَمِنْ الْبِدَعِ مَا يَقَعُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ نَوْمُ النِّسَاءِ فِي الْجَامِعِ وَدُخُولهنَّ مَعَ الرِّجَالِ الْمَرَافِقَ فَذَلِكَ حَرَامٌ لَا يَرْضَى بِهِ لِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا قَلِيلُ النَّخْوَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرْضَى بِهِ أَحَدٌ لِامْرَأَتِهِ وَكَيْفَ لَا يَجِبُ مَنْعُهَا وَكَيْفَ يُقَالُ بِوُجُوبِ الْمَنْعِ وَيَجُوزُ لَهَا الْخُرُوجُ هَذَا لَا يَكُونُ فِي الشَّرْعِ.

قَالَ وَمِنْ الْمُحَرَّمَاتِ مُزَاحَمَتُهُنَّ الرِّجَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَالطَّرِيقِ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَأَنْ يَزْحَمَ رَجُلًا خِنْزِيرٌ مُتَلَطِّخٌ بِطِينٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَزْحَمَ مَنْكِبَيْهِ امْرَأَةٌ لَا تَحِلُّ لَهُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ مِنْ الْمَالِكِيَّة وَأَبِي شَامَةَ مِنَّا أَنَّهُمَا أَنْكَرَا ذَلِكَ وَبَالَغَا فِيهِ وَأَنَّهُ مِنْ الْفُسُوقِ وَأَنَّ مَنْ تَسَبَّبَ فِيهِ يُفَسَّقُ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْت أَتَقُولُ بِمَنْعِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إلَى الْمَسَاجِد وَالْمَوَاعِيد وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ غَيْرَ قَبْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُلْت: كَيْفَ لَا أَقُولُ بِهِ وَقَدْ صَارَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ لِعَدَمِ شَرْطِ جَوَازِ الْخُرُوجِ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ التُّقَى وَالْعَفَافُ. وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ الشَّيْخَانِ الْإِمَامَانِ الزَّاهِدَانِ الْوَرِعَانِ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ الْحِصْنِيُّ وَشَيْخُنَا عَلَاءُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدٍ النَّجَّارِيُّ تَغَمَّدَهُمَا اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ وَفِيمَا ذَكَرَاهُ كِفَايَةٌ لِمَنْ تَرَكَ هَوَاهُ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّحْرِيمِ وَادِّعَاءَ الِاتِّفَاق عَلَى الْمَنْعِ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَعَلَى مَا أَذْكُرُ كَلَامًا مَجْمُوعًا مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ يُوَضِّحُ مُرَادَهُمَا وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيمَا قَالَاهُ وَأَنَّ مَنْ يُخَالِفُهُمَا فَلِعَدَمِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا عَلِمَاهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الِاطِّلَاع لِلْبَعْضِ الْعَدَمُ لِلْكُلِّ. فَمَا ذَكَرَاهُ أَنَّ الْمُفْتَى بِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَنْعُ خُرُوجِهِنَّ وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي ذَلِكَ إلَّا غَبِيٌّ تَابِعٌ لِهَوَاهُ؛ لِأَنَّ الْأَحْكَام تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ أَهْلِ الزَّمَانِ وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَذَاهِبِ الْعُلَمَاء مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَالَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نَقْلًا عَنْ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي خُرُوجِهِنَّ لِلْعِيدَيْنِ فَرَأَى جَمَاعَةٌ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ عَلَيْهِنَّ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُهُ وَغَيْرُهُمْ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُنَّ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ عُرْوَةُ وَالْقَاسِمُ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ أَجَازَهُ مَرَّةً وَمَنَعَهُ أُخْرَى، وَفِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ: وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ فِي الشَّابَّةِ دُونَ غَيْرِهَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ كَانَ الْأَمْرُ بِخُرُوجِهِنَّ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَام لِيَكْثُر الْمُسْلِمُونَ فِي عَيْنِ الْعَدُوِّ اهـ.

وَفِي شَرْحِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتَ أَهْلُ الْإِسْلَام فِي حَيِّزِ الْقِلَّةِ فَاحْتِيجَ إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إخْرَاجِ الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُورِ وَفِي مُصَنَّفِ ابْنِ الْعَطَّارِ وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا بَلْ تَلْزَمُ قَعْرَهُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا عَوْرَةٌ وَالْعَوْرَة يَجِبُ سَتْرُهَا وَأَمَّا الْخُرُوجُ إلَى الْمَسَاجِد فِي الْغَلَسِ عِنْدَ أَمْنِ الضَّرَرِ وَالْفِتْنَة فَقَدْ كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَزَمَانَ بَعْضِ أَصْحَابِهِ. ثُمَّ مُنِعَ مِنْهُ لِمَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ مِنْ الِافْتِتَان بِهِنَّ وَالتَّبَهْرُجِ وَالتَّطَيُّب وَفِتْنَتهنَّ بِالرِّجَالِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي مَنْعِهِنَّ ثُمَّ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهَا أَنْ لَا تَتَزَيَّنَ وَلَا تَتَطَيَّبَ وَلَا تَمْشِي وَسَطَ الطَّرِيقِ وَأَنْ لَا يَكُونَ خُرُوجُهَا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يُعِينَ زَوْجَتَهُ وَلَا امْرَأَةً مِمَّنْ يَحْكُمُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الْإِعَانَة عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ الْإِذْنُ لَهُنَّ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمُصَلَّى مُتَلَفِّعَات بِمُرُوطِهِنَّ حَتَّى الْحُيَّضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>