ذَكَرِ الْمُجَامِعِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ الرُّطُوبَةِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي هِيَ نَجِسَةٌ، فَإِنْ عُلِمَ خُرُوجُهَا مَعَ الْجِمَاعِ نَجَّسَتْ ظَاهِرَ الْفَرْجِ وَذَكَرَ الْمُجَامِعِ؛ فَعُلِمَ أَنَّ الرُّطُوبَةَ الْخَارِجَةَ حَالَ الْجِمَاعِ إنْ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ الظَّاهِرِ أَوْ شُكَّ هَلْ هِيَ مِنْهُ أَوْ مِنْ الْبَاطِنِ؟ حُكِمَ بِطَهَارَتِهَا وَشَمَلَهَا قَوْلُهُمْ: وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْبَاطِنِ كَانَتْ نَجِسَةً كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، وَلَمْ يَشْمَلْهَا كَلَامُهُمْ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْعَقْرَبِ حَالَةَ قَتْلِهَا هَلْ هُوَ دَمٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ وَلَوْ خَالَطَتْهُ رُطُوبَةٌ أُخْرَى أَجْنَبِيَّةٌ؟ فَإِنَّهُ قَدْ عَمَّ الْبَلَاءُ بِقَتْلِ الْعَقْرَبِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُلَاقِي مَا يَخْرُجُ مِنْهَا رِجْلَ الْمُتَطَهِّرِ حَالَ رُطُوبَتِهَا أَمْ لَا يُعْفَى عَنْ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا: أَنَّ الْعَقْرَبَ لَيْسَ لَهُ دَمٌ يَسِيلُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَخَرَجَ بِيَسِيلُ مَا فِيهِ رُطُوبَةٌ حَمْرَاءُ لَا تُفَارِقُهُ بِالسَّيَلَانِ فَلَا أَثَرَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى دَمًا إذْ الدَّمُ مَا يَجْتَمِعُ فِي عِرْقٍ وَيَخْرُجُ بِفَتْقِ ذَلِكَ الْعِرْقِ؛ أَيْ وَمَعَ كَوْنِ هَذِهِ الرُّطُوبَةِ لَا تُسَمَّى دَمًا هِيَ نَجِسَةٌ فَلَوْ تَحَقَّقَ بِقَتْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ إصَابَةُ هَذِهِ الرُّطُوبَةِ لِشَيْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ حَرُمَ قَتْلُهَا فِيهِ، وَكَوْنُ الشَّارِعِ نَدَبَ إلَى قَتْلِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ عُذْرٌ فِي عَدَمِ تَنَجُّسِ الْمَسْجِدِ وَإِذَا أَصَابَتْ هَذِهِ الرُّطُوبَةُ بَدَنَ الْمُصَلِّي أَوْ ثَوْبَهُ عُفِيَ عَنْ قَلِيلِهَا كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ، بَلْ أَوْلَى نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُلَاقِيَهَا رُطُوبَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ، لَكِنْ الرُّطُوبَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ مَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِمَّا يُضْطَرُّ لِمُلَاقَاتِهِ لَا يَمْنَعُ مُلَاقَاتُهُ الْعَفْوَ عَنْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - أَمَدَّنَا اللَّهُ مِنْ مَدَدِهِ - مَا الْحِكْمَةُ فِي تَنَجُّسِ الْكَلْبِ؟ وَهَلْ سُمُّ الْحَيَّاتِ وَنَحْوِهَا نَجَسٌ؟
(فَأَجَابَ) - أَفَاضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ فَيْضِ مَدَدِهِ - الْحِكْمَةُ فِي تَنَجُّسِ الْكَلْبِ التَّنْفِيرُ مِمَّا كَانَ يَعْتَادُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ الْقَبَائِحِ كَمُؤَاكَلَةِ الْكِلَابِ، وَزِيَادَةِ إلْفِهَا وَمُخَالَطَتِهَا مَعَ مَا فِيهَا مِنْ الدَّنَاءَةِ وَالْخِسَّةِ الْمَانِعَةِ لِذَوِي الْمُرُوآت وَأَرْبَابِ الْعُقُولِ مِنْ مُعَاشَرَةِ مَنْ تَحَلَّى بِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ حَرُمَ الْجُلُوسُ عَلَى نَحْوِ جِلْدِ النُّمُورِ وَالسِّبَاعِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِعْلَ الْمُتَكَبِّرِينَ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْ التَّأَسِّي بِهِمْ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي التَّأَسِّي بِهِمْ هُنَا مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ ثُمَّ كَانَ ثَمَّ حُرْمَةٌ وَنَجَاسَةٌ، وَهُنَا حُرْمَةٌ فَقَطْ. وَسُمُّ نَحْوِ الْحَيَّاتِ نَجَسٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ وَمُتَأَخِّرُونَ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ يَجُوزُ التَّدَاوِي بِحَافِرِ الْمَيْتَةِ وَعَظْمِهَا؟
(فَأَجَابَ) - فَسَّحَ اللَّهُ فِي مُدَّتِهِ - يَجُوزُ التَّدَاوِي بِحَافِرِ الْمَيْتَةِ وَعِظَامِهَا بِسَائِرِ النَّجَاسَاتِ صِرْفِهَا وَمَخْلُوطِهَا إلَّا الْخَمْرَ فَلَا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِصِرْفِهَا وَيَجُوزُ بِمَخْلُوطِهَا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَمَّنْ تَنَجَّسَ بِكَلْبِيَّةٍ فَمَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِهِ - إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ حُكْمِيَّةً طَهُرَتْ بِمُرُورِ الْمَاءِ عَلَيْهَا سَبْعًا مَعَ التَّرْتِيبِ فِي إحْدَاهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنِيَّةً لَمْ تَطْهُرْ إلَّا إذَا زَالَتْ الْعَيْنُ وَصِفَاتُهَا، ثُمَّ غُسِلَتْ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْعَيْنَ لَمْ تَزُلْ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ كَانَتْ كُلُّهَا غَسْلَةً وَاحِدَةً عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا كُحِّلَ بِنَجَسٍ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ بَاطِنِ عَيْنِهِ؟
(فَأَجَابَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ - يَجِبُ غَسْلُ بَاطِنِ الْعَيْنِ مِنْ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ لِنُدْرَةِ النَّجَاسَةِ وَتَكَرُّرِهِمَا فَلَوْ أُمِرَ بِغَسْلِهِ فِيهِمَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى ضَرَرٍ؛ مِنْ ثَمَّ لَمْ يُنْدَبْ غَسْلُهُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ خِلَافٌ لِقَوْلِ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا بِنَدْبِهِ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِأَنَّهُ لَيْسَ ظَاهِرًا فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا فِي فِعْلِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبٌ لَهُ بَلْ صَرَّحَ الدَّارِمِيَّ بِكَرَاهَةِ غَسْلِهِ أَيْ لِمَنْ تَأَذَّى بِهِ أَذًى خَفِيفًا وَإِلَّا فَالْوَجْهُ تَحْرِيمُهُ. ثُمَّ رَأَيْت الْأَذْرَعِيَّ أَشَارَ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ بِقَضِيَّةِ إطْلَاقِ الدَّارِمِيِّ فَصَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِهِ لَكِنْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَتَضَرَّرَ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - نَفَعَ اللَّهُ بِعُلُومِهِ - وَبَرَكَتِهِ إذَا أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ أَوْ شَرِبَ لَبَنَهُ فَأَخْرَجَهُ مِنْ أَسْفَلَ عَلَى صُورَتِهِ هَلْ يَجِبُ تَسْبِيعُ الْمَخْرَجِ أَوْ يَكْفِي غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَنْ أَكَلَ لَحْمَ كَلْبٍ مَثَلًا طَهُرَ فَمُهُ بِالتَّسْبِيعِ وَيَكْفِيه فِي الْفَرْجَيْنِ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ فَضْلَتِهِ وَلَوْ بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ؛ لِزَوَالِ حُكْمِ الْمُغَلَّظِ بِاسْتِحَالَتِهِ.
قَالَ الرُّويَانِيُّ بَعْد نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ: وَعَلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ، وَتَشْكِيكُ النَّفْسِ فِيهِ مِنْ الْوَسْوَاسِ اهـ.
وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُسْتَحِيلَ فِي الْمَعِدَةِ كَالْمُسْتَحَالِ إلَيْهِ طَهَارَةً وَنَجَاسَةً